مصطلح ”تجديد الخطاب الديني” أو”تطوير الخطاب الديني” المستعملان في وسائل الإعلام، وعلى ألسنة كثيرٍ من الكتاب والمتحدثين، من المصطلحات التي اختلط فيها الحق بالباطل، وقد يختلف المراد بها حسب المستعملِ لها، فهناك من اللبراليين والعلمانيين والتغريبين، يريدون بمصطلح ”تجديد الخطاب الديني” تغيير ثوابت الدين الإسلامي وأصوله، ويهدفون إلى هدم قيمه ومبادئه الإسلامية، واستبدالها بأخرى محرفةٍ ومبدلةٍ، وهم في الحقيقة يقصدون جعل دين الإسلام متوافقاً مع النظرة الغربية للدين، بحجة جعل الإسلام متلائماً مع ظروف العصر ، وأما دعاة الإسلام وعلماؤه وفقهاؤه فمنهم من يقصد بمصطلح ”تجديد الخطاب الديني ”تحديث وسائل الدعوة إلى الإسلام، والتجديد فيها، ومنهم من يقصد بيان حكم الإسلام في النوازل المستجدة، ومنهم من يقصد تنزيل الحكم الشرعي على الواقع المُعاش، ومراجعة التراث الفقهي مراجعة استفادةٍ وتمحيصٍ، وتقريبٍ الفقه للناس وتيسيره، ونحو ذلك من المعاني الشرعية وأنا أميل إلى ذلك. .. التجديد أمر واقع.. ورد التجديد في السنة النبوية، بمفهومٍ شرعيٍ، فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الإيمان ليَخْلَقُ فى جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب، فاسألوا اللهَ أن يُجددَ الإيمانَ فى قلوبكم» (رواه الطبرانى والحاكم، ومعنى ”يَخْلَقُ” أي يبلى، وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة، مَنْ يُجددُ لها دينَها» (رواه أبو داود والحاكم ، وعليه فالشريعة الغراء لا تمانع وهذين دليلين من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم
.. من يملك التجديد ؟ ليس كل من يتكلم في الدين يملك التجديد ، فالذين يملكون صفات معينة هم فقط من يملكون تعديل وتطوير الخطاب الديني وإليكم بعض الضوابط في هذا الصدد : (1)مراعاة الاختصاص، يقول الله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة النحل الآية 43]. واليوم يتجرأ على التجديد وينظر له أنصاف المتعلمين، وأرباعهم، وأدنى من ذلك، فضلاً عن غيرهم ممن لا علاقة لهم من قريبٍ ولا من بعيدٍ بالإسلام وعلومه وفنونه، ومن لا علمَ له ولا فقهَ ولا خبرةَ ولا قدرةَ على الاستدلال بالنصوص، وإنزالها في منازلها، ولا يدري شيئاً عن قواعد الاستدلال، من حيث العموم والخصوص، والإطلاق والتقييد والنسخ، والمصالح والمفاسد، وهؤلاء وإن كانوا بارعين في مجالاتٍ معينةٍ أو في اختصاصاتهم وفنونهم التي يشتغلون بها، لكنهم في العلم الشرعي لا يخرجون من فصيلة العوام، فالتجديدُ مهمةُ الراسخين في العلم، وأهلُ الحل والعقد في الأمة، عبر المجامع والمؤتمرات العلمية الجامعة التي تتمتع بالاستقلال وحرية الرأي، والموضوعية والتجرد من الأهواء المذمومة.
فالمجددُ لا بد أن يكون باحثاً عن الحقيقة، اتفقت مع ميوله أو لم تتفق، ومتمسكاً بالحق بعيداً عن الأهواء الباطلة، كالكبر والمذهبية والتقليد الأعمى وغيرها.
.. الاعتصام بالأصول والثوابت الإسلامية، فأصولُ الدين وثوابتهُ وقواعدهُ لا تقبل التجديد بأي حالٍ من الأحوال، وأي دعوةٍ لتجديدها، مردودةٌ ومرفوضةٌ، كالتجديد الذي يبيح الربا، ويرفض الحجاب، ويرفض إقامة الحدود، ويساوي بين الرجل والمرأة مساواةً مطلقةً.
