أسعار طبق البيض اليوم الجمعة 30-5-2025 في قنا    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 30-5-2025 في قنا    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الجمعة 30-5-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    13 شهيدا في قصف ورصاص الاحتلال شمال وجنوب قطاع غزة    زلزال بقوة 4.8 درجة يضرب إقليم ألباى الفلبينى    القنوات الناقلة لنهائي كأس خادم الحرمين بين الاتحاد والقادسية    حالة الطقس اليوم الجمعة 30-5-2025 في محافظة قنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 30-5-2025 في محافظة قنا    انخفاض أسعار الذهب الفورية اليوم الجمعة    وليد عبدالعزيز يكتب: الحلم.. سيارة مصرية 100%    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بطريق مصر السويس الصحراوي    اليابان تعلن رفعا جزئيا للعقوبات عن سوريا.. فما هي القطاعات المستهدفة؟    «عانت بشدة لمدة سنة».. سبب وفاة الفنانة سارة الغامدي    الإفتاء: الأضحية المعيبة لا تُجزئُ عن المضحي    حاسوب فائق سمي تيمنا بعالمة الكيمياء جينيفر دودنا يعزز الذكاء الاصطناعي    لتغيير مفهوم رحلة اليوم الواحد، تفاصيل إقامة معارض أثرية في روسيا    اليوم.. الأوقاف تفتتح 20 مسجداً جديداً بالمحافظات    «مكتب شكاوى المرأة».. مأساة «سمر» تتحول لقصة فيلم مُلهم لضحايا العنف    قناة عبرية: ترامب أمر بوقف التعاون العسكري مع إسرائيل (تفاصيل)    «الجينوم الرياضي».. أولى الخطوات العلمية والعملية نحو مربع الدول العظمى    فوائد الزنجبيل، لتقوية المناعة وصحة الدماغ وجمال البشرة    هيشتغل إلى 2.30 صباحا، تعديل تشغيل قطار العاصمة الكهربائي اليوم بسبب حفل ضخم بالنهر الأخضر    كان نايم.. مصرع شاب دهسًا بسيارة والده في العاشر من رمضان    "قبل ريفيرو".. ماذا قدم المدربين الإسبان مع النادي الأهلي؟    «مالوش طلبات مالية».. إبراهيم عبد الجواد يكشف اقتراب الزمالك من ضم صفقة سوبر    إنييستا: إنريكي موهوب.. وإنتر يمتلك لاعبين كبار    مدحت العدل يصدر بيانا شديد اللهجة بشأن شكوى جمعية المؤلفين.. ما علاقة حسين الجسمي؟    «قرار الأهلي».. رد مفاجئ من سيد عبدالحفيظ على مزاعم بيع زيزو    إمام عاشور يوجه رسالة ل حسام حسن    ياسر إبراهيم يسخر من احتفالات بيراميدز بالدوري    نتيجة الصف الثاني الابتدائي 2025 الترم الثاني بالاسم في جميع المحافظات .. الروابط الرسمية للاستعلام الآن    البرلمان يوافق نهائيًا على تعديلات قوانين الانتخابات    نجاحات متعددة.. قفزات مصرية في المؤشرات العالمية للاقتصاد والتنمية    ترامب: يجب تمكين الرئيس من حماية الاقتصاد الأمريكي    الحوثيون يعلنون مهاجمة مطار بن جوريون وسط إسرائيل بصاروخ فرط صوتي    مصرع شاب في انقلاب سيارة على طريق أسيوط – الوادي الجديد    أوروبا تضغط على إسرائيل لوقف مجازر غزة    أسامة كمال: 600 يوم من الإجرام الإسرائيلي وغزة لا تزال تتنفس وتكتب التاريخ بالدم    إمام عاشور: زيزو هنأني بعد الفوز بالدوري.. وهذه رسالتي لميسي قبل كأس العالم للأندية    حزب "الجبهة الوطنية" يطلق مؤتمرًا موسعًا لريادة الأعمال في بورسعيد    العرض الموسيقي «صوت وصورة» يعيد روح أم كلثوم على مسرح قصر النيل    ريا أبي راشد: مسرحية «ريا وسكينة» سبب تسميتي بهذا الاسم (فيديو)    ديوان عام محافظة الجيزة يعلن توفر عدد من الوظائف    بالأسماء، وزير البترول يصدر حركة تكليفات وتنقلات لبعض رؤساء شركات القطاع    هل يجوز الجمع بين نية صيام العشر من ذي الحجة وأيام قضاء رمضان؟    "الإفتاء توضح" بعد الجدل الدائر.. حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد؟    رئيس "حماية المستهلك": 550 موظفا بالجهاز لخدمة 110 ملايين مواطن    موعد أذان الفجر اليوم الجمعة ثالث أيام ذي الحجة 1446 هجريًا    بعد قرار الحكومة.. موعد إجازة عيد الأضحى 2025 في مصر رسميًا    ضبط 3431 أسطوانة غاز و1000 لتر سولار قبل بيعها في السوق السوداء بالبحيرة    الإمساك.. الأسباب الشائعة وطرق العلاج بوصفات طبيعية    تجاهل تنظيف منطقة في الأذن قد يعرض حياتك للخطر.. تحذير خاص لأصحاب «النظّارات»    متحدث الأوقاف: صكوك الأضاحى بدأ فى 2015 ووصلنا إلى 10 ملايين أسرة    وكيل أوقاف الفيوم يشهد فعاليات كتاب مسجد على مفتاح.. صور    وزير الأشغال العامة الفلسطينى: نشكر مصر على دعمها للقضية الفلسطينية    «الإسعاف»| 123 سنة إنقاذ.. 3200 سيارة حديثة و186 مقعدا لاستقبال البلاغات يوميًا    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاضرة للمستشار خالد القاضي عن القانون والإعلام بمكتبة القاهرة

استضافت مكتبة القاهرة الكبرى ، أمس الثلاثاء، ندوة تحت عنوان " القانون و الإعلام "، تُنظمها الشعبة العامة للإذاعيين العرب بالاتحاد العام للمنتجين العرب، حاضر فيها المستشار الدكتور خالد القاضي ، رئيس محكمة الاستئناف، وجاءت كلمته كالتالي:
الحمد لله رب العالمين .. خلق الإنسان وألهمه البيان ، وعلمه بالقلم مالم يكن يعلم ، وكان من أسمائه تعالى العليم الخبير ، وحثنا على التمسك بأهداب العلم ، وأنه لا يتساوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، وجعل سبحانه العلم والمعرفة هما السبيل للتسامي في الأعمال والسلوك والأخلاق ومدارج التقدم والرقي ..وصلى اللهم على رسل الله أجمعين الذين بشروا بالعلم وعدوه مقياساً به يتفاضل الناس ويتمايزون، ففي البدء كانت الكلمة ، وقرنوا العلم بالعمل والتنظير بالتطبيق ، والرؤية بالتجريب لتكون حركة الإنسان في الحياة قانوناً يسعى مجسداً بين الأنام ، وبه يُعرف الخلق ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ... أما بعد :
السيدات والسادة الحضور الكرام ..
أردد دومًا في مختلف المحافل العلمية والوطنية على أن مبدأ سيادة القانون وحتمية احترام أحكامه ، وجعل شعار ( القانون أولا ) هو الغاية الوطنية الكبرى ، والهدف الأسمى لجميع أفراد المجتمع ، للحفاظ على الأوطان والأمم والشعوب مما يتهددها من أخطار الجهل بالقانون، وما يسبقها ويؤدي إليها من أفكار التطرف والإرهاب الأسود الذي لادين له ولا وطن، وطرح سبل ترسيخ قيم ثقافة تواصل وتكامل الجهود المجتمعية المتنوعة، لتلك المواجهة الفاعلة في الضمير الجمعي العالمي فهمًا ومعرفةً وعلمًا وعملاً وسلوكًا وتطبيقًا وقدوة وتحفيزًا للآخرين.
