مع تصاعد الموجات الإرهابية الشرسة التى تجتاح البلاد العربية فإن الحاجة تبدو شديدة الإلحاح إلى كيفية مواجهتها على مختلف الصعد دون أن يقتصر الأمر على البعد الأمنى فحسب. الأهرام تلتقى أحد المتخصصين فى القانون والقضاء وهو القاضى الدكتور خالد القاضى رئيس محكمة الاستئناف، والذى أسس مجلس أمناء المركز العربى للوعى بالقانون مؤسسة تطوعية غير هادفة للربح .- كيف يمكن مواجهة الإرهاب من خلال الوعى بالقانون ؟* الأصل أن المواجهة القانونية تتحدد للإرهاب فى مرحلة ما بعد الفعل الإرهابي، حيث إن القانون لايجرم مجرد الأفكار الدفينة فى النفس مهما بلغ انحرافها طالما أنها لم تستطل إلى أفعال أو حتى أقوال يمكن إثباتها ،ولكن الوعى بالقانون يرتبط بالعلم والمعرفة والفهم والتطبيق ومراقبة الذات وضبط سلوكها وتوجيهه توجيهًا هادفًا، فحقيقة الوعى بالقانون ليست فقط معرفة التشريعات والنصوص القانونية، بل هو صورة متمازجة و شاملة لكل أنواع الوعى الاجتماعي، ورفع المستوى الثقافى والمعرفى للمواطن . فى ضوء ذلك يبدو أن الوعى بالقانون يأتى قبل وقوع الجريمة الإرهابية وليس بعدها فما هى وسائل و آليات ذلك ؟فى تقديرى لابد أن تتساند جهود الوزارات والمحافظات والهيئات والمؤسسات الحكومية جنبا إلى جنب مع جهود مراكز البحوث والدراسات والإعلام والجهاز التعليمى والتربوى الخاص والمؤسسات والجمعيات الأهلية، مع التأكيد على الدور المهم للمساجد ودور العبادة والمؤسسات الدينية، والتسليم بأن دورها لا يقتصر على أداء العبادات فقط، بل هى مؤسسات ذات تأثير مهم، ولها دور حيوي فى تعبئة المواطنين، وتهيئتهم النفسية لتقبل الواجبات العامة التى يفرضها القانون على الجميع. وهل تعتقد أن الإرهابيين فى حاجة إلى وعى بالقانون ، أم إلى عقاب رادع وعدالة ناجزة سريعة ؟* لديك كل الحق فى الإشارة الى ذلك ، ولكننى أتحدث عن البيئة التى أفرزت هؤلاء الإرهابيين ، فهم نتاج مجتمع تفشت فيه الأمية القانونية والأخلاقية والاجتماعية ، وحينما يتوفر الوعى بالقانون فإنه يخلق منظومة متكاملة فى التعايش بين أفراد المجتمع والعالم أجمع، حيث يعرف الإنسان حقوقه وواجباته، فلا يضر بالآخرين، ويقاوم الجهل والاستعباد وألوان القهر، ويعترف بالآخر ويتحاور معه، وينبذ العنف، ويقبل التسامح، ويعلى من أهمية المواطنة المتساوية . ولكن هل هناك بعد دولى لهذا الوعى بالقانون لمواجهة الإرهاب ؟
*بالتأكيد ، يمثّل التعاون الدولى للوعى بالقانون لمواجهة الإرهاب أحد جانبى العلاقات الدولية حيث يقابله فى الجانب الآخر «الصراع الدولى «، فالمتأمل فى التاريخ يري أنّ النظام العالمى يعيش منذ ظهوره حالة من التأرجح، والتعاون الدولى فى مكافحة الجريمة يمثل أحد صور التعاون الدولى بمفهومه الشامل ، وقد اختلفت صوره عبر الزمان، كما اختلفت أشكاله وأساليبه وآلياته، وكذلك اتساع مجالاته وطموحاته فنتيجة لتطور الجريمة الإرهابية ومناهج الإجرام كانعكاس للتطوّر الحضارى والتكنولوجي لاسيما فى مجال المواصلات والاتصالات والمعلومات، كان من الضرورى أن تتطوّر خطط ومناهج التصدى لها.
وقد يكون التعاون الدولى القضائى والأمنى من أسمى مظاهر التعاون الدولى فى مكافحة الجريمة ، إذ يوفق بين استقلال كل دولة فى ممارسة اختصاصها الجنائى على حدود إقليمها، وبين ضرورة ممارسة حقها فى العقاب، وبدون هذا التعاون، فلا يمكن للدولة أن تمارسه، ولاشك أن الرغبة القوية وراء ظهور هذا التعاون تكمن فى تقيّد سلطات الدولة بحدود إقليمها، إذ لا يمكن أن تسرى قوانينها العقابية أو مباشرة الإجراءات خارج حدود الإقليم الوطنى للدولة لأن ذلك سيمس سيادة الدولة الأجنبية ، كما أن تلازم حق الدولة فى العقاب ومجال الدعوى العمومية تطبيقا لتشريعاتها الجزائية أوجب على المجتمع الدولى إيجاد آليات للتعاون الدولى توازن بين اعتبارات السيادة الوطنية واعتبارات العدالة الدولية.
أخيرا ما الذى دفعك الي تأسيس المركز المصرى ثم العربى للوعى بالقانون ، وهل هناك تعارض بين عملك القضائى وبين رئاستك له؟
* المركز العربى للوعى بالقانون مؤسسة أهلية غير حكومية مقيدة قانونا ، غير هادفة للربح ، تأسست بالقرار رقم 7134 القاهرة ، بتاريخ 14/ 11/ 2007، بغرض دعم الاستقرار والأمن داخل المجتمع، وتأكيدًا للاهتمام المتزايد ببناء مجتمع أكثر انضباطا، وأهداف المركز هي: نشر وتنمية الثقافة القانونية بين أفراد المجتمع وبخاصة غير المتخصصين فى القانون، والوعى بالإجراءات القانونية للحدّ من اللجوء للمحاكم، وكذلك نشر الوعى القانونى الخاص بالتنمية البشرية والتنمية المستدامة. ولا يوجد تعارض بين تأسيسى المركز وبين عملى القضائى انطلاقا من إيمانى بضرورة وعى المواطن بالقانون باعتباره أساس التزام المواطن فى سلوكه اليومي، وإدراكاً لأهمية مشاركة رجل القضاء بفكره وعلمه وعطائه فى هموم وطنه ومنذ بواكير عملى القضائى فقد تطوعتُ رئيسًا وعضوا شرفيا بعدد من المؤسسات والهيئات والجمعيات العلمية والبحثية فى مجال القانون والخدمة العامة، على المستوى الوطنى والعربى و الدولي.