يتسلل أحمد شفيق ببطء إلي صدارة المشهد المصري في صورة المنقذ ونبي الرحمة.. يا لها من سخرية. قبل سنوات قليلة كان الرجل نفسه هو سيد الفلول والذراع القوية للنظام البائد، ثم صار الآن الحل اليتيم للخلاص. لا جدال أن 3 سنوات من حكم "طبيب الفلاسفة" أفقدت الجميع توازنه وأضاعت المعالم والطريق، فأصبحنا نري القبيح جميلاً واللون الأسود الكالح مبهجاً، وبالتالي فلا مانع أيضاَ إن أصبح شفيق هو الملاذ من هذا الجحيم المستعر. يؤمن أغلبنا بأنه في حال واصل النظام السياسي الحالي المضي في الطريق ذاته، متخذاً من التضليل سنداً، ومن القمع سلاحاً، فأي انتخابات قادمة ستكون محسومة حتماً لصاحب أكبر رصيد من الإخفاقات، والمتربع علي عرش الإنجازات الهلامية وهو الرئيس عبدالفتاح السيسي. ولكن يبقي سؤالاً مبهماً.. إن كان السيسي منفرداً سيمثل طرفي المعادلة الانتخابية المقبلة، فلماذا يصاب النظام الحاكم بكل هذا الذعر كلما سمع أصداء اسم المدعو شفيق؟ يدرك القائمون علي "شبه الدولة" أنهم باتوا بلا ظهير شعبي، وأن محاولاتهم لتجميل ما حدث من انهيار اقتصادي وسياسي خلال مدة حكم السيسي، لم تعد تنطلي علي طفل صغير، فشتان بين الجماهيرية الجارفة التي كان يحظي بها قائد غزوة طرد الإخوان من مصر، وبين شعبيته الراهنة التي فقدت بريقها وزخمها فصارت نقمة وابتلاء. هنا إذاً تكمن خطورة شفيق.. فلو ترشح الآن لاكتسح وتسيد، فلم يعد عهد مبارك وصمة تطارد المنتسبين إليه، ولم يعد لقب الصديق الوفي للرئيس المخلوع يحمل أي إساءة لصاحبه، بل العكس تماماً، فقد أجبرنا النظام الحالي بسوء إدارته وقدراته المحدودة وإخفاقاته المتكررة علي احترام من ثورنا عليه لفساده وتبعيته وانحيازه للأغنياء.. وبدت هناك قناعة لدي الكثيرين بأن الفاسد المستبد أقل ضرراً من الفاشل المستبد. المستحيل أن يلتزم النظام الحاكم بالقواعد الصحيحة والقانونية للانتخابات دون تحريف أو تجريف، فالمغامرة بإفساح المجال لتكافؤ الفرص بين المتنافسين لن يكون في صالحه، والتزام أجهزة الدولة العميقة بالحياد هو أشبه بعملية انتحار جماعي للنظام، وانتهاج مبدأ الشفافية سيزيد من فرص سقوطه المدوي، وبالتالي لا بديل عن استحضار الألاعيب الشريرة لضمان الاستمرار حتي لو انحدرت البلاد للهاوية وقبعنا جميعاً في القاع السحيق. يعي النظام جيداً أن كل الصخب المثار مما يعرف بالقوي الوطنية واليسارية حول التوافق علي مرشح منافس للسيسي سيتبدد وينتهي إلي سراب، فهو أشبه بضجيج بلا طحين، والأحزاب جري تطويعها إما بالابتزاز أو التخويف أو التفكيك، وقوي الإسلام السياسي مبعثرة بين السجون والمنفي والملاحقة الأمنية، وما عاد أحداً يمثل خطورة عليه إلا شفيق، لذا تم وضع الرجل منفرداً في مرمي النيران الكثيف. حصار شفيق ومنعه من النزول إلي ساحة المنافسة بدا هو الحل المثالي لإنقاذ أركان نظام تهالك واهترأت أعمدته في وقت قياسي، فالقاعدة الحاكمة لدي الحاشية والكهنة تعتمد علي تجفيف منابع الخطر مبكراً ووأد حلم الرجل العجوز بالرئاسة في مهده، قبل أن يتحول الأمر إلي كابوس، فتسقط قلاع النظام وتضيع مكتسباته، ولا يعرف وقتها السادة والأعوان إلي أي منقلب سينقلبون. لو تجرأ شفيق وحاول أن يخترق هذا الحصار المنيع بإعلان ترشحه للرئاسة لاحترق وفي الحال، فماكينات الإعلام جاهزة لإطلاق حملات التشويه وشن غارات إبادة علي أنصاره ومن يتبع سنته، وقد أطلقت بالفعل وسائل الإعلام المدجنة نذير الحرب علي شفيق، بعضها بادر بالهجوم من تلقاء نفسه وآخرون استجابوا للتعليمات الفوقية، فالخطر المحدق بنزول صاحب ال12 مليون صوت في انتخابات 2012 يستدعي إشهار كافة الأسلحة اللامشروعة وغير الأخلاقية. الملفت أن أركان النظام باتوا علي يقين أنهم في أزمة، أزمة تجسدت لعدم تقديمهم أي إسهام أو إصلاح يذكر، فما نجحوا إلا في تربية كوادر جديدة من الحمقي والمنافقين، ورغم ذلك يصرون علي البقاء بدلاً من الاعتذار والرحيل، فالتضحية لديهم بمصائر الشعوب أبخس مائة مرة من التضحية بالعروش والمناصب، وسحق شفيق أو غيره أسهل من المكاشفة والمحاسبة.. فها هم يسيرون علي دين غريمهم اللدود وانطلاقاً من قاعدة جديدة مبتكرة تقول: "الحكم مغالبة وفهلوة مش شطارة أو مشاركة".