في الوقت الذي يواجه فيه قطاع غزة أزمات داخلية بسبب الحصار الجائر المفروض عليه منذ سنوات، ويدفع فيه القطاع ثمن مزايدات وخلافات سياسية بين حركتي فتح وحماس، يأتي الاستهداف الإسرائيلي للقطاع ليزيد المعاناة ويقطع آخر الآمال لدى الغزاويين في تهدئة الأوضاع، أو على الأقل بقائها على وضعها، ليبقى القطاع على شفا الانفجار. تصعيد عسكري استهدفت الطائرات الإسرائيلية، مساء أمس، أهدافًا مختلفة في قطاع غزة، على رأسها "موقع بدر للمقاومة" التابع لكتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، غربي مدينة غزة بعدة صواريخ، كما استهدفت الطائرات للمرة الثانية على التوالي أرضًا زراعية شرق منطقة وادي غزةجنوبالمدينة، ولم يبلغ عن وقوع إصابات، كما استهدفت الطائرات الحربية موقع "الشهيد محمد أبو حرب" التابع للمقاومة في مدينة رفح جنوب القطاع بصاروخين من طائرة استطلاع، تلاهما صاروخ من طائرة "إف 166" شمال شرق محافظة رفح جنوب قطاع غزة، دون وقوع إصابات. يأتي هذا التصعيد الإسرائيلي بعد أن ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن سلاح الجو قصف عدة أهداف لحماس بغزة بعد إطلاق صاروخ من القطاع، حيث أفاد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أمس الاثنين، بسقوط قذيفة صاروخية في منطقة "شاعر هنيجف" في النقب، انفجرت في المكان دون وقوع إصابات، ومصدر القذيفة قطاع غزة. جاء رد حركة حماس على التصعيد الصهيوني سريعًا، حيث حذرت الحركة إسرائيل من تبعات سياستها تجاه غزة، والاستمرار في التصعيد الخطير على القطاع، مشددة على أنها تتحمل تبعات سياساتها غير المحسوبة العواقب، وقال الناطق باسم الحركة، فوزي برهوم: زعم الاحتلال الإسرائيلي إطلاق صاروخ من غزة وإصدار بيان باسم داعش؛ لتبرير ما جرى من تصعيد واستهداف لمواقع المقاومة. لعبة إسرائيلية خطيرة ومكشوفة، وأضاف برهوم: "نحذر من التمادي في هذه اللعبة المكشوفة والاستمرار في هذا التصعيد الخطير والقصف أو المساس بأي من أبناء شعبنا"، واختتم قائلًا: على الاحتلال الإسرائيلي أن يتحمل كل تبعات حماقاته وسياساته غير محسوبة العواقب. الضغوط تتزايد.. سياسيًّا وعسكريًّا على الرغم من أن إسرائيل اعتادت توجيه ضربات إلى مراكز ومواقع المقاومة الفلسطينية بذرائع واهية بين الحين والآخر، إلا أن هذا التصعيد الأخير يأتي في الوقت الذي يشهد فيه قطاع غزة معاناة تتوسع مع زيادة اللاعبين فيها، فبعد أن كان القطاع محاصرًا من قبل الاحتلال الصهيوني فقط، بات الآن ساحة مبارزة وصراع سياسي بين حركتي فتح وحماس، خاصة بعد زيارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لتل أبيب في مايو الماضي، حيث بدأت عمليات التضييق على القطاع من قبل سلطة رام الله تتزايد بمساندة وتنسيق مع الاحتلال ومباركة من الجانب الأمريكي. خلال الأسابيع القليلة الأخيرة حاولت السلطات الإسرائيلية تضييق الخناق على حركة حماس وأهالي قطاع غزة، وتناسقت هذه المحاولات مع محاولات مماثلة من السلطة الفلسطينية لتصفية حساباتها مع الحركة التي طردتها عام 2007 من قطاع غزة، ففضلًا عن القرار الذي اتخذته سلطة رام الله منذ أشهر بتقليص رواتب العاملين في السلطة داخل غزة، والتوقف عن دفع رواتب أعضاء في المجلس التشريعي تابعين لحماس، جاءت قرارت جديدة بالتوقف عن دفع فواتير الكهرباء التي تمد بها إسرائيل غزة عبر 10 خطوط تنقل 125 ميجا واط، أي ما يعادل 30% من احتياجات غزة من الكهرباء، وهو ما دفع الكيان إلى الإعلان عن تخفيض حصة غزة اليومية من الكهرباء بمعدل 45 دقيقة يوميًّا، ليرى القطاع النور لمدة ساعتين وربع فقط يوميًّا، متحججًا بقرار السلطة الفلسطينية عدم دفع الفواتير. عقب هذا القرار المزيد من الإجراءات العقابية تجاه الغزاويين، حيث صدّق الكنيست الصهيوني، قبل أسابيع، على قانون يجيز للسلطات الإسرائيلية اقتطاع المبالغ التي تدفعها السلطة الفلسطينية للأسرى وعوائل الشهداء من الأموال التي تجبيها لمصلحة السلطة، حيث تحوّل