ووجود القانون يرتبط بوجود الإنسان في مجتمعٍ، ومن ثم فلا غنى له عنه، فهو ضرورة ملحة للإنسان على المستويات كافة، ويعد القانون علامة على الوجود البشري واستمراره، وحاضره ومستقبله، بل إن تقدم الأمم وقيام الحضارات يدور وجودًا وعدمًا وقوة وضعفًا وإيجابًا وسلبًا مع رسوخ اقتناعها باحترام القانون وقدسيته ووعي الشعوب به، ولهذا تتعدد أهداف القانون وغاياته والنتائج المترتبة على سيادته وتمسك الإنسان به، ومن تلك الأهداف ما يلي:
1) قيام مجتمع سامٍ في سلوكه، راق ٍ في أعرافه وتقاليده، مزدهر قوته وعلمه واقتصاده، متقدم في انضباطه وأمنه، وعلاقات أفراده، مرتفعة مكانته وهامته في السياق العالمي.
2) المساهمة في ازدهار المجتمعات، حيث يعمل على تهيئة الظروف المساندة لجهود التنمية، ويحتكم الناس إلى القوانين مما يحد من الظواهر السلبية من سطوة السلطة ومن البطش والظلم والاستغلال، ويعرف الجميع حقوقهم وواجباتهم، ويتفرغون للعمل والإنتاج وبناء مجتمع يتعايشون فيه وفق مقتضيات الحق والعدل والمساواة.
3) تيسير حياة الإنسان من حيث شعوره بالأمن والطمأنينة من جهة، ومن جهة أخرى تتفق أعمال السلطة التنفيذية وتصرفاتها مع أحكام الدستور والقانون، ويكون القضاء ضامنًا وكفيلاً لتأمين احترام السلطة لهذه الأحكام.
4) يؤدي إلى الحد من لجوء الناس للمحاكم مما يوفر الجهد والمال والوقت، ويعزز السلام الاجتماعي، ويحد من التباغض والنزاعات والمشاكل، مما يصب في محصلة سعادة الإنسان وازدهار المجتمع.
5) يخلق الوعي بالقانون منظومة متكاملة في التعايش بين أفراد المجتمع والعالم أجمع، حيث يعرف الإنسان حقوقه وواجباته، فلا يضر بالآخرين، ويقاوم الجهل والاستعباد وألوان القهر، ويعترف بالآخر ويتحاور معه، وينبذ العنف، ويقبل التسامح، ويعلي من أهمية المواطنة المتساوية.
6) يعزز الوعي بالقانون الإيمان بقيمة الفرد وأهميته وتفوقه وموهبته بعيدًا عن المحسوبيات والمجاملات مما يخلق جوًا صحيًا للتنافس والتميز والتنمية البشرية، ويضع أفرد في مكانه المناسب مما يعمق الوعي بإنسانية الإنسان ومكانته..
7) تعد سيادة القانون أحد دعائم حماية هيبة الدولة، فبتلك السيادة يعتصم أصحاب الحقوق، وإليها يحتكم أرباب المطالب، وبدونها تسود لغة الفوضى والبلطجة والفساد، وينهار أمن الناس وحياتهم، وتتلاشى هيبة الدولة، وتدهور منظومة القيم على كافة الأصعدة.
8) يعمق الوعي بالقانون علم الفرد بحقوقه وواجباته القانونية في مجتمعه مما يضمن له الحفاظ عليها والعمل على تحقيقها، ويقاوم ألوان الظلم والطغيان والفساد والجريمة، مما يحقق له الإحساس بالمساواة والإنسانية كما أرادها له الخالق العظيم .
9) توفر سيادة القانون بيئة اجتماعية واقتصادية وثقافية تؤمن للمواطن حاجاته المادية والمعنوية، وتحفظ للدولة وحدتها، وتعزز قيم الحرية والديمقراطية، وتدفع المواطن لأداء واجباته، والتمتع بحقوقه الإنسانية، وتمنعه من تجاوز القانون.
10) يرسخ الوعي بالقانون النظام في المجتمع، ويعزز المشاركة المجتمعية، ويجسد حسن الإدارة والنزاهة والشفافية، ويقاوم السلوكيات المنحرفة، مما يساعد في جلب الاستثمارات ورؤوس الأموال والسياحة ودفع عجلة الإنتاج مما يساعد على تحسين أحوال الناس في كافة المجالات، مما يعني بناء مجتمع متقدم ينعم أفراده بالرفاهية والسعادة في ظل حكم رشيد.
