تخطو مصر فى هذه المرحلة، خطوات ثابتة نحو إعادة تنمية الوعى الوطنى لدى جموع المواطنين على اختلاف أعمارهم وفئاتهم من خلال المؤتمرات الشبابية والفعاليات النوعية المتكاملة، ولما كانت الثقافة القانونية تعد أحد أهم دعائم تنمية ذلك الوعى الوطنى لتحقيق مواطنة متكافئة فى الحقوق والواجبات، تكون مصر هى الغاية التى يعمل من أجلها الجميع، فقد باتت الثقافة القانونية قضية أمن قومي، لا مراء فيها، لتأكيد مبدأ سيادة القانون وحتمية احترام أحكامه، وجعل شعار (مصر أولا) هو الغاية الوطنية الكبري، والهدف الأسمى لجميع أفراد المجتمع، للحفاظ على الأوطان والأمم والشعوب مما يتهددها من أخطار الجهل بالقانون، وانتشار أفكار التطرف والارهاب الأسود الذى لا دين له ولا وطن، وطرح سبل ترسيخ قيم ثقافة تواصل وتكامل الجهود المجتمعية المتنوعة، لتلك المواجهة الفاعلة فى الضمير الجمعى المصرى فهما ومعرفة وعلما وعملا وسلوكا وتطبيقا وقدوة وتحفيزا للآخرين. ووجود القانون يرتبط بوجود الانسان فى أى مجتمع، فهو ضرورة ملحة للإنسان على المستويات كافة، ويعد القانون علامة على الوجود البشرى واستمراره، وحاضره ومستقبله، بل إن تقدم الأمم وقيام الحضارات يدور وجوداً وعدماً وقوة وضعفا وإيجابا وسلبا مع رسوخ اقتناعها باحترام القانون وقدسيته ووعى الشعوب به، ومن هنا جاء مصطلح (الثقافة القانونية) الذى أعتبر نفسى أحد من أسهموا فى نشره وتعميق مفاهيمه فى الوجدان المصرى والعربى بل الدولى منذ نيف وثلاثين عاما مضت، من خلال إصدار عشرات المؤلفات ونشر مئات الدراسات والمقالات وتنظيم المشاركة فى الفعاليات الوطنية والإقليمية والعالمية فى شتى بقاع الأرض، وأدركت خلال تلك السنوات أنه من الأفضل أن يصبح قادراً على تقبل فكرة الثقافة القانونية بما تتضمنه من أومر ونواه بشكل سليم، وليس بالتسليم والاستسلام المشوب بالخوف من مجرد ذكر القانون كأنه مرادف للسطوة والسلطة ! بما يسهل للجميع مدارسة الحد الأدنى (الكافي) من مفردات اللغة الدستورية والقانونية فى سياق ثقافته العامة ومن ثم فلا غنى عنه، ولهذا تتعدد أهداف القانون وغاياته والنتائج المترتبة على سيادته وتمسك الإنسان به، ومن تلك الأهداف ما يلى : 1) قيام مجتمع سام فى سلوكه، راق فى أعرافه وتقاليده، مزدهر قوته وعلمه واقتصاده، متقدم فى انضباطه وأمنه، وعلاقات أفراده، مرتفعة مكانته وهامته فى السياق العالمي. 2) يؤدى الى الحد من لجوء الناس للمحاكم مما يوفر الجهد والمال والوقت، ويعزز السلام الاجتماعي، ويحد من التباغض والنزاعات والمشكلات، مما يصب فى محصلة سعادة الانسان وازدهار المجتمع. 3) يعمق الوعى بالقانون علم الفرد بحقوقه وواجباته القانونية فى مجتمعه مما يضمن له الحفاظ عليها والعمل على تحقيقها، ويقاوم ألوان الظلم والطغيان والفساد والجريمة، مما يحقق له الإحساس بالمساواة والإنسانية كما أرادها له الخالق العظيم. 4) توفر سيادة القانون بيئة اجتماعية واقتصادية وثقافية تؤمن للمواطن حاجاته المادية والمعنوية، وتحفظ للدولة وحدتها وتعزز قيم الحرية والديمقراطية، وتدفع المواطن لأداء واجباته، والتمتع بحقوقه الإنسانية، وتمنعه من تجاوز القانون. 5) يرسخ الوعى بالقانون النظام فى المجتمع، ويعزز المشاركة المجتمعية، ويجسد حسن الإدارة والنزاهة والشفافية، ويقاوم السلوكيات المنحرفة، مما يساعد فى جلب الاستثمارات ورءوس الأموال والسياحة ودفع عجلة الانتاج مما يساعد على تحسين أحوال الناس فى جميع المجالات، مما يعنى بناء مجتمع متقدم ينعم أفراده بالرفاهية والسعادة فى ظل حكم رشيد. ومن ثم أدعو الى مؤازرة جهود الدولة المصرية لتنفيذ استراتيجية وطنية للثقافة القانونية لتنمية الوعى الوطني، تتساند فيها الوزارات والمحافظات والهيئات والمؤسسات الحكومية، بالاضافة الى جهود مراكز البحوث والدراسات والإعلام والفنون والدراما ومؤسسات التعليم ومنظمات المجتمع المدني، والتى يتكامل دورها جنبا إلى جنب مع جهود دور العبادة والمحاكم والبرلمان والمجالس القومية والرئاسية، وتعميم تلك المبادرة فى كل المنتديات واللقاءات والفعاليات سواء داخل مصر، أو خارجها من خلال بعثاتها الدبلوماسية وجالياتها فى مختلف دول العالم. تلك كانت فى عجالة فكرة مبدئية حول أهمية الثقافة القانونية فى إعادة بناء هوية الإنسان المصري، والتى أعتبرها تقع هى على رأس أولويات قضايا الأمن القومى. لمزيد من مقالات د. خالد القاضى