استأنفت شركة أرامكو السعودية أمس، توريد شحنات المنتجات النفطية لمصر، وذلك بحسب بيان لوزارة النفط المصرية، حيث قال وزير البترول والثروة المعدنية، طارق الملا، إن ذلك يأتي وفقًا للعقد التجاري الموقع بين هيئة البترول والجانب السعودي. الخلاف المصري السعودي التقارير حول قطع السعودية شحناتها النفطية عن مصر كانت تفيد بأن الخطوة التي اتخذتها السعودية جاءت بعد خلاف البلدين بشأن الصراع في سوريا، وتقارب مصر أكثر من روسيا، الداعم الأساسي للرئيس السوري بشار الأسد، الذي تعارضه السعودية، وهذا التوصيف هو الأقرب من التوصيف الذي يقول بأن شركة أرامكو قالت إن تأجيل الشحنات كان نتيجة ظروف تجارية خاصة بها، في ظل المتغيرات التي شهدتها أسعار النفط العالمية في الأسواق خلال الفترة الماضية، وقيام السعودية بتخفيض مستوى إنتاجها، لأن سياسة تخفيض الإنتاج النفطي ما زالت مستمرة حتى الآن، واللافت هنا أيضًا أن السعودية استأنفت شحنتها النفطية لمصر بالرغم من قرار اتخذته الأوبك بتخفيض إنتاجها بنحو 1.2 مليون برميل يوميًّا اعتبارًا من الأول من شهر ينايرالماضي، وهنا نجد أن أرامكو عندما اتخذت قرارها بإيقاف شحناتها النفطية لمصر في شهر نوفمبر الماضي لم يكن عليها أي التزامات نفطية تجاه الأوبك، وعندما قررت استئناف الشحنات لم تلتفت لقرار الأوبك بضرورة تخفيض الإنتاج، وبالتالي المزاعم السعودية بوقف الإمدادات النفطية لمصر بسبب تخفيض الانتاج ليست دقيقة. الدوافع السياسية ربط وقف واستئناف الشحنات النفطية السعودية لمصر بالدوافع السياسية هو الأرجح، خاصة أن تعليق إمدادات شركة أرامكو لمصر جاء بعد تأييد مصر لمشروع روسي بمجلس الأمن بخصوص حلب السورية في أكتوبر الماضي، الأمر الذي لاقى انتقادات واسعة، كان أبرزها من السعودية وقطر اللتين وصفتا تأييد القاهرة لمشروع بالأمر "المؤسف" و"المؤلم". في ذلك الوقت كانت السعودية تحاول ممارسة ضغوط على السلطات المصرية؛ لتغيير موقفها من الأزمة السورية، والذي يتمثل في دعمها للمؤسسة العسكرية في سوريا ضد التنظيمات الإرهابية، وحتى اللحظة لا توجد مؤشرات عن تغير الموقف المصري من سوريا، فقبل أسبوعين امتنعت القاهرة عن التصويت على قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات على الحكومة السورية، وقالت إن التقرير الذي يتهم الحكومة السورية باستخدام السلاح الكيميائي مسيس، الأمر الذي يشير إلى أنه لا حلحلة في المواقف المتباينة بين القاهرةوالرياض حول الملف السوري. وحتى فيما يتعلق بالملف الليبي، فالسعودية سابقًا كانت قد جمدت مشروعًا للرئيس عبد الفتاح السيسي في ليبيا، يقضي بدعم المشير خليفة حفتر، وقتها قيل أن الدبلوماسية القطرية نجحت في إقناع المملكة بأن تشكيل القوة مخاطرة، اليوم تتوارد الأخبار تباعًا بأن الدوحة حليفة الرياض في العديد من الملفات الإقليمية كاليمن وسوريا تدعم إخوان ليبيا لمناهضة قوات حفتر، حيث أثارت الزيارة التي قام بها رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عبد الرحمن السويحلي والوفد المرافق له لقطر الأحد الماضي سجالًا ليبيًّا- ليبيًّا حول دور الدوحة في دعم الجماعات المتأسلمة في ليبيا وميليشياتها التي تحول دون إرساء أي استقرار داخل البلاد. وفيما يخص الملف اليمني فالقاهرة ما زالت محافظة على موقفها في عدم إشراك قواتها البرية في هذا المستنقع، وبالتالي مواطن الخلاف بين القاهرةوالرياض ما زالت قائمة. عودة الشحنات النفطية