هذه الندوة
تهدف هذه الندوة إلى مناقشة العلاقة المتبادلة بين الإعلام والقانون .. كما شاهدتم في الفيلم الوثائقي .. وهل هي علاقة تصادم أم تكامل ؟؟
بداية من البدهي التعريف بمفردات مصصطلح " الثقافة القانونية " ، والذي يوجه لجميع فئات وأعمار المواطنين سيما غير المتخصصين في القانون ، ويعد الوعي بتلك الثقافة من أبجديات المجتمعات الإنسانية ، وتنطلق من حقيقة أن الوعي بالثقافة القانونية ، هو صورة متمازجة وشاملة لكل أنواع الوعي ، وفي مقدمتها الوعي الاجتماعي، وهذا يعني استيعاب المواطن لكل ما يدور حوله من علاقات ومفاهيم وأهداف من خلال تصورات قانونية سليمة ؛ بأن يتبنى هو بذاته القانون، وأن يعتبره قيمة من القيم التي يحترمها، وأن يتعامل مع واجباته بوصفها شيئًا وجد لمصلحته، حاضرًا له ،ومستقبلا لأبنائه، وهو أمر لا يتأتى إلا من خلال منطق بناء وعيه بضرورة وجود القانون في حياته، وبفائدته، وبأنه جزء لا يتجزأ من مسؤوليته الشخصية، وهو واجب وطني وأخلاقي لا مراء فيه ، وكذلك تعميق إدراكه بأن هناك ناظمًا موضوعيًا يحكم علاقاته ، وهو القانون.. الذي يستظل الجميع بحمايته إنصافاً للحق، أو يقع تحت طائلته حسابًا وعقابًا !!
ومن ثم فإن نشر الثقافة القانونية ( أو الوعي بالقانون ) ليس مجرد معرفة التشريعات والنصوص القانونية ، كما أنها لا يعني تلك المناقشات النظرية والندوات القانونية التي تدور بين أوساط رجال القانون المتخصصين ، من أساتذة وفقهاء، وقضاة ومحامين، وغيرهم من رجال القانون والقضاء، والتي كثيرا ما تبدو خارج الاهتمامات المباشرة للمواطن.
ولا يكفى أن يسير محور التوعية بالقانون إلى حد تبسيط مفاهيمه بنشر الثقافة القانونية بين مختلف فئات المجتمع المختلفة فحسب ، بل يتوازى ذلك الوعي مع محور رفع المستوى الثقافي العام للمواطن، بغية استيعاب القانون، بحيث يتناغم ويتكامل المحورين بما يحقق تبسيط القانون أمامه من ناحية، ورفع المستوى الثقافي العام لديه من ناحية أخرى،وبذلك يصبح قادرا على تقبل أوامره ونواهيه بشكل سليم، وليس بالتسليم والاستسلام المشوب بالخوف من مجرد ذكره ! بما يسهل للجميع مدارسة الحد الأدنى ( الكافي ) من مفردات اللغة القانونية في سياق ثقافته العامة.
مفردات الثقافة القانونية
يعد تحديد تعريف مفردات ثقافة الوعي بالقانون من الأهمية بمكان على المستويين الفردي، والجمعي ، بل أصبح أمرًا حيويًا - إن لم يكن إلزاميًا – لارتباطه بأخص أمور الإنسان الفرد في السلوك والسعي، والعقل والتعلم، والثقافة والشخصية، والاعتقاد والتدين، والعمل والإنتاج، بل والحلم والأمل والمستقبل، وعليه يصبح بالضرورة أمرًا شديد الحيوية للمجتمع ككل، وتأتي الضرورة أيضًا من الجوانب الإيجابية لسيادة هذا المفهوم على حياة الفرد والمجتمع والدولة في السياق المحلي والإقليمي والدولي كذلك ، وهو ما سنلقي عليه الضوء فيما يلي :
الثقافة:
تعد الثقافة المدخل الأول والمكون الأساس لأي إنسان في هذا العصر الذي تشابكت أواصره، وتعددت مشاربه وتباينت مصالحه، وتفجرت معارفه، وفي عالمٍ اليوم الذي هو قرية صغيرة فقد اقتربت مسافاته، وتلاشت حدوده، وتشعبت علومه ومعارفه، والثقافة قديمة قدم الإنسان نفسه لارتباطها بمفهوم التهذيب والحذق والمهارة، فكما تشير دلالات تلك المادة اللغوية إلى: ثَقِفَ الشيءَ: حذقه .. ورجل ثَقْفٌ وثَقِفٌ وثَقُفٌ: حاذقٌ فَهِمٌ، .. وإذا كان ضابطًا لما يحويه قائمًا به ... وثقفَ الشيءَ: سرعة التعلم، ويضيف ابن منظور: غلامٌ ثَقِفٌ: ذو فطنة وذكاء، والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه .
