أثار الإفراج عن المرشح الرئاسي السابق أحمد الطنطاوي، مساء الأربعاء، تساؤلات واسعة حول دوافع القرار، وتوقيته، وما إذا كان نتيجة لضغوط خارجية، أو ضمن صفقة داخلية بين النظام الانقلابى وبعض أطراف المعارضة المحسوبة على التيارات الناصرية واليسارية. وفي الوقت ذاته، أعاد هذا الإفراج إلى الواجهة سؤالاً أكثر حساسية: لماذا يُبدي النظام الانقلابى كل هذا التعنت تجاه الإسلاميين ويواصل "تدويرهم" في قضايا جديدة رغم إنهاء مدة حبسهم ؟ رحلة الإفراج الطويلة أعلنت الصفحة الرسمية للطنطاوي وصوله إلى منزله بمحافظة كفر الشيخ، بعد قضاء عام كامل في السجن، على خلفية اتهامات تتعلق بطريقة جمع توكيلات ترشحه للرئاسة. استغرقت عملية الإفراج أكثر من 24 ساعة، تخللتها إجراءات بيروقراطية معقدة وتنقلات مطولة من سجن العاشر من رمضان إلى الزقازيق، ثم إلى قسم الشرطة، وسط مخاوف من "تدويره" على ذمة قضايا جديدة، وهي ممارسة شائعة في مصر خلال السنوات الأخيرة ضد المعارضين السياسيين. الطنطاوي وقضية التوكيلات "غير الرسمية" تعود القضية التي سُجن بسببها الطنطاوي إلى محاولات حملته تجاوز ما وصفوه بتضييقات أمنية على تحرير التوكيلات الرسمية، عبر استخدام نماذج شعبية بديلة لجمع التأييد. وقد اعتُبر هذا التحرك "تزويراً في أوراق انتخابية"، بحسب النيابة العامة، التي أحالت 21 متهماً إلى المحاكمة، بينهم مدير حملته محمد أبو الديار. صفقة أم استجابة للضغوط؟ يثير الإفراج عن الطنطاوي تساؤلات عن ما إذا كان خطوة استباقية لتهدئة الانتقادات الدولية، خاصة أن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي أعربا في أكثر من مناسبة عن قلقهم من حالة الحريات العامة في مصر. كما يأتي في سياق تصاعد الأصوات داخل تيارات ناصرية ويسارية تنتقد الإدارة الحالية، لكنها لا تمثل تهديداً شعبياً حقيقياً، في نظر النظام، بعكس التيارات الإسلامية. مصدر دبلوماسي غربي مطلع صرّح سابقاً لوسائل إعلام عربية أن بعض الإفراجات عن معتقلين سياسيين، لا سيما اليساريين، تأتي في سياق "عمليات تجميلية" لتحسين صورة النظام، بينما لا تشمل تلك المبادرات القيادات الإسلامية، التي ما زالت تواجه أحكاماً ثقيلة أو تُعاد محاكمتها في قضايا متجددة. الإسلاميون… الاستثناء المستمر في المقابل، يستمر التنكيل بالإسلاميين، بمن فيهم قيادات سياسية وبرلمانية منتخبة سابقاً، إذ لا يزال عشرات الألاف منهم رهن الحبس الاحتياطي أو يُعاد تدويرهم في قضايا جديدة فور انتهاء مدة حبسهم. ويُفسّر مراقبون هذا التوجه برغبة النظام في منع أي احتمال لعودة تيار يملك ظهيراً شعبياً حقيقياً، خاصة بعد تجربة الرئيس الشهيد محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر. ويرى الباحث في الشؤون السياسية أحمد عبد ربه أن "النظام لا يرى في المعارضة اليسارية والناصرية خطراً فعلياً، فهي غير قادرة على الحشد، ولا تملك قاعدة اجتماعية مؤثرة. أما الإسلاميون، فمهما تراجعت شعبيتهم، لا يزالون يتمتعون بتنظيم وقدرة على التعبئة في حال أُتيح لهم المجال". الدعم الغربي وازدواجية المعايير يبدي مراقبون استغرابهم من استمرار تجاهل الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية للتمييز الصارخ في معاملة المعارضين، لا سيما الإسلاميين، في وقت تواصل فيه واشنطن دعم النظام المصري عسكرياً وسياسياً. ويشير بعض المحللين إلى أن الغرب يشجع بشكل غير مباشر سياسات الإقصاء تجاه الإسلاميين، خوفاً من عودتهم إلى المشهد السياسي، ما يعكس ازدواجية في خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان. رغم انتهاء مدة حبسه، لم يُفرج عن أحمد الطنطاوي إلا بعد ساعات من الترقب والمخاوف، ما يعكس هشاشة الضمانات القانونية في مصر، حتى في القضايا السياسية الأقل حساسية. وفي حين يُفرج عن مرشحين سابقين للرئاسة المنتمين إلى التيار المدني، لا تزال السجون ممتلئة بعشرات الآلاف من الإسلاميين، في مشهد يعكس أولويات السلطة وتحالفاتها، داخلياً وخارجياً.