والتجديدُ المقبول شرعاً في الأصول والثوابت الإسلامية هو التجديدُ الذي يحيي الأصولَ ويعيدُ الحيوية إلى الثوابت، ويدعو إلى تطبيقها في واقع الناس اليوم، فدين الإسلام صالحٌ لكل زمانٍ ومكانٍ.
.. الاعتراف بمحدودية العقل البشري، وعدم إحلاله محل الوحي أو تقديم العقل على النصوص الثابتة المنقولة، لأن العقل البشري مهما بلغ في درجات الكمال، فالنقصان من لوازمه، فالنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مقدمةٌ على العقل. .. أن يكون القصد من التجديد إصلاح الفكر الديني لدى الأمة، وتوعيتها بدينها الحق، وشرح أحكام الدين للناس بطريقةٍ صحيحةٍ بناءً على الأسس والثوابت.
.. الالتزام بأساليب اللغة العربية وقواعدها في تفسير النصوص الدينية وتأويلها، لأن لغة العرب هي لغةُ الكتاب والسنة. قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [سورة الشعراء الآيات192-195].
.. الحذرُ من الحُكم على أمرٍ ما اعتمادًا على نصٍ واحدٍ، وإغفال بقية النصوص التي وردت فيه، فلا بدَّ للمجدد أن يدرس المسائل الشرعية دراسةً عميقةً، وأن يدرس جميع النصوص الواردة في المسألة قبل أن يُصدر حكمه.
ومن هنا يثور التساؤل .. هل يملك الأزهر الآليات لتجديد وتطوير الخطاب الديني ؟؟ الازهر الشريف يحظى في هذه الآونة بإمام جليل يجمع عليه الداخل والخارج كونه أحد من باعوا أنفسهم لله تعالى ولرسوله دفاعاً عن دعوته، فما مرت مناسبة إلا وحرص فضيلته على بيان أهمية تجديد وتطوير الخطاب الديني في أصوله المتعارف عليها شرعاً ، والحقيقة الأزهر المؤسسة الوحيدة القادرة على تبني خطاب ديني معتدل قائما على كتاب الله تعالى وسنة نبيه والمجتهدين من أمته والأزهر يملك في هذا الصدد الأتي : 1 هيئة كبار علماء الأزهر : وهي أعلى مرجعية دينية تابعة للأزهر الشريف بمصر. أنشئت عام 1911 في عهد مشيخة الشيخ سليم البشري حلت عام 1961. وأعيد إحياؤها عام 2012 في عهد شيخ الأزهر أحمد الطيب، وهي هيئة قادرة على البت في جميع الامور المستحدثة والمستجدة. 2 مجمع البحوث الاسلامية : وهو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية، وتقوم بالدراسة في كل ما يتصل بهذه البحوث، وتعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسي والمذهبي، وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفي كل بيئة، وبيان الرأي فيما يَجِدُّ من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة، وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وعلى راس المجمع الذي يضم اكثر من عشر ادارات مهمة فضيلة العالم الجليل الدكتور نظير عياد وله باع طويل في تجديد الخطاب 3 جامعة الازهر : جامعة الأزهر هي المؤسسة الدينية العلمية الإسلامية العالمية الأكبر في العالم وثالث أقدم جامعة في العالم بعد جامعتي الزيتونة والقرويين، وللتاريخ هذه اكبر جامعة انارت الكون كله بعلمها وعلمائها حتى انها اصبحت مبتغى القاصدين الى القاهرة وعلى راسها الاستاذ الدكتور المحرصاوي الذي ارجع للجامعة بريقها ورونقها . 4 قطاع المعاهد الازهرية :يعد قطاع المعاهد الازهرية هو المشرف على مئات الالاف من الطلاب والمعلمين سواء مصريين او اجانب وله دور محوري في تطوير الخطاب الديني من خلال معلميه الذين يصعدون منابر المساجد ولكونهم وبصفة دائمة ملمين بكل ما هو جديد. الازهر لا يتدخل في عمل الفنانين ، الازهر لا يتدخل في الشأن الرياضي ، الازهر لا يتدخل إلا فيما يعنيه فقط وما حدده ورسمه الدستور له فلا ينبغي للآخرين القيام مكانه ، وقد أحسن السيد رئيس الجمهورية بتوجيه هذا الأمر إلى الأزهر الشريف والأوقاف لتبني مؤتمرا بهذا الصدد.