وتعد الثقافة أهم موضوعات العلوم الاجتماعية على الإطلاق، بل يعدها بعض المفكرين أنها مثل الهواء الذي نستنشقه، نسلم بوجوده تسليمًا ولكننا نكاد لا نشعر به.... وتعد الثقافة من وجهة النظر الانثروبولوجية: هي مجمل التراث الاجتماعي، أو هي أسلوب حياة المجتمع ، أو هي جميع المناشط والاهتمامات المميزة لشعب ما.. وعلى ذلك فلكل شعب ثقافته، بمعنى أن له أنماطًا معينة من السلوك والتنظيم الداخلي لحياته، والتفكير والمعاملات التي اصطلحت عليها الجماعة في حياتها، والتي تتناقلها الأجيال المتعاقبة عن طريق الاتصال والتفاعل الاجتماعي، وعن طريق الاتصال اللغوي والخبرة بشئون الحياة والممارسة لها .. ولهذا نجد الثقافة دائمة التغير بما تضيفه إليها الأجيال الجديدة من خبرات وأدوات وقيم وأنماط سلوكية أو بالعكس بما تستبعده من أساليب وأفكار وأدوات لم تعد تتفق مع ظروف حياتها الجديدة ..وقد تعددت تعريفات مصطلح الثقافة إلى ما يزيد عن مائة تعريف للمفكرين وفق التخصصات المختلفة التي ينطلقون منها، كما تعددت نظرياتها وخصائصها ومميزاتها، لكن يجمع بينها أن الثقافة نتاج إنساني، وأنها مكتسبة، وتضم تضم الأفكار والنماذج والقيم، وأنها قابلة للتغير والتطور.. وهذا هو هدفنا من محاولة نشر الوعي بالقانون ليصبح سمة أساسية في السلوك الشخصي للإنسان ومنهاج حياة له .. ومما يزيدنا إصرارًا هو امتزاج الثقافة والشخصية لدرجة أنه أصبح علمًا مستقلاً " ذلك العلم الذي يدرس تلك العلاقة الجدلية والتأثير والتأثر المتبادلين بين كل من الثقافة والشخصية في كل متكامل .. ويشمل هذا العلم دراسة تأثير الثقافة على الشخصية وتأثير الشخصية على الثقافة، مما يعني أن الأفراد في المجتمع ليسوا مجرد مخلوقات ثقافية أو حاملين سلبيين للثقافة، بل يدخل في الاعتبار أنهم خالقون لها، ومبتكرون إياها، ومجددون فيها.. ومن ثم يمكن تعديل كل من الشخصية والثقافة بالتعلم والمعرفة والتدريب.. وغيرها من المؤثرات الفاعلة.
القانون:
علم اجتماعي موضوعه العام هو الإنسان وعلاقاته وسلوكه وأنشطته .. وتطلق كلمة قانون في معناها العام على جميع القواعد والأنظمة التي تهدف إلى تنظيم الأنشطة الاجتماعية المختلفة؛ لذلك يرتبط معنى القانون بالتنظيم، فالإنسان خُلِق؛ ليعيش حياته ويتمتع بوجوده، وهو في سبيل ذلك يقوم بالعديد من الأعمال والأنشطة، ندر منها ما ينفرد بإنجازه، فطبيعة الحياة تقتضي التعاون بين الأفراد. وبمرور الزمن وتطور العلاقات الاجتماعية وتشابكها غدا الأمر ملحًّا لنشوء علاقات مشتركة بين أفراد المجتمع متعاونين متكافئين لدفع عجلة الحياة..ويرتبط بذلك أيضًا مفهوم القانون الأخلاقي وهو المبدأ الكلي والملزم الذي ينبغي أن تكون أفعال الكائن العاقل مطابقة له من أجل تحقيق استقلال الإرادة.
