الظلام في غزة لم يتوقف منذ عدة سنوات، لكن يبدو أنه سيزداد في مقبل الأيام، بعد قرار السلطة الفلسطينية وقف مدفوعات إمدادات الكهرباء الإسرائيلية للقطاع المحاصر اقتصاديًّا وسياسيًّا وجغرافيًّا. القرار الذي أعلنت عنه إسرائيل امتنعت السلطة الفلسطينية عن مجرد التعليق عليه، واكتفت بالحديث عن مبادرة يجب على حماس الاستجابة لها، في المقابل هاجمت حماس القرار، واعتبرته تنصلًا من السلطة من مسؤولياتها. فتح والتصعيد الأخير مع حماس يبدو أن السلطة الفلسطينية في طريقها لإظلام غزة، وتحت قيد الابتزاز السياسي من قبل السلطة، سيعيش وحتى إشعارٍ آخر أكثر من مليوني فلسطيني بلا كهرباء في قطاع يرزح في الأساس تحت حصار خانق منذ أكثر من عقد، وأكثر ما يسترعي الاشمئزاز من تصرفات السلطة في حرمان شعبها الفلسطيني في غزة من الكهرباء أنه قرار مزدوج من فتح والعدو الصهيوني، فهذه المرة قررت فتح تعديل المقولة الشهيرة "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"، إلى "أنا والغريب على أخي". وقال بيان صادر عن وحدة الاتصال العسكري الصهيوني مع السلطة في رام الله "إن السلطة الفلسطينية ستوقف فورًا سداد ثمن الكهرباء الذي تمد به إسرائيل غزة عبر 10 خطوط للكهرباء تنقل 125 ميغا وات"، أي ما يعادل 30% من احتياجات غزة من الكهرباء. وفي الأساس تعاني غزة من نقص في الكهرباء بسبب توقف محطة توليد الكهرباء في القطاع، بالإضافة لانقطاع إمدادات الكهرباء المصرية عبر خطوط الكهرباء، ويبدو أن الأسلوب الجديد للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يقضي بأنه كلما تشابكت خيوط اللعبة السياسية بين فتح وحماس، أدى هذا إلى ممارسة الضغوط على قطاع غزة؛ بهدف زيادة مأسي الغزاويين، وبالتالي دفعهم للضغط على حركة المقاومة حماس. السلطة الفلسطينية ضربت عرض الحائط بالتحذيرات التي تشير إلى العواقب الصحية لهذا القرار على القطاع المنهك أصلًا بفعل الأزمات والحروب السابقة مع العدو الإسرائيلي، فحياة أكثر من 100 طفل حديثي الولادة والذين يعتمدون على الحضانات مهددة، كما سيتوقف أكثر من 100 جهاز للغسيل الكلوي، وبالتالي لا علاج لما يقل عن 600 مريض حياتهم متوقفة على الكهرباء، كما ستغلق 50 غرفة للعمليات الجراحية بجميع مستشفيات القطاع، وبالتالي سيدفع المرضى والأطفال فاتورة الخلافات بين فتح وحماس هذه المرة. ابتزاز السلطة الفلسطينية لحماس تصرفات السلطة تجاه كهرباء غزة تزامنت مع مجموعة من الرسائل الضاغطة من السلطة الفلسطينية إلى حماس، حيث قال رئيس حكومة الوفاق الفلسطينية رامي الحمد الله "إن هنالك مبادرة تم إرسالها لحركة حماس، نحن نعتقد أن على حماس أن تستجيب لهذه المبادرة، وتنضم لحكومة وحدة وطنية، ونذهب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية، وهذا هو الحل الوحيد". وعلقت حماس على خطوة الكهرباء الأخيرة من قبل السلطة، وعلى لسان المتحدث باسم الحركة، فوزي برهوم " بأن هناك تهربًا واضحًا من الرئيس محمود عباس، وحكومة الدكتور رامي الحمد الله، من استحقاقات المصالحة ومن التزاماتها تجاه قطاع غزة، ومن تسلم كافة مهامها والقيام بواجباتها تجاه 2 مليون فلسطيني يعيشون في القطاع". أسلوب