معجميًّا، «انقلب على عقبيه» بمعنى رجع عن رأيه أو عقيدته، انصرف، ارتدَّ. حرفيًا «رجع على عقبيه»، تستخدم للتعبير عن الرجوع إلى الوراء أو الانسحاب من موقف ما، غالبًا ما يكون ذلك بشكل مفاجئ أو يدل على ضعف أو تراجع عن موقف أو قرار سابق. ظاهرة المنقلبين على أعقابهم صحفيًا وفضائيًا وإلكترونيًا تستأهل التوقف والتَّبيُّن، لماذا ينقلب البعض بين عشية وضحاها؟!.. تعوزنا الأسباب، وتحوطا لا نخون أحدًا، بلى، ولكن ليطمئن قلبى، هل كانت الموالاة يقينية نابعة عن إيمان أم كانت وقتية مداهنة موالسة مخاتلة؟. ما ولّاهم عن قبلتهم السياسية.. فى هذا يقال الكثير، ما هو خاص مزعج وما هو عام مؤلم، ولكن المسافة بين الموالاة والرفض ليست حلما نقطعه فى ليلة صيف، والطريق من التأييد غير المشروط إلى الرفض العقور لا تقاس بالفيمتو ثانية، ليس هكذا تورد الإبل. الدولة المصرية بعد سنوات عجاف تعانى وليس فى هذا جديد، والكل يدرك حجم المعاناة فى بيوت الطيبين التى تنام ع الستر، وحجم الخسائر التى منيت بها البلاد جراء الجوائح الطبيعية والسياسية، والحروب، والتدمير الممنهج الذى لحق بالمؤسسات فى عهدة سابقة، والكلفة الرهيبة لإقامة عمد الأمن والأمان والاستقرار، وتجاوز مرحلة كتبت علينا، وعلى قول أبوالعلاء المعرى: «مشيناها خُطًى كُتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها». وليس خافيا على المصريين حجم التحدى الماثل، وحساسية المرحلة الراهنة، ومحاولة النهوض بعد سقوط فى براثن جماعة إرهابية كلفتنا ما لا نحتمل من خسارة، ولاتزال تتاجر فى الخسارة، وتتحالف مع أعداء الوطن حتى مع الصهاينة فى الأرض المحتلة، وما نداء «فتح المعبر» المستدام إلا توطئة لمخطط التهجير الصهيونى من غزة لسيناء (وعد مرسى الذى يشبه وعد بلفور). الظاهرة ليست فى تقلب بعض الأقلام والأفواه من الموالاة السمجة اللصيقة، لزقة بغراء، إلى رفض سياسات وأفكار السلطة، هذا طبيعى ويحدث، وهناك تفهم لهذا الحراك السياسى الذى يعقب ثورة عظيمة، لسنا عبيد السمع والطاعة، وليس مطلوبًا منا تقبيل الأيدى، ولكن تحول البعض من التأييد الكامل إلى العداء السافر، على طريقة الاستقلال التام أو الموت الزؤام، خليق بتبين الظاهرة المستجدة والتوقف عند أسبابها. التحولات الموقفية لا تحدث هكذا فجأة، وتَقلُّب الوجوه لا يجرى هكذا بين عشية وضحاها.. أو هكذا نظن وبعد الظن إثم. واجب الحيطة والحذر والتفرقة بين ما هو منقلب منفلت اللسان، وبين معارض ثابت المواقف مستقيم اللسان، وحتى المعارضة الوطنية المعتبرة عليها واجب الحذر، فبدون تبصر أو تحقق أو تدقيق قد يحرف الموقف أقلامًا وطنية عن قبلتها، وتصب فى نهر الإخوان المالح. معلوم السلطة ليس فى حاجة إلى أقلام موالاة جديدة، ولكن الوطن فى ظل هذا الظرف الصعيب فى شوق إلى كل حرف مغموس فى حبر الوطن، لا يحيد عن قبلته أبدًا، وهنا مساحة تجلى المعارضين الوطنيين، التى يستحلها المنقلبون ويبرزون كمعارضين وهم ألد الخصام. ما أخشاه هو ميل البعض للانقلاب والانحراف والانجراف وراء حماسة الفيس وتويتر (إكس) لإثبات معارضة، أو شجاعة، أو خروج عن السياق فى سباق لحصد إعجابات أو لتسجيل قراءات أكثر لما يكتب، ويشيرها الإخوان والتابعون تشييرًا.. ربنا ما يوريك شر المؤيدين إذا انقلبوا، فجروا فى الخصومة!.