وإذا كان القانون له هذه الرؤية المتسعة لسلوك الإنسان وأنشطته في مجتمع كامل فغايته الأسمى هي سيادة مفهوم "دولة القانون " وهو مصطلح سياسي وقانوني، فهو يعبر في الأساس عن طموح جمعي أو مجتمعي ( المحكومين) لمواجهة السلطة (الحكم)، بيد أن مصطلح دولة القانون – بوصفه شعارًا سياسيًا- أصبح يستخدم من قبل السلطة ( الحكم) لإضفاء الشرعية التي يمثلها في مواجهة المحكومين، أي أن هذا المفهوم – بوصفه مصطلحًا سياسيًا – يستخدم من قبل فريقين متنازعين على السلطة بشكل أزلي هما الحكام والمحكومون، أي أن دولة القانون هي شعار سياسي ونظرية دستورية هدفها تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين، وهذا التنظيم يتم من خلال إيجاد علاقة متوازنة بين طرفي العلاقة . فالحاكم أحد طرفي العلاقة وممارس للسلطة يرغب بتغليب ضرورات ممارسة السلطة، والمحكومون باعتبارهم الطرف الآخر لهذه العلاقة يرغبون بتغليب ضمانات الحقوق والحريات العامة للإنسان، ولكن ضرورات ممارسة السلطة تتجلى من خلال التقييد الوارد سياسيًا وقانونيًا على الحقوق والحريات العامة في حين أن ضمانات الحقوق والحريات العامة تتجلى من خلال التقييد القانوني والسياسي للسلطة، لذلك ومبدئيًا فإن دولة القانون بمفهومها الواسع هي التي تقيم التوازن بين ضرورات السلطة وضمانات الحقوق والحريات العامة ، ولهذه الدولة عناصر وأسس، وآليات عملية وطريق للوصول إليها.
الوعي:
يعد هذا المفهوم هو الغاية والهدف الأسمى من نشر الثقافة والمعرفة القانونية، لأن الوعي كما تقول اللغة يدور معناه حول الحفظ والفهم والقبول .. وفلان وعى الحديث: حفظه وفهمه وقَبِله، وفلان أوعى من فلان: أي أحفظ وأفهم، والَوعِيُّ: الحافظ الكَيِّس الفقيه، وفلان وعى القرآن: عقله إيمانًا به وعملاً، ومن حفظ ألفاظه وضيع حدوده فهو غير واعٍ به.. وتعبر كلمة الوعي عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي التي تتمثل عادة بحواس الإنسان الخمس ... والوعي هو ما يكون لدى الإنسان من أفكار ووجهات نظر ومفاهيم عن الحياة والطبيعة من حوله.
ويعني وعي الذات وعي الإنسان لذاته ولمكانته في نشاط الناس الاجتماعي المشترك، وبفضل هذا الوعي يكتسب الإنسان القدرة على مراقبة الذات، وإمكانية التوجيه الهادف لتصرفاته وضبطها وتربية الذات، وعليه يكون على الذات مسئولية أخلاقية، وتتحقق قناعات الذات من قدرة المرء على الضبط الذاتي لأفعاله.. أي في النهاية يرتبط الوعي بالعلم والمعرفة والفهم والتطبيق ومراقبة الذات وضبط سلوكها وتوجيهه توجيهًا هادفًا، وبناءً عليه تنطلق فكرة الوعي بالقانون من هذه المنطلقات المرتبطة بهذه المفاهيم، فحقيقة الوعي بالقانون ليست فقط معرفة التشريعات والنصوص القانونية، بل هو صورة متمازجة و شاملة لكل أنواع الوعي الاجتماعي، ورفع المستوى الثقافي والمعرفي للمواطن ليكون قادرًا على استيعاب القانون وتقبل أوامره ونواهيه بشكل صحيح، بل ويتبنى القانون ويجعله قيمة عليا يدرك أبعادها ويسعى لتطبيق موجباتها.
