ومن أسرار نجاح محمد صلاح أيضا قدرته على تحقيق التوازن بين هويته كمصرى عربى مسلم، وبين تكيفه مع المجتمع الإنجليزى. أنا لا أتابع صلاح كنجم مصرى موهوب وصاحب إنجازات كروية لم تحدث من قبل، فكل هذا النجاح فى رأيى ليس «سر صلاح»، بل السر فى شخصيته وذكائه وإصراره كظاهرة مذهلة يمكن أن يتخذ منها كل شاب منهجا لحياته. وكالعادة بهرنى صلاح فى أحدث تصريحاته حول جائزة الكرة الذهبية، التى يحلم بها. قال صلاح: «الكرة الذهبية كانت تثير جنونى من قبل، ولكنى أدركت أن بعض الأمور ليست بيدك، فتركت التركيز فى هذا الأمر». وأضاف: «الدافع بالنسبة لى الآن، هو أننى قبل وصولى إلى النادى فى كل يوم أذكر نفسى بما أريد تحقيقه». والحقيقة أن صلاح يستحق الفوز بالكرة الذهبية هذا الموسم، وتوقعنا فوزه بها أيضا فى مواسم سابقة، لكنه قرر ألا يضرب رأسه فى الصخر، مدركا بذكائه أنه حينما يكون الأمر خارجا عن ارادتك، فلا تستنفد فيه كل طاقتك، بل انتقل إلى الخطوة القادمة، وفكر فى إنجازات ونجاحات أخرى. وطوال مسيرة محمد صلاح يبهرنى بسلوكه وحكمته ومنهج تفكيره أكثر مما يبهرنى بموهبته الكروية. صلاح هداف عالمى لا مثيل له، ليس فقط فى عدد أهدافه التى ضربت أرقاما قياسية، ولكن أيضا بإنجازاته فى مجال «الاسيست» او المساهمات التهديفية، وإهدائه مئات التمريرات الحاسمة لزملائه ليحرزوا أهدافا باسمهم، وفى الدورى الانجليزى الدائر حاليا، سجل 28 هدفًا وقدم 18 تمريرة حاسمة، مما يجعله فى صدارة اللاعبين من حيث المساهمات التهديفية، ويجعل منه لاعبا مثاليا مميزا لا مثيل له فى الملاعب العالمية. وحينما تتابع حديث صلاح عن طقوسه اليومية تكشف الكثير ايضا من اسرار نجاح هذه الشخصية الفريدة. يقول صلاح: عندما أستيقظ أجلس على حافة السرير أو الكرسى بظهر مستقيم. أغمض عينى وأتخيل ما أريد تحقيقه وكيف أريد أن أرى نفسي، الشعور أمر مهم جدا، لأنه يمنحك الطاقة، ولكن عليك بالطبع أن تستغل هذه الطاقة وتعمل لتحقيقه، لا أن تظل مستلقيا منتظرا تحقيقه. فالأمر يتطلب الكثير من العمل والشجاعة والتضحيات، وإذا أردت حقاً تحسين أو إضافة شيء ما إلى طقوسك وعاداتك وسلوكك، افعله كل يوم، لمدة خمس، أو عشر دقائق. قد لا يكون الأمر سهلا لكن سيكون سهلا إذا كررته كل يوم. وفى وصفة صلاح لمواجهة التوتر والضغوط التى كثيرا ما تواجه نجوم الكرة، يقول: «عندما أواجه موقفا صعبا، أشعر بأننى واجهت هذا الموقف من قبل مرارا وتكرارا، عقلى يعرف ذلك ويقول لى إننى مررت بهذا الشعور من قبل، لذلك لا تكن متوتراً». ومن أسرار نجاح محمد صلاح أيضا قدرته على تحقيق التوازن بين هويته كمصرى عربى مسلم، وبين تكيفه مع المجتمع الإنجليزى. يقول صلاح: «أحاول دائمًا معرفة المزيد، وحينما أذهب لمكان جديد دائما ما أخبر نفسى بضرورة التعلم منه وأعرف دائمًا ما يمكننى تحسينه. وأنا منفتح للغاية مع نفسى لمعرفة ما أريد تحسينه، وقد لعبت فى أربع دول مختلفة وأحاول دائمًا التكيف مع الثقافة، وعندما كنت فى إيطاليا حاولت تعلم اللغة الإيطالية لمعرفة الناس أكثر وفهم الثقافة أكثر. هنا فى إنجلترا أيضًا كل يوم أتعلم شيئًا ما. هذا هو محمد صلاح الذى أدرك مبكرا بذكائه الفطرى أن الموهبة وحدها لا تصنع النجاح الذى يحلم به لنفسه، فوضع منهجه الخاص الذى كسب به حب العالم كله، ولا أعتقد أن هناك لاعبا آخر حظى بنفس هذا النجاح الكروى والشخصى أيضا. نحن فى انتظار تتويج صلاح بجائزة الكرة الذهبية، وأداؤه الفردى المميز يجعله من أبرز المرشحين بالإضافة لنجاحه فى قيادة فريقه لحسم لقب الدورى الإنجليزى قبل انتهاء الموسم. فهل ينتصر العدل، ويحصل صلاح على جائزة الكرة الذهبية؟