«لن يُغلق باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلى. يا قدس يا مدينة الصلاة».. ستبقى القدس ويفنى الغادرون هكذا علمنا التاريخ منذ أن نشأت أورشليم والتاريخ يثبت أنها تظل صامتة لكنها أبدا لا تنهزم، وأن من أرادها بسوء يذهب إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه. لتبقى مدينة الصلاة الساحرة تقاوم هى وأهلها وبين الحين والآخر تكون واحدة من أسباب إفاقة الأمة العربية ضد من لا يملكون ومع ذلك يمنحون من لا يستحقون. لتثبت القدس أنها ستقاوم من جديد ومثلما وقفت أمام وعد بلفور وخذلها العرب حينًا ووقفوا إلى جوارها أحيانًا، إلا أن القدس ستبقى رمزا للصمود ضد كل وعد يهين الحقوق المشروعة لأهلنا فى الأراضى الفلسطينية وعلى رأسها «القدس». بداية أعلن المجلس القومى لحقوق الإنسان على لسان رئيسه محمد فائق رفضه للقرار الذى أعلنه ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى داخل القدسالمحتلة باعتبار أن القرار مخالف للقانون الدولى ويقوض جهود الشرعية الدولية من أجل إيجاد تسوية سلمية وعادلة للقضية الفلسطينية، كما يشجع إسرائيل على تأييد احتلالها للأراضى الفلسطينية الذى يتخطى عامه السبعين وينتهك مبدأ جوهريًا من مبادئ حقوق الإنسان والشعوب بحق تقرير المصير، كما يشجع المستعمرين المتطرفين على تكرار تدنيس المسجد الأقصى فى حماية قوات الاحتلال، الأمر الذى يهدد بانتهاك حرمة المسجد الأقصى ويؤجج النزاعات الدينية فى المنطقة. ودعا المجلس جامعة الدول العربية إلى تبنى أقصى إجراءات يمكن الاعتماد عليها فى موجهة هذا القرار وتداعياته. موقف ولخصت المنظمة العربية لحقوق الانسان فى ورقة «موقف» أعدها المركز الفلسطينى لحقوق الإنسان الذى وصف ما حدث من الولاياتالمتحدةالأمريكية والقرار الذى أصدره ترامب مؤخرًا بإعلان القدس عاصمة لدولة الكيان الصهيونى بأنه وضع «من لا يملك أعطى من لا يستحق» لأن وضع القدس القانونى كجزء من أرض فلسطينالمحتلة تم إقراره بالقانون الدولى، استنادًا إلى قرارات الأممالمتحدة ومحكمة العدل الدولية، وباعتراف وإقرار الأغلبية الساحقة لدول العالم، حيث صوتت 154 دولة على الاعتراف بدولة فلسطين على الأرض المحتلة عام 67 والتى تشمل القدس. واعتبر المركز أن ما قام به ترامب مخالفة واضحة للقانون الدولى ولقرارات مجلس الأمن واتفاقيات جنيف، ويمثل جريمتين تشكل الأولى منهما عدوانًا على الدولة الفلسطينية، باعتبار أنه دعم وتأييد لضم أراضى الغير باستخدام القوة؛ كما إنه يمثل جريمة حرب باعتباره بمثابة اشتراك فى جريمة الاستيطان التى تمارسها دولة الاحتلال فى الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس. ويرى المحامى راجى الصورانى - مدير المركز الفلسطينى لحقوق الإنسان - أن هذا التطور يأتى فى إطار سياسة ممنهجة اتبعتها الإدارة الأمريكية الحالية فى التنكر لحق الفلسطينيين فى تقرير المصير، ومحاولاتها تصفية القضية الفلسطينية. والتى بدأت بدعم التوسع الاستيطانى والضغوط الهائلة التى مارستها الولاياتالمتحدة على الأممالمتحدة والمحكمة الجنائية الدولية والقيادة الفلسطينية لحرمان الفلسطينيين من اللجوء للعدالة الدولية، وهو ما أعلنته أمريكا صراحة على لسان مندوبتها الدائمة فى الأممالمتحدة قائلة: «زمن إدانة إسرائيل ولى». وأنه حتى نهاية السبعينيات كانت توجد فى القدس سفارات ل13 دولة نقلتها جميعها من داخل القدس إلى خارجها تقديرا لوضع «القدس» شديد الخصوصية. خاصة بعد صدور قرارى مجلس الأمن رقمى 476، 478 اللذين يدينان قرار سلطات الاحتلال بضم القدس. ويضيف الصورانى أن قرار ترامب