من أرض الكنانة انطلقت أمس أعمال مؤتمر القمة العربية فى دورته السادسة والعشرين، وسط تحديات عربية وإقليمية ودولية جسيمة تفرضها أحداث الإرهاب الأسود الذى يستشرى فى أوصال الدول العربية دون هوادة . وفى إطار التواصل العلمى الجاد مع تلك القمة الفارقة فى تاريخ العلاقات العربية العربية ، وانطلاقا من تجذر المسئولية الوطنية المصرية والقومية العربية فى وجداننا نحن المصريين والعرب، أجد أن ثمة واجبا وطنيا وأخلاقيا يحتم علينا ألا نقف مكتوفى الأيدى ، بل نسهم - ما وسعنا الجهد - فى مواجهة ذلك الإرهاب ، ومن ثم نقترح إطلاق مبادرة مصرية عربية للوعى بالقانون لمواجهة الإرهاب للشعوب العربية، يتم تدشينها من القاهرة فى مؤتمر عالمى يشارك فيه المسئولون والخبراء والمعنيون والمتخصصون، ثم تتواصل فعاليات المبادرة لتشمل جميع العواصم والمدن العربية التواقة للوعى بالقانون لمواجهة الإرهاب ، لترسيخ قيم العدالة والحق والسلام الاجتماعى بين شعوبها، تتلاحم فيها ومن خلالها جميع الأطراف الفاعلة لوأد منابع الإرهاب فى مهدها ، وإعلاء قيم المواطنة والإنسانية بوعى وحكمة وإرادة، ويخلق الوعى بالقانون منظومة متكاملة فى التعايش بين أفراد المجتمع والعالم أجمع، حيث يعرف الإنسان حقوقه وواجباته، فلا يضر بالآخرين، ويقاوم الجهل والاستعباد وألوان القهر، ويعترف بالآخر ويتحاور معه، وينبذ العنف، ويقبل التسامح، ويعلى من أهمية المواطنة المتساوية..كما يعد الوعى بالقانون أساسًا من أسس الحكم الديمقراطى الرشيد، ويرسى مبدأ الديمقراطية فى الوجدان الشعبي، ويساعد على تحقيق الاستنارة وتقدم المجتمعات وصياغة مستقبلها السياسى المستند على قيم الحرية والعدل والمساواة والكرامة..كذلك فإنه يعزز الوعى بالقانون الإيمان بقيمة الفرد وأهميته وتفوقه وموهبته بعيدًا عن المحسوبيات والمجاملات مما يخلق جوًا صحيًا للتنافس والتميز والتنمية البشرية، ويضع الفرد فى مكانه المناسب مما يعمق الوعى بإنسانية الإنسان ومكانته..وتعد سيادة القانون إحدى دعائم حماية هيبة الدولة، فبتلك السيادة يعتصم أصحاب الحقوق، وإليها يحتكم أرباب المطالب، وبدونها تسود لغة الفوضى والبلطجة والفساد، وينهار أمن الناس وحياتهم، وتتلاشى هيبة الدولة، وتدهور منظومة القيم على جميع الأصعدة..ويعمق الوعى بالقانون علم الفرد بحقوقه وواجباته القانونية فى مجتمعه مما يضمن له الحفاظ عليها والعمل على تحقيقها، ويقاوم ألوان الظلم والطغيان والفساد والجريمة، مما يحقق له الإحساس بالمساواة والإنسانية كما أرادها له الخالق العظيم ..وتوفر سيادة القانون بيئة اجتماعية واقتصادية وثقافية تؤمن للمواطن حاجاته المادية والمعنوية، وتحفظ للدولة وحدتها، وتعزز قيم الحرية والديمقراطية، وتدفع المواطن لأداء واجباته، والتمتع بحقوقه الإنسانية، وتمنعه من تجاوز القانون..وأخيرا يرسخ الوعى بالقانون النظام فى المجتمع، ويعزز المشاركة المجتمعية، ويجسد حسن الإدارة والنزاهة والشفافية، ويقاوم السلوكيات المنحرفة، مما يساعد فى جلب الاستثمارات ورؤوس الأموال والسياحة ودفع عجلة الإنتاج مما يساعد على تحسين أحوال الناس فى جميع المجالات، مما يعنى بناء مجتمع متقدم ينعم أفراده بالرفاهية والسعادة فى ظل حكم رشيد. وعلى جميع الأطراف الفاعلة فى المجتمع العربى العمل على تبنى آليات ٍعملية ٍمحددةٍ قابلة للتطبيق للوعى بالقانون لمواجهة الإرهاب، وفتح قنوات اتصال دائمة على المستوى القُطرى والعربى والإقليمى والدولى لتفعيل تلك الآليات مع تطويرها وتحديثها باستمرار، و استمرار حالة الحوار العام والشامل حولها بين جميع فئات وأعمار الشعوب العربية ؛ قد يكون من بينها نشر الثقافة القانونية من خلال إدخالها ضمن المقررات الدراسية فى مراحل التعليم المختلفة فى المدارس والجامعات والأكاديميات، ودعوة مراكز البحوث ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدنى ودور العبادة للمساهمة بدورٍ حيوى فى نشر ثقافة الوعى بالقانون وتنميتها وتعبئة المواطنين وتهيئتهم النفسية لتقبل الواجبات العامة التى يفرضها القانون على الجميع ، ومطالبة الشعوب العربية بالتمسك بثوابت القانون ، لتصبح ثقافة احترام القانون سلوكاً راسخًا ، وممارسة حياتية فى الضمير الجمعى العربي. وفى النهاية نتوجه بمبادرتنا لجميع الحكومات والبرلمانات والأجهزة القضائية فى الدول العربية أن تتكامل جهودها ، لتفعيل تلك المبادرة وفقا للآليات التى تراها كل دولة مناسبة لها . ونأمل أن تنجح تلك الجهود فى دحر الإرهاب ووأد منابعه ، وأن تستعيد الدول العربية أمن وأمان وسعادة شعوبها ، خلال هذا العام الذى تترأس فيه مصر القمة العربية ؛ فمصر - كانت ومازالت وستظل بإذن الله تعالى أيقونة السلام ، وقبلة الأمة العربية وظلها الوارف وعدتها لليوم والغد ، وها هى مصر تتحدث عن نفسها صادحة بكلمات الشاعر حافظ إبراهيم : أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق ودراته فرائد عقدى ، ما رمانى رامٍ وراح سليماً من قديم عناية الله جندى حفظ الله مصر للمصريين ، وللعرب ، وللعالمين ، فى كل زمان وحين. لمزيد من مقالات د. خالد القاضى