وافق مجلس النواب، أمس، على قانون الجمعيات الأهلية، بعد يوم واحد فقط من إعلان مجلس الدولة الانتهاء من مراجعة القانون، والتي انتهت إلى انتفاء أي شبهات عدم دستورية. وافق البرلمان على القانون فى ظل حالة من التساؤلات حول أسباب السرعة في إقراره رغم الملاحظات العديدة، ورغم ما كشفته الخطابات الملحقة بنص القانون الجديد من أن مجلس النواب ناقش المشروع في آخر جلسات دور الانعقاد الأول، وأحاله إلى لجنة مشتركة من لجان التضامن الاجتماعي والأسرة والأشخاص ذوي الإعاقة والشؤون الدستورية والتشريعية. وعلى الرغم من وجود مشروع آخر تقدمت به الحكومة في سبتمبر الماضي، فإنه لم يتم وقتها الإعلان عن مشروع النواب الذي تمت مناقشته في سرية تامة. جدير بالذكر أن 22 منظمة حقوقية و6 أحزاب سياسية أعلنت رفضها لمشروع القانون قبيل الموافقة عليه، واصفين إياه بأنه "يقضي فعليًّا على المجتمع المدني، ويحيل أمر إدارته للحكومة والأجهزة الأمنية"، كما أدان الموقعون على البيان "تعامل البرلمان مع المجتمع المدني باعتباره عدوًّا تحاك الخطط والقوانين السرية للقضاء عليه". وقال عادل رمضان، المحامي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن القانون الجديد يعوق العمل الأهلي في مصر، ويضع القيود الكثيرة لتكبيله، خاصة فيما يتعلق بالقطاع الخيري منه، رغم أنه يلعب دورًا أكبر من الذي تقوم به الدولة في كثير من الأحيان، موضحًا أن قطاع الجمعيات الأهلية الخيرية أهم آليات تقديم الخدمات الصحية والمجتمعية والتعليمية في الوقت الذي تتخلى فيه الدولة عن مسؤوليتها تجاه هذه الخدمات المطلوبة للمواطن. وأضاف رمضان ل"البديل" أن البرلمان صاغ القانون بكل غطرسة وتعالٍ على المجتمع المدني، وعكست فلسفة القانون قوة التأثير الأمني في إعداده، مشيرًا إلى أن السرعة في تمرير القانون جاءت لتستهدف تقييد عمل المنظمات الحقوقية، وعكس القانون دوافع الكره والعداء في نفوس البعض تجاه المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان. وأشار إلى أن القانون استحدث مشروع الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، ويختص بالموافقة على عمل المنظمات الأجنبية والتصريح بالحصول على تمويل من الخارج، والتأكد من إنفاق أموال الجمعيات للأغراض المخصصة لها، وتلقّي إخطارات التمويل المحلي. وأكد رمضان أن الدولة لن تدرك خطورة كارثة هذا القانون إلا مع التطبيق العملي له على أرض الواقع، حيث يتضرر القطاع الأهلي الخيري منه بدرجة تؤدي إلى توقفه عن أداء خدماته، خاصة بعد تعامل القانون مع القائمين عليه على أنهم مجرمون، ويسعى لتحويلهم لموظفين خاضعين للرقابة والمتابعة من الجهة الإدارية، مؤكدًا أن الدولة بهذا القانون بدأت حربها المعلنة ضد المنظمات الحقوقية، وسيتم تقنين الانتهاكات بشكل رسمي منذ الآن. وكشف رمضان أن بعض مواد القانون يمكن الطعن على عدم دستوريتها؛ لأنها تتعارض كلية مع نص المادة 75 من الدستور، حيث يضع القانون معوقات حول طريقة عمل الجمعيات وطرق جمعها للتبرعات واستثمارها وتوزيعها على المستحقين، ووضع قيدًا على حرية قيام المنظمات بإعداد تقارير بحثية أو استطلاعات رأي، وهذا تدخل مباشر في أنشطة المنظمات وإلغاء لاستقلاليتها ووضع قيود عليها. كما أشار إلى أن القانون تضمن مواد تمنح صلاحيات واسعة للجهات الأمنية والإدارية من حيث التفتيش والتأييد أو الرفض، وأنها سوف تحول المجتمع المدني إلى دوائر غير قادرة على القيام بدورها، فضلًا عن قصر أنشطة العمل الأهلي على التنمية المجتمعية فقط، وهذا يتعارض مع الدستور. من جانبها قالت انتصار السعيد، مدير مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، إن القانون الجديد يحمل تشكيكًا وتخوينًا تجاه منظمات المجتمع المدني، رغم أن دول العالم تتعاون فيها الجهتان معًا من أجل خدمة المواطنين، خاصة وأن العمل الأهلي عمل تطوعي غير مستهدف للربح. وأوضحت ل"البديل" أنه طبقًا لنص المادة 87 من المشروع الجديد، تتراوح عقوبة الحبس من سنة إلى 5 سنوات، بالإضافة إلى غرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه، وأن الجرائم التي يعاقب عليها المشروع الجديد بالسجن 5 سنوات تتمثل في معاونة أو مشاركة منظمة أجنبية في ممارسة نشاط أهلي في مصر دون الحصول على تصريح، أو المشاركة في إجراء بحوث ميدانية أو استطلاعات رأي في مجال العمل الأهلي دون الحصول على موافقة مسبقة. كما يُعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على سنة وغرامة تتراوح بين 20 و500 ألف جنيه من ارتكب "جرائم" أخرى كنقل مقر الجمعية إلى مقر جديد بخلاف المكان المُخطر به، طبقًا لنص المادة 88 من المشروع. وأكدت السعيد أن القانون تضمن قيودًا تعرقل عمل الجمعيات، فمثلًا اشترط عدم حصول الجمعية على تبرعات قبل الحصول على عدة موافقات إدارية، وهو ما سيؤدي إلى إحجام المتبرعين فرارًا من هذا الروتين. وقال أيمن عقيل، مدير مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، إن بعض مواد القانون فرغت المادة 75 بالدستور من مضمونها، وتضمنت عبارات تقوض الضمانات الدستورية لحرية المواطنين في تأسيس وإدارة المنظمات الأهلية. وأضاف ل"البديل" أن مؤسسة ماعت تدعو الرئيس السيسي إلى استخدام صلاحياته الدستورية المنصوص عليها في المادة 123 من الدستور، والتي تجيز له الاعتراض على القوانين وردها لمجلس النواب، وذلك لوقف إصدار هذا القانون المعيب الذي يقضي على مئات بل آلاف المنظمات الأهلية الجادة التي تقدم خدمات مهمة للمواطنين المصريين، كما أن المؤسسة تعتزم دراسة السبل القانونية والآليات المناسبة للدفع بعدم دستوريته.