كلما تصدر صحيفة جديدة أحس بفرح حقيقى.. أشعر أن كلمتى ستطبع على ورقة جديدة.. تتلقفهاعيون لم ترها من قبل.. تسمعها آذان صافية.. أدبُّ بقدمى على أرض الصحيفة، أتجول فى حجراتها، أدقق النظر فى الوجوه.. فى الثياب.. فى الحماس.. فى اللغة المجنونة التى ينطق بها هؤلاء الشباب الجدد والتى يجمعونها من أفواههم، ويضعونها على الورق ويحملها الكمبيوتر ويضع لها الروج والبودرة والألوان ويصمم لها الثياب الجميلة.. ويطبع على ثغرها أغنية.. أو كلمة جريئة أو ناقوسا يدق ليوقظ النائمين.. فالنواقيس خافتة فى هذه الأيام والكلمات الجريئة تضيع فى الحوارى والأزقة وتسقط آخر المطاف على رصيف الشارع فتتكسر الى قطع تذروها الرياح. قبل صدور «الأسبوع» كنت حزينا منذ وقت طويل لم تصدر فيه صحف جديدة، ولا أقلام جديدة.. ولا أصوات جديدة.. وكنت أشعر أننى سجين فى جرائد مترهلة.. عجوز، شاخت قبل الأوان، وكان الناس بحاجة إلى أن يمسكوا بصحيفة تدق قلوبهم وهم يقرأونها، وتلتهب عقولهم وهم يتجولون بين صفحاتها.. صحيفة لا تخضع لحزب أو تباع لتيار سياسى، أو تركع لإمبراطورية الإعلانات.. أو يحكمها بائع كبدة أو تاجر سيراميك بلاط بلدى، أو أفاق يبيع أعمدة الجريدة لمن يدفع أكثر . وقد قيل: إن الديمقراطية فى مصر محدودة أو مضروبة.. وأن وسائل الإعلام الرئيسية كالتليفزيون والإذاعة تملكها الدولة وان الناس لا وجود لهم فى هذه الوسائل ،وكان من الصعب أن تطالب هذه الوسائل بأن تفتح صدرها للناس وأصحاب الكلمة من صحفيين وكتاب سجناء.. سجناء أنفسهم وتقاليدهم ونفوذهم ومصالحهم حتى أصبح عدد من رؤساء تحرير الصحف أعضاء فى مجالس إدارة شركات ومؤسسات مدانة من صحفهم نفسها.. متهمة باهدار المال العام.. ومن قبل الكافة لا الخاصة.. كيف بالله يقود هؤلاء الحملة لشق طريق وسط وسائل الاعلام الرسمية لتتسع للناس وممثليهم.. ؟ أو كيف يسمحون بأن تدار معركة فى صحفهم تستهدف ديمقراطية أوسع.. وتعبيرا أصدق.. ؟ رغم حزنى كانت الكتابة بالنسبة لى لعبة مرحة كالتى يمارسها الاطفال.. وكان بودى أن أجد مكانا أكثر نظافة أتنفس فيه هواء نقيا وألتقى بشباب لم تلوثه المضاربات أو الصفقات أو تحرفه الأغراض.. فمن هذا الشباب يمكن أن تتكون الكتيبة الجديدة التى تحمل أغصان شجرة الزيتون دون أن تغفل عن الكلاشينكوف.. وان أرى رجالا وشيوخا لم يخبُ البريق فى عيونهم.. تفيض احاديثهم بالسحر والهوس والجنون.. هذا هو الجديد فى «الأسبوع». كنت كصياد يرقد على هضبة وينتظر البحر أن يجود اليه بالسمك، ألقيت شباكى.. فعادت إلى فارغة.. فقلت لابد من التغيير أو الثورة.. فى عصر لم يعد للثورات وجود . لم أعد أطيق الجلوس على مائدة واحدة مع السياسيين الكذابين لابد أن أخلع منهم أقنعتهم التى عاشوا بها طويلا.. فقد كان هؤلاء يتحدثون عن الشعب وهم