منذ لحظة قتل قابيل لهابيل والتاريخ البشري له وجه إجرامي لا ينكر، فالجريمة ظلت على المستوى الشخصي أو الأممي أحد محركات حركة التاريخ، فكم من ملك قتل فى جريمة دبرت بليل، فتغير تاريخ الأمة التي يحكمها، وكم من جريمة ظلت مطموسة خلف أستار القصور حتى كشفتها أوراق نشرت بعد مئات السنين، لذا شكل تاريخ الجرائم البشرية نافذة شديدة الخصب فى الكشف عن الجانب المظلم والأكثر غموضا في التجربة البشرية، خاصة أنه يقف على الخط الفاصل بين الجريمة والإبداع. ◄ «القومي للترجمة» يتتبع تاريخها بكتابين جديدين.. جرائم الجنس البشري وفظائع الإنجليز ب«دنشواي» ◄ شهادة بلنت تفضح وتوثق جريمة الاحتلال البريطاني ضد المصريين في دنشواي جاءت كتب المركز القومى للترجمة الصادرة مؤخرا لتعالج النقص في المكتبة العربية بخصوص تاريخ الجرائم، فكان أن أصدرت ترجمة لأشهر كتب تاريخ الجرائم فى العالم، وكذلك كتابا آخر عن فظائع جرائم الاحتلال البريطانى فى قرية دنشواي المصرية، فجاء الكتابان يكملان بعضهما البعض فى الحديث عن جرائم فى الشأن المصري والعالمي. ◄ إجرام الجنس البشري المركز القومى للترجمة برئاسة كرمة سامى، أقام حفل توقيع الطبعة العربية من كتاب (التاريخ الإجرامى للجنس البشرى)، مؤخرا، والذى ألفه المؤرخ البريطانى كولن ويلسون، وترجمه إلى العربية الدكتور رفعت السيد على، والذى تشكل ترجمته إلى العربية إضافة أساسية إلى المكتبة العربية، إذ يعد من نوعية الكتب المعنية بالتاريخ المركب أو الكلى، الذى يعمل على دراسة ظاهرة كلية فى التاريخ البشرى كله ولا يتوقف عند ثقافة أو حضارة بعينها، عبر الاستعانة بعدة علوم مثل الفلسفة والاجتماع والاقتصاد والجغرافية والأنثروبولوجيا، يسعى المؤلف عبر التناقض بين الجريمة والإبداع لإعادة تعريف التجربة البشرية فى مسارها التاريخى الطويل، وما يمكن أن يخرج به من هذه الرحلة من نتائج تساعد فى تلمس الضوء لمستقبل البشرية فى القرون القادمة. مؤلف الكتاب كولن ويلسون يعتمد على نظرية الصدمة للقارئ، فهو يقدم الكثير من الأحداث والمنجزات البشرية على مدار تاريخ الإنسانية بصورة تنزع من عليها عباءة الوقار والإبداع ليكشف لك الجريمة وكل أشكال التدمير الكامنة خلفها، ويشبه ويلسون الحضارة الإنسانية ب «قناع ذهبى لوجوه متوحشة»، فالكتاب كله مبنى على فرضية أساسية تعيد قراءة تاريخ البشرية كلها من منطلق أن ليس كل ما يبدو بريئا فى التاريخ البشرى هو كذلك، بل إنه يمكن اعتبار الكثير من الجرائم البشرية قد قدمت فى إطار من التقنيات المتقدمة لتبرير الهيمنة الإنسانية، لافتا إلى أن أكثر الجرائم فظاعة تلك التى ارتكبت باسم العقل، يمكن هنا ضرب المثال بجرائم الاستعمار الغربى الذى رفع شعار تقديم الحضارة لشعوب العالم التى تم وصفها بالمتخلفة، لتبرير الاستعمار والغزو والسيطرة على مواردها، فأصل الحركة الغربية هو رفع شعار شديد البراءة لتغليف جريمة متكاملة فى حق أغلب شعوب العالم. ◄ اقرأ أيضًا | البيئة تكشف تفاصيل العثور على حفرية الديناصور «هابيل» بالواحات البحرية ◄ فظائع العدالة الكتاب الثاني الذى أصدره المركز القومى للترجمة، هو كتاب (فظائع العدالة تحت الحكم البريطانى في مصر)، تأليف ولفريد سكاون بلنت وترجمة أحمد خفاجة وتقديم الدكتور خلف الميرى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، والذى يعد شهادة توثيقية مهمة لما جرى فى قرية دنشواى بمحافظة المنوفية العام 1906، على يد الجيش البريطانى الذى ارتكب مذبحة كبرى ضد أهالى القرية فى حادثة هزت العالم كله وكشفت عن الوجه القبيح للاستعمار البريطانى. ◄ فضح الاحتلال وفي هذا الإطار تأتى أهمية ترجمة (فظائع العدالة تحت الحكم البريطاني في مصر) إلى العربية، لأن الكتاب يعرض لرؤية مختلفة لحادثة دنشواى المخزية، والتى عرضها المفكر البريطانى ولفريد سكاون بلنت فى صورة مذكرة قدمها إلى مجلس العموم البريطاني، ثم تولى طبعها لتقديمها إلى الرأى العام الإنجليزى والعالم أجمع، دفاعًا عن القضية المصرية فى ظل الاحتلال البريطانى، ورغبة فى فضح مساوئ الاحتلال وسوء إدارته المتمثلة فى تسلط اللورد كرومر، المعتمد البريطانى فى مصر، وقد تمكن بلنت بسعة اطلاعه ومعاصرته للأحداث من عرض الحوادث المتعددة التى تعرض فيها المصريون للمظالم على يد الاحتلال منذ بدايته 1882، حتى وقوع حادثة دنشواى 1906.