آليات نشر الثقافة القانونية
كثيرة هي الآليات والوسائل المنوط بها الاضطلاع بهذا الدور المحوري في نشر ثقافة الوعي بالقانون ، لتحقيق تلك الغايات النبيلة المنتظرة من سيادة ثقافة الوعي بالقانون فهمًا ومعرفةً وعلمًا وعملاً وسلوكًا وتطبيقًا وقدوة وتحفيزًا للآخرين، ومن تلك الآليات : مؤسسات التعليم ، والمؤسسات الثقافية ،ووسائل الإعلام ، والمحاكم ، والبرلمان والمجالس المحلية ، والمجالس القومية والأكاديميات العلمية ، ومراكز السباب ، ودور العبادة ، ومنظمات المجتمع المدني ، والمنظمات الدولية والإقليمية .
دور المؤسسات الإعلامية :
يعد دور المؤسسات الصحافية والإعلامية في تنمية ثقافة الوعي بالقانون دورًا محوريا وفاعلا سواء كانت صحافية أو تليفزيونية أو إذاعية أو الكترونية ( وسائل التواصل الاجتماعي ) ، حيث إن تلك الوسائل هي أعين الجماهير ولسانها، وموجه عقلها الجمعي ومحدد ثقافتها العامة لانتشار تلك الوسائل ووصولها المكثف للجمهور المستهدف، وإلحاحها المستمر طوال الوقت، وسهولة الحصول عليها، بالإضافة إلى خطابها العام الذي يصل إلى عدد كبيرٍ متباين من البشر يعانى بعضه من تدنى الثقافة أو الأمية والجهل، ومن ثم يجب أن تقوم بدورها كاملاً في تنمية ثقافة الوعي بالقانون من خلال عدد من الآليات نذكر منها ما يلي:
1-تكثيف مساحة أوسع للخطاب الإعلامي القانوني الذي يستهدف جمهورًا متنوع المشارب والاهتمامات ومتباين الثقافات.
2تأسيس الخطاب الإعلامي على التجرد والموضوعية، وعرض كافة أوجه النظر بمنظورها العام بعيدًا عن أحادية الرؤية.
3-مقاومة الثقافة الإعلامية السلبية المناوئة لدولة سيادة القانون مثل أفكار التعصب والقبلية والأعراف الشعبية غير السوية.
4-تكريس فكرة الالتزام بالواجبات القانونية واحترام حقوق الإنسان دون تمييز وأن الجميع أمام القانون سواء ، وخلق حالة حوار عام حول كافة القضايا القانونية المثارة ومناقشتها مناقشة هادفة مستفيضة.
5-نشر ثقافة الوعي بالقانون من حيث التعريف بمواد القانون وبخاصة التي تمس حياة الناس في مجموعها العام مثل مواد الدستور والمواد المكملة له
6-الاهتمام بعرض ما يستجد من مواد قانونية والإلحاح عليها حتى لا تظل المعرفة القانونية أسيرة بين المتخصصين فقط .
7-الاستعانة بأهل القانون عند عرض الموضوعات القانونية، واستثمار القضايا المثارة التي تهم الناس وتعريفهم بالجوانب القانونية الصحيحة فيها .
8-إبراز المواد والبرامج القانونية في أماكن وأوقات مميزة ليتاح لها المتابعة الكثيفة مع العرض المبسط والشائق لها .
9-الاهتمام بشرح فلسفة القوانين ومغزاها والمستهدف منها، وأنها لم تُسن إلا لتطوير حركة الحياة والاستجابة لكافة المتغيرات المجتمعية في إطار مبدأ الأمان التشريعي .
10-الدعوة إلى إعلاء قيمة العقل والتفكير والعمل الجاد والإتقان والإخلاص وتقديس الواجب تعزيزًا لثقافة الوعي بالقانون.
ومن حصاد ما تقدم أرى أن سيادة الثقافة القانونية تأتي هي على رأس أولويات قضايا الأمن القومي العالمي ، لننعم جميعًا بالاحترام المتبادل للحقوق والواجبات ، في أفق العالم المعاصر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.