إسرائيل عائدات الضرائب التي تجبيها من البضائع التي تدخل عبر موانئها ومعابرها إلى السلطة الفلسطينية، وينص القانون على أن يعد وزير الأمن الإسرائيلي تقريرًا سنويًّا يوضح فيه مقدار المبالغ التي حولتها السلطة إلى عائلات الأسرى والشهداء، لكي يصار إلى اقتطاع هذه المبالغ من الأموال الفلسطينية التي تحولها إسرائيل للسلطة، وهو ما يبدو أن السلطة تتجه للموافقة عليه أيضًا. وفي ذات الإطار أفادت صحيفة هآرتس العبرية، الأسبوع الماضي، أن السلطة الفلسطينية أوقفت التحويلات الطبية لمرضى غزة، ومنعتهم من تلقي العلاج في إسرائيل، وذكرت الصحيفة أن 300 إذن علاج فقط سمح بها في شهر مايو من أصل 3500 مقابل 2040 كانت تمنح في الماضي، معتبرة أن ذلك يأتي في خضم سياسة رئيس السلطة محمود عباس الجديدة تجاه قطاع غزة والمعتمدة على العقاب المباشر لسكان القطاع بهدف استعادته من يد حماس، وأكدت أن السلطة في رام الله تمنع المرضى في قطاع غزة من العلاج في إسرائيل أو الضفة الغربية أو الأردن. من جانب آخر ذكرت صحيفة "معاريف" العبرية أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بصدد إصدار قرار يقضي بإلغاء عمل هيئة شؤون الأسرى، ووفق الصحيفة فإن هذه الخطوة تأتي في إطار تفاهمات عباس مع الرئيس الأمريكي "ترامب"، تحضيرًا لتهيئة الأجواء للدخول في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي خلال الفترة القادمة. ونقلت معاريف عن مصادر في السلطة الفلسطينية قولها إن "حكومة رامي الحمد لله جهزت الإجراءات كافة التي سيتم خلالها دمج هيئة شؤون الأسرى ضمن إحدى وزارات حكومة التوافق الوطني"، وأضافت أن "خطة أبو مازن تنصب في دمج هيئة شؤون الأسرى ضمن المؤسسات التابعة لوزارة الداخلية، بحجة الأزمة المالية التي تعاني منها، والتي تعود إلى تقليص الدعم المالي من الدول المانحة لها، ما سيدفعها في النهاية إلى إغلاق الهيئة، والتخلص من عبئها الإداري، ودمجها ضمن مؤسسات وزارة الداخلية". هل ينفجر القطاع أم يجد "المنقذ"؟ في ظل كل هذه الإجراءات العقابية المتلاحقة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية خلال أشهر قليلة، إضافة إلى توسيع إسرائيل حملة الاعتقالات والضربات العسكرية التي تشنها بين الحين والآخر على القطاع، انطلقت التحذيرات الإسرائيلية والفلسطينية من قرب احتراق الفتيل وانفجار القنبلة، فالقطاع بات على شفا مجاعة غير مسبوقة، ناهيك عن معاناته الإنسانية بسبب قلة المياه وقطع الكهرباء ووقف المخصصات المالية وتعطل الرواتب وانتشار الأمراض، ليأتي التصعيد العسكري الصهيوني ويزيد الطين بلة، الأمر الذي يجعل المقاومة والغزاويين لا يملكون ما يخسرونه، ويهدد بانفجار قنبلة المواجهة الجديدة بين المقاومة والغزاويين من جانب، والسلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني من جانب آخر. في المقابل استبعد بعض المحللين فكرة "القادم أسوأ" على قطاع غزة، حيث رجحوا أن تكون هناك انفراجة قريبة للقطاع المحاصر، خاصة بعد التحركات الجديدة للسياسي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، الذي يبدو أنه نجح مؤخرًا في عقد اتفاق تسوية أو مصالحة مع حركة حماس التي كان "دحلان" خصمها الأكبر، ويبدو أيضًا أنه بناء على هذا الاتفاق نجح رجل الإمارات في إقناع مصر بإرسال عشرات الشاحنات المحملة بالوقود إلى قطاع غزة، لاستئناف عمل محطة الكهرباء في غزة وتزويد سكان القطاع بالكهرباء، لينزع بذلك "دحلان" فتيل وضع كارثي محتمل، ويوجه ضربة لخصمه وخصم حماس "محمود عباس"، ويظهر كأنه "منقذ" القطاع من الانهيار. في ذات الإطار كشفت وثيقة مسربة، أمس الاثنين، عن اتفاق تمخض عن الحوار الذى جرى مؤخرًا بين حركة حماس ومحمد دحلان فى القاهرة، وهو ما أطلق عليه ب"وثيقة وفاق وطني لبناء الثقة"، مكونة من 15 بندًا، هدفها إغلاق ملف المصالحة المجتمعية بشكل كامل، وكشفت الوثيقة أن "دحلان" سيكون رئيس الحكومة في قطاع غزة، بينما ستترك وزارة الداخلية لحركة حماس.