قطاع التعليم: 37 ألف طالب سجلوا رغباتهم وموقع التنسيق يعمل 24 ساعة    اتحاد الغرف التجارية: الأوكازيون يبدأ 4 أغسطس ويشمل كافة القطاعات    أمين الجبهة الوطنية: الرئيس السيسى يبذل كل ما يملك فى سبيل الدفاع عن قضية فلسطين    سيناتور أمريكي: ترامب يريد فرض رسوم جمركية على دول تشتري النفط والغاز من روسيا    تشكيل النصر - جواو فيليكس يظهر لأول مرة.. ورونالدو أساسي أمام تولوز وديا    فيديو ترويجي ل"محمد إسماعيل" مدفاع الزمالك الجديد    مران الزمالك - مشاركة بنتايك.. وتنفيذ أفكار خططية في ودية المحلة    وزارة الداخلية تضبط المتهمين بالتشاجر بالقليوبية بأعيرة نارية.. فيديو    وزارة التربية والتعليم تعلق على إدعاء طالب يتهم تغيير إجابته بالثانوية    خالد الجندى فى "لعلهم يفقهون": لا تخوفوا الناس من الدين    وزارة الصحة تنفى زيادة مساهمة المريض فى تكلفة الأدوية: مجرد شائعات    المتهم بارتكاب أفعال فاضحه لجارته بالبساتين ينفي الواقعة    تأجيل دعوى عفاف شعيب ضد المخرج محمد سامي بتهمة السب والقذف    ضربتها لتقويمها..إنتحار طفلة بالفيوم بالحبة السوداء.. والأم تتهم الجدة بتعذيبها    "أنا الذي".. طرح ثالث أغاني الكينج محمد منير مع "روتانا" على "يوتيوب" (فيديو)    في شهرين فقط.. تامر حسني يجني 99 مليون مشاهدة بكليب "ملكة جمال الكون"    "هواوي" تطلق الإصدار 8.5 من حزمة السحابة في شمال إفريقيا لتعزيز الذكاء الاصطناعي    البيت الفني للمسرح ينعى الفنان لطفي لبيب    مصر تواجه تونس في ختام الاستعدادات لبطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عامًا    اجتماع موسع بشركة الصرف الصحي بالإسكندرية استعدادا لموسم الأمطار    رغم انتهاء المفاوضات التجارية بين أمريكا والصين دون إعلان تقدم.. مؤشرات متفائلة لصندوق النقد    مقتل 3 جنود جراء إصابة صاروخ روسي موقع تدريب للجيش الأوكراني    وزارة الثقافة تعلن تسجيل مصر مبنى متحف الخزف الإسلامي في سجل التراث المعماري والعمراني العربي    فيديو.. ساموزين يطرح أغنية باب وخبط ويعود للإخراج بعد 15 عاما من الغياب    تايلاند وكمبوديا تؤكدان مجددا التزامهما بوقف إطلاق النار بعد اجتماع بوساطة الصين    ناجلسمان: تير شتيجن سيظل الحارس الأول للمنتخب الألماني    رئيس جامعة المنيا يحفّز الأطقم الطبية قبيل زيارة لجان اعتماد مستشفيي الكبد والرمد الجامعيين    أهمية دور الشباب بالعمل التطوعي في ندوة بالعريش    ركود السوق يهبط بأسعار الأجهزة الكهربائية 35%.. والشعبة: لا تشترِ إلا عند الحاجة    برواتب تصل ل50 ألف جنيه.. فرص عمل في البوسنة والهرسك ومقدونيا الشمالية    ترامب: الهند ستدفع تعريفة جمركية بنسبة 25% اعتبارًا من أول أغسطس    محافظ المنوفية تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 ب 469 