الأخير لم يجرؤ رئيس أمريكى على اتخاذه من قبل رغم إقرار الكونجرس القدس عاصمة لدولة الكيان الصهيونة منذ عام 1995. والقرار مخالفة واضحة لقرارات الأممالمتحدة حيث صدر عن مجلس الأمن (12) قرارًا تؤكد أن القدس أرض محتلة من قِبل سلطات الاحتلال الإسرائيلى، وتنص (8) منها على عدم قانونية كافة الإجراءات أو التغييرات فى الوضع القانونى للمدينة وضرورة سحب القوات الإسرائيلية منها، والأربعة الأخريات تطالب إسرائيل بالانسحاب من الأرض المحتلة عام 1967 بما فيها القدس، كان أولها قرار مجلس الأمن رقم 242. ومن القرارات التى تعلقت بمدينة القدس مباشرة، قرار مجلس الأمن رقم 476 لسنة 1980، الذى يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأرض المحتلة، بما فيها القدس، مؤكدا أن أى تغيير على وضع القدس غير قانونى. وفى العام ذاته، صدر القرار رقم 478 الذى أدان دولة الاحتلال الإسرائيلى لقيامها بالنص على القدس كعاصمة موحدة لها فى قانونها الأساسى، ويعتبر القرار ذلك خرقًا للقانون الدولى، ولا يحول دون تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على المدينة باعتبارها أرضًا محتلة. كما أدان القرار أى تغيير على وضع القدس، واعتبر كل التشريعات والاجراءات والتصرفات التى أجرتها سلطات الاحتلال هناك غير قانونية وملغية فورًا. المنظمة العربية لحقوق الإنسان استكملت الأسانيد القانونية لوضع القدس، وأكدت أن أبرز وآخر القرارات التى تدين الاستيطان فى الأرض المحتلة، بما فيها القدس كان القرار رقم 2334 لسنة 2016، والذى يؤكد أن فرض الوقائع الاستيطانية على الأرض «بلا قيمة قانونية»، ويمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى وعقبة كبيرة فى طريق عملية السلام وحل الدولتين. ويدعو القرار فى الفقرة (5) منه دول العالم للتفرقة بين الأرض الإسرائيلية والأرض المحتلة عام 1967 عند التعامل مع دولة الاحتلال. وتم اتخاذ هذا القرار بأغلبية 14 عضوًا، ودون اعتراض من الولاياتالمتحدة. قرارات تناولت ورقة العمل قرارات اليونسكو الأخيرة التى صدرت عام 2016 وكانت تتعلق بالقدس وأقرت فيه «أن المسجد الأقصى وحرمه تراث إسلامى خالص، بما فيه حائط المغاربة (المسمى بحائط المبكى عند اليهود)، وليس لليهود أى حق فيه. كما أدان القرار كل التعديات والتغييرات التى تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلى على المعالم الأثرية هناك، باعتبار المسجد الأقصى وحرمه من التراث الإنسانى المحمى دوليًا. ومن هذا المنطلق اعتبرت المنظمة العربية فى ورقتها القانونية ما قامت به أمريكا بإعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال خرقًا فاضحًا للقانون الدولى الإنسانى، واشتراكًا مباشرًا فى جريمة عدوان ويهدد السلم والأمن الدوليين ومخالف لميثاق الأممالمتحدة، الذى يحظر ضم أراضى الغير بالقوة، ويعتبرها أحد الأساسات التى تجيز تدخل مجلس الأمن وفق الباب السابع من الميثاق لحفظ السلم والأمن الدوليين، كما أنه إحدى الجرائم التى تدخل فى اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وإن كان تعريفها لم يدخل حيز النفاذ بعد. ما فعلته أمريكا بهذا الإعلان الداعم لإسرائيل اعتبرته المنظمة العربية جريمة حرب لأنه يدعم الاستيطان ويجعل الولاياتالمتحدةالأمريكية شريكًا فى الجريمة بحسب اتفاقية جنيف الرابعة فى المادة (49) منه، وميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية وذلك فى المادة (8) الفقرة (8). وبموجب ذلك يحق للمحكمة الجنائية الدولية ملاحقة المسؤولين الأمريكيين عن هذا القرار وعلى رأسهم الرئيس ترامب. ومن