يسيرون بمراسم الطبقة العليا المتفسخة.. ما أسرع هروبهم من المواجهة.. وما أشجعهم وأسرعهم فى الفرار من الواجب.. ولكنهم – فى الوقت المناسب – يغرسون رؤوسهم ويدفنونها فى صحف يصنعونها لانفسهم ومصالحهم وأقاربهم.. فيبدون بفضل المكياج والكذب بوجوه مقبولة لكنها فى الحقيقة شائهة وهزيلة.. ! سقطت الصحف فى هذا المستنقع – القومية والحزبية على السواء – بعضها أخل وبعضها مازال يرسف فى أغلال العبودية.. ومن هنا كان على الصحفيين والكتاب أن ينشدوا التغيير فى صحف جديدة.. يكتبون على أوراق جديدة ونظيفة ليس انطلاقا – فقط – من ادانة احد أو اتهام احد.. ولكن بدافع الخروج الى دنيا أوسع.. وأرحب.. فى «الأسبوع» تعثر على فكر الآخر، اختلاف الرأى مطلوب ومحترم.. التيارات تتصارع وتتضارب لكن كل فى مكانه، كل يعبر عما فى نفسه وما يعكس الواقع والحياة.. تجد أخانا العظيم د. يحى الجمل والشاب الصاعد أحمد فرغلى.. تجد محمد عبدالقدوس والى جانبه اختنا الأديبة المتمرسة فوزية مهران.. تقرأ للدكتور سليم العوا.. ثم تقرأ لأسامه عفيفى وتستمتع بأحاديث سناء السعيد الشيقة والمثيرة وخرافات إبراهيم مسعود وسخريات الفنان حمدى أحمد.. وتجذبك مقالة الأخ محمد مستجاب بأسلوبه السهل الممتنع.. ويرأس فريق الشباب فى « الأسبوع « صاحب الذكاء المتقد محمود بكرى فى مكتب واحد مع عمرو ناصف ولا اريد أن أقول شيئا عن الصديق الأديب جمال الغيطانى ولا عن ولدى فنان الكاريكاتير عمرو الذى اختار «الأسبوع» منذ أن كانت فكرة فى رأس المايسترو الأخ مصطفى بكرى الذى يتمتع بطيش الشباب وحكمة الشيوخ.. ولا أريد أن أذكر الأخ عبدالفتاح طلعت مدير التحرير وعشرات من الأسماء التى تعمل فى سكرتارية التحرير والكمبيوتر.. والتى تجرى هنا وهناك تلتقط الأخبار.. المهم أن هؤلاء الشباب والشيوخ مجانين بمعنى الكلمة.. لا مكان لجيل الوسط.. ولا لأفكار الوسط.. ولا لتردد الوسط.. « الوسطية « لا وجود لها فى « الأسبوع « هل يستطيع هؤلاء المجانين أن يصمدوا للعاصفة التى تريد إغراقهم.. بعض الناس.. بعض الأشياء تستعصى على التصفية كشجرة راسخة فى الأرض، تمر بها الأعاصير وتعجز عن اقتلاعها وتهب الريح عليها وتفشل فى تجفيفها وقتل الحياة فيها.. جذورها هناك فى أحشاء الثرى.. لأن جذور هؤلاء عميقة فى أرض هذا البلد . . بعبارة أحدث رغم قدمها لأنها من عصر على بن أبى طالب ألا نكون ممن يقول فى الدنيا الزاهدين، ويعمل عمل الراغبين، فان أعطى منها لم يشبع، وأن منع عنها لم يقنع – يعجز عن شكر ما أوتى ويبتغى الزيادة فيما بقى، وينتهى الناس ولا ينتهى، ويأمر بما لا يأتى.. يحب الصالحين ولا يعمل بعملهم ويبغض الطالحين وهو منهم . لكننا تخطينا كل هذا.. فنحن الزاهدون ونحن الراغبون. ....................................... نشر فى مارس 1997