العقاب الجماعي الذي يمارس من قبل السلطة الفلسطينية كان موجودًا، ولكن بشكل أقل وضوحًا مما هو عليه الآن، حيث كانت السلطة في رام الله تدفع لتل أبيب 11 مليون دولار، يخصم المبلغ من تحويلات عائدات الضرائب الفلسطينية التي يجمعها الكيان الصهيوني نيابة عن السلطة الفلسطينية. وردًّا على أقوال السلطة الفلسطينية بأن حماس طالما أرادت السيطرة على قطاع غزة، فعليها تحمل مسؤولية دفع أثمان الكهرباء، قال مراقبون إن قطاع غزة يدخل على خزينة السلطة الفلسطينية شهريًّا ما يقارب ال 119 مليون دولار أمريكي، أي أن السلطة الفلسطينية تنفق على غزة من الأموال التي تجبى من ضرائب القطاع. توقيت التصعيد الفتحاوي يرى مراقبون أن هناك مجموعة من المعطيات لا بد من ربطها بالخطوات التصعيدية للسلطة الفلسطينية، فالرئيس عباس يعاني من شرعية منقوصة، ولديه مجموعة من الإشكاليات على الساحة الفلسطينية، إشكاليات مرتبطة مع حركة حماس، وإشكاليات داخل حركة فتح نفسها، والتي ظهرت في المؤتمر السابع، أيضًا إشكاليات مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، كالجبهة الشعبية وغيرها من التنظيمات الفلسطينية. وهنا نجد أن أبو مازن يحاول أن يذهب إلى الولاياتالمتحدة يوم الأربعاء المقبل بصورة أنه الشخص القوي القادر على أن يخضع الجميع في الساحة الفلسطينية لإرادته، خاصة أن عباس أوقف بالأمس أيضًا مخصصات لفصائل منظمة التحرير التي تعارض سياسته؛ بذريعة وجود ضائقة مالية، حيث أكدت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أن الصندوق القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية قام بتجميد مخصصاتها المالية، معتبرة أن رئيس السلطة محمود عباس يقدم بذلك أوراق اعتماده للولايات المتحدةالأمريكية والاحتلال الإسرائيلي ك "محارب للإرهاب"، وبالتالي يريد عباس أن يلتقي ترامب من دون أن تكون هناك أصوات معارضة له، خاصة أن ما سيجري في واشنطن هو عودة المفاوضات مرة أخرى دون الشروط التي كانت تضعها السلطة الفلسطينية. وهنا أيضًا يجب الالتفات إلى التحركات الإسرائيلية، فالأسير مروان البرغوثي أضرب عن الطعام للضغط على تل أبيب لتحسين طريقة التعامل مع الأسرى، ولكن هناك بعد آخر للإضراب، وهو التقريب بين حماس وفتح، فالأسرى المضربون عن الطعام ينتمون لفتح وحماس، وهنا نجد أن العدو الصهيوني له تخوفاته من هذه التحركات، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار بتضامن عشرات الفلسطينيين بقطاع غزة، أمس الخميس، مع المعتقلين في سجون الاحتلال، بالإضراب عن الطعام لمدة يوم واحد، بدعوة من حركة الجهاد الإسلامي، وهو الأمر الذي قد يسهم في تقليل الشرخ بين فتح وحماس، ولكن خطوة السلطة الفلسطينية أمس عبر ورقة الكهرباء تبدو أنها تسير باتجاه تعميق هذا الشرخ. ويرى محللون أن ضغوطًا تمارس على حماس من أجل تعديل خياراتها المقاومة لإسرائيل، خاصة أن حلفاء حماس الحاليين كقطر وتركيا قادرون على حل أزمة الكهرباء في القطاع بتوفير المال اللازم لإنشاء محطة توليد كهرباء، وهذا ما لم يفعلوه، وحتى خصوم حماس كالسلطة الفلسطينية الذين ما زالوا ينسقون ويتعاونون أمنيًّا مع العدو الصهيوني سيمارسون نفس الضغوط على حماس.