من الممكن هنا الربط بين زيارة ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، ولقائه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فالمعلومات تشير إلى أن الرئيس الأمريكي الجديد يحاول أن يضغط على السلطات السعودية منذ فترة لإعادة هذه الشحنات إلى مصر، بل إنه يضغط عليها لتقديم مساعدات نقدية لمصر، وهو الأمر الذي طرح بالفعل في اللقاء الأخير، حيث أكد الجانبان التزامهما بدعم مصر والبحرين والسودان في ظل التحديات التي تواجهها هذه الدول. وهنا تبدو القصة بأن هناك ضغوطًا من ترامب تمارس على صانع القرار السعودي لإعادة الشحنة النفطية للقاهرة، ويبدو أن ترامب يحاول استقطاب مصر مجددًا إلى المعسكر الأمريكي، بعد تقارب القاهرة الأخير مع موسكو في العديد من ملفات المنطقة، كسوريا، بالإضافة لليبيا، بما يخدم مصالح القاهرة. إعادة الشحنة هل تحل الأزمة؟ من المستبعد أن يعيد قرار استئناف الشحنة النفطية السعودية لمصر نقاط الالتقاء بين القاهرةوالرياض؛ لعدة أسباب، فمصر من حيث المبدأ وجدت بديلًا عن النفط السعودي، وهو العراق، كما أن ملفات المنطقة باتت أكثر تعقيدًا من أن تحلها المجاملات الاقتصادية، فالشحنات النفطية عبارة عن اتفاق تجاري، بمعنى أن السعودية أقرضت مصر قرضًا لمدة 15 سنة بقيمة 23 مليار دولار، وبالتالي هذه الشحنات ليست مجانية ولا هي مساعدات كما يظن البعض، بل هي عبارة عن قروض، فالاتفاق المصري السعودي، الذي تم في 2016 لدى زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للقاهرة، كان ينص على قيام السعودية بتوريد 700 ألف طن من النفط باختلاف مشتقاته، مقابل قيام مصر باقتراض 23.5 مليار دولار، لكن الجانب السعودي اشترط ألا يتم تحويل الأموال إلى مصر نقدًا، بل تتم الآلية عبر قيام وزارة المالية السعودية من خلال صندوق التنمية السعودي بمنح القرض "السيولة المالية" لشركة أرامكو السعودية، لتقوم الشركة السعودية بعد ذلك بتوريد الشحنات النفطية المتفق عليها لمصر، وبالتالي المسألة ليست منحة مجانية من النظام السعودي، بل هي قرض سيتم سداده بفترة سماح مدتها خمس سنوات. وهنا لا امتيازات سعودية لمصر، وبالتالي استئناف الشحنات النفطية لمصر لن يؤثر على قراراتها التي ستتخذها بما يخص مصالحها في المنطقة، سواء بالتقارب مع موسكو أو غير ذلك، خاصة أن الرياض قطعت هذه الإمدادات في الوقت الذي كانت فيه مصر تعاني من أزمة نفطية خانقة، وأرجعتها عندما وفرت القاهرة البديل، وهذا يعني أن الرياض تبحث هي الأخرى عن مصالحها بغض النظر عن مصالح القاهرة، مع الأخذ بالاعتبار أن التقارب الأخير بين الرياض وواشنطن كلفها ما يقارب 200 مليار دولار على شكل تعهدات استثمارية في أمريكا، وهو الأمر الذي سيدفع الرياض للبحث في ملفاتها القديمة؛ لتوفير أي مبلغ يغطي صفقاتها مع أمريكا، في ظل تهاوي أسعار النفط والعجز المستمر في ميزانيتها، وبالتالي استئناف الشحنة النفطية لمصر سيدر عليها الربح. ولكن يخشى البعض من أن عملية استئناف الرياض للشحنة النفطية للقاهرة قد يؤثر على ملف جزيرتي تيران وصنافير، فإعادة الشحنات النفطية السعودية لمصر تتزامن مع ترحيل ملف جزيرتي تيران وصنافير إلى البرلمان المصري، وعلى الرغم من أن الملف الآن في يد المحكمة الدستورية، وتم تأجيله للنظر فيه إلى شهر أكتوبر القادم، إلا أنه ما زالت هناك مساحة للتلاعب في هذا الملف حال إقرار البرلمان المصري له قبل النطق بحكم المحكمة الدستورية.