لم يحققوا ما حققه، لأنه ببساطة نجح فى تحقيق التوازن بين التكيف والحفاظ على الهوية ليفربول فى ورطة ، إذا فشل فى تجديد عقد صلاح ، فسيصبح مطالباً بتوفير لاعب بديل ، والبحث عن البديل فى عالم الاحتراف الكروى أمر روتينى سهل ، لكنه فى حالة صلاح مشكلة معقدة . فالمطلوب ليس فقط موهبة فنية بديلة ، بل موهبة فنية وجماهيرية تعادل جماهيرية صلاح وتعلق الإنجليز به . صلاح كما تقول التقارير أصبح «نجم شباك» بمعنى الكلمة ، وتحول إلى رمز جماهيرى فى ليفربول وخارجها، صلاح الذى تجاوز الثلاثين ، لايزال يبهر العالم ويواصل تألقه ،وأرقامه هذا الموسم، من تسجيل وصناعة الأهداف، تؤكد استمراريته فى تقديم أداء عالمي، يفاجئ به ناديه ومدربه والعالم كله. محمد صلاح ببساطة ، ليس مجرد لاعب كرة قدم موهوب ، بل لاعب يتمتع بذكاء شديد، قرر أن يجعل من نفسه مؤسسة ناجحة تدار باحترافية ، لتحافظ على نجاحها وبريقها أطول فترة ممكنة، وهو ما يجعله الآن يدير مفاوضات تجديد عقده بكل ثقة وإصرار ، صلاح ، وبالطبع فهو لا يعاند سعيا وراء الفلوس، لكنه يحفظ لنفسه مكانته وقيمته كأفضل لاعب فى العالم . صلاح سافر لسويسرا، لا يملك سوى موهبته وذكائه، لكنه أدرك بسرعة أن أهم شروط النجاح فى الغربة ، هى القدرة على التكيف مع المجتمع الجديد ، دون أن تفقد هويتك ، وهو ما فعله بمنتهى الإصرار، فبقدر حرصه على تطوير مهاراته الفنية ، حرص أيضا على تطوير ثقافته، وتنوير عقله وأفكاره ، فبذل جهدا كبيرا فى تعلم الإنجليزية والإيطالية، وسعى لبناء شخصيته بالقراءة لأشهر الكتب والكتاب ، واستعان بمدير أعمال ذكى وناجح ، أدار له المفاوضات والاتفاقات بخبرة مميزة، واستثمر أمواله و علاقاته وجماهيريته ، فى خوض مجال العقارات ،استعدادا لبناء نجومية جديدة فى مجال جديد، حينما يحين الوقت لهجرة الملاعب. صلاح نجح فى جذب المصريين للاهتمام بالكرة العالمية والدورى الإنجليزى ودورى أبطال أوروبا، بل ونجح فى جذب قطاعات جديدة لم تكن تهتم بالكرة أساسا ، وأصبح الانتماء لفريق ليفربول مثل الانتماء للأهلى والزمالك. كثيرون سبقوا صلاح أو رافقوه فى رحلة الاحتراف ، لكنهم لم يحققوا ما حققه، لأنه ببساطة نجح فى تحقيق التوازن بين التكيف والحفاظ على الهوية ، صحيح لم يعد يفطر الفول والطعمية، وملابسه أصبحت على أحدث موضة عالمية، ولكنته أصبحت أجنبية ، لكن الأهم أنه احتفظ بأخلاقه وطقوسه ، يتوضأ ويصلى فى الملعب ، ويصوم رمضان، ويسجد شاكرا بعد كل هدف، ويحتفظ بتواضعه، وبحرصه على زيارة قريته، وقضاء الإجازات مع أهله ، ويقيم المشروعات الخيرية لأهل بلدته الصغيرة نجريج ، وأحد مميزات صلاح الكثيرة أنه ابتعد عن السياسة ودهاليزها، ولم يقع فى الفخ، الذى وقع فيه آخرون. حكاية محمد صلاح أصبحت قدوة للشباب والأطفال الإنجليز كما هى قدوة للمصريين، ومغادرته ستترك فجوة كبيرة على الصعيدين الفنى والجماهيرى لنادى ليفربول، وهو ما سيجعله يفكر ألف مرة قبل الموافقة على رحيله.