انهارت صفقة القرن قبل أن تبدأ، وهى خطة «جاريد كوشنر» للسلام فى الشرق الأوسط التى أطلق عليها البعض خطة الاقتصاد أولا، وبالتالى لم يعد أحد يثق بنجاحها. الخطة ترتكز على ضخ خمسين مليار دولار من الاستثمارات لتحرز الأراضى الفلسطينية منها 28 مليارا، ولتحرز الأردن سبعة مليارات ونصف المليار، وتحرز مصر تسعة مليارات، أما لبنان فتحصل على ستة مليارات. الخطة المذكورة بدأت فى الانهيار قبل أن تبدأ. حيث لم يعد أحد يثق فى إمكانية نجاحها اللهم إلا من قاموا بوضعها والترويج لها وهم الثلاثى: «كوشنر» صهر ترامب وأحد كبار مستشاريه، و«جيسون غرينبلات» مبعوث ترامب للشرق الأوسط،، و«ديفيد فريدمان» السفير الأمريكى لدى إسرائيل.هاجمتها السلطة الفلسطينية ورفضت الذهاب إلى البحرين لحضور افتتاح المؤتمر الاقتصادى الثلاثاء الماضى، والذى كان بمثابة الواجهة التى ركز عليها واضعو خطة الصفقة لكى تكون مقدمة لنجاح عملية السلام فيما بعد. ولا شك أن ما تعكسه صفقة القرن لن يصب فى صالح الفلسطينيين. إذ أنه معنىّ بالأساس بإسرائيل التى يدعمها ترامب بشدة دفعته إلى الالتحام معها وتنفيذ كل مشروعاتها، ومن هنا جاءت الصفقة لتصب بالأساس فى صالح الكيان الصهيونى وبالتالى لم تكن إلا خدعة بالنسبة للفلسطينيين، ولهذا كان من الطبيعى أن تنهار قبل أن تبدأ، فالخطة التى أطلق عليها السلام من أجل الازدهار لن يتم تنفيذها إلا إذا تم التوصل إلى حل سياسى لما يعتبر أحد أكثر الصراعات صعوبة فى العالم. إذ أن أى حل للقضية الفلسطينية يجب أن يعالج القضايا القائمة منذ زمن بعيد مثل وضعية القدس والحدود المتفق عليها ومراعاة كل من المخاوف الأمنية لإسرائيل والمطالب الفلسطينية بإقامة دولتهم. وكذلك بحث مصير المستوطنات الإسرائيلية والوجود العسكرى فى الأراضى التى يريدها الفلسطينيون لإقامة دولتهم. كان كوشنر صريحا عندما أكد أن الصفقة لن تلتزم بمبادرة السلام العربية التى طرحتها السعودية عام 2002 والتى تحظى بإجماع عربى حيث تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 تكون القدسالشرقية عاصمتها كما تدعو إلى حق العودة للفلسطينيين وهو ما ترفضه إسرائيل، ولذلك أرادها كوشنر أن تكون فى منطقة وسط تراعى ما تريده إسرائيل ويطمح إليه الفلسطينيون. ولا شك أن صفقة القرن المذكورة قد عمدت إلى تصدير الاقتصاد كمعلم رئيسى لحل الصراع الاسرائيلى الفلسطيني، وهو ما يعنى أن تتحول قضية الشعب الفلسطينى من قضية سياسية إلى قضية إنسانية، وهو أمر لا يمكن القبول به، إذ أن العامل الاقتصادى هنا قد أقحم فى الأساس ليكون بمثابة رشوة مقنعة لتمرير الصفقة إمعانا فى فرضها على الفلسطينيين ليكون المقابل بقاء الحال على ما هو عليه بالنسبة للقضية الفلسطينية دون التوصل إلى إنجاز الحل السياسى الذى يتطلب تطبيق الشرعية بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية وعودة اللاجئين. وبالتالى يظل من الصعوبة بمكان التصور بأن القضية الفلسطينية يمكن أن تحل اقتصاديا دون معالجة القضايا السياسية وهى محور الخلافات القائمة بين الفلسطينيين وإسرائيل. لقد أرادت أمريكا بصفقة القرن تمويه الموضوع بجعل الأساس فيه تحفيز الاستثمار فى الأراضى الفلسطينية كبداية اقتصادية للتغطية على الموضوع الرئيسى وهو الشق السياسى. ولهذا كان من الطبيعى أن يرفضها القادة الفلسطينيون ويروا أنها بمثابة رشوة من أجل إسقاط أى هدف لوجود دولة فلسطينية. وبالتالى كان من المنطقى أن تسقط الصفقة لأنها بمكوناتها التى قدمت بها إنما تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية.....