هنا جاءت مطالبة المركز الفلسطينى للمحكمة الجنائية الدولية بإدراج الرئيس الأمريكى ترامب ضمن المتهمين بتنفيذ جريمة الاستيطان فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة. وطالب القيادة الفلسطينية بالتوجه إلى مجلس الأمن للمطالبة بإدانة إعلان الرئيس ترامب، لتعرية الموقف الأمريكى المناهض للسلام ولحق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير. والسعى لدى الدول فى الأممالمتحدة لإدانة القرار الأمريكى والتأكيد على انطباق اتفاقيات جنيف على الأرض المحتلة عام 1967 بما فيها القدس، والعمل على إلزام الولاياتالمتحدة بالاتفاقيات باعتبارها أحد الأطراف السامية المتعاقدة، ومطالبة الاتحاد الأوربى بإدانة القرار الأمريكى باعتباره مخالفة للقانون الدولى وتهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الدوليين. والضغط على الرئيس الأمريكى من أجل إنقاذ السلام العالمى وتجنيب العالم حرب دينية بسبب التصرفات الصهيونية. مؤامرة إنهم يشعلون حربا دينية فى المنطقة، بحسب وصف الجبهة الوطنية لنساء مصر التى طالبت الشعوب العربية بالانتفاض ضد البلطجة الأمريكية التى تسعى إلى إعادة تفتيت وتقسيم الدول العربية عن طريق إشعال الاقتتال بين مكوناتها على أساس عرقى وطائفى ومذهبى لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد وفى القلب منه إسرائيل. وطالبت الجبهة بتفعيل قرار القمة العربية العاشرة فى تونس عام 1979 الذى نص على أن تحرير القدس العربية واجب والتزام قومى، وقطع جميع العلاقات مع أى دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو تنقل سفارتها إليها. وأكدت ضرورة سحب السفير المصرى من إسرائيل وإغلاق السفارة الإسرائيلية فى القاهرة وتفعيل لجان دعم الانتفاضة الفلسطينية ومقاومة التطبيع ولجان المقاطعة للكيان الصهيونى ولكل الدول المساندة والداعمة له فى مصر وجميع الدول العربية، ومقاطعة البضائع الأمريكية. الدكتور عادل عامر - مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية - يرى أن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس يعنى الاعتراف بوضع القدس تحت السلطة الإسرائيلية، وهو ما يخالف قرار مجلس الأمن الأخير وقراراته السابقة، وفتوى محكمة لاهاى. كما يخالف قرار القانون الدولى رقم 478 الصادر عام 1980، الذى نص على أن تقوم الدول التى لديها بعثات دبلوماسية فى القدس بسحب هذه البعثات من المدينة. والقرار يعنى تدمير المنطقة وإثارة الفتن وقد يدفع المنطقة إلى حرب دينية. وسيكون الأمر بمثابة اعتراف بالضم الإسرائيلى غير المشروع للقدس الشرقية، واعتراف بالخطوة الإسرائيلية غير القانونية لاعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل عام 1980 بعد احتلالها عام 1967، فى خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولى وضمنه الولاياتالمتحدة. عامر طالب بضرورة التواصل مع الاتحاد الأوربى، والبرلمان الأوربى، لإصدار بيان يدعو فيه للامتناع عن نقل السفارة؛ لما فى ذلك من مخاطر على أمن منطقة البحر المتوسط، بشكل خاص والعالم بشكل عام وأن تتعهد الدول الأوربية بالامتناع عن الإقدام على الخطوة الأمريكية. ومطالبة اللجنة الرباعية بعقد اجتماع طارئ لاتخاذ موقف ينذر بأن نقل السفارة سيقود إلى نتائج خطيرة على جهود اللجنة فى نطاق مساعى التسوية السلمية. وأن تصدر المنظمات الفلسطينية، خصوصًا منظمة التحرير، بيانًا واضحًا بأن نقل السفارة سيقود لسحب السلطة الفلسطينية كافة تعهداتها السابقة باعتبار نقل السفارة خروجًا على الالتزامات المتفق عليها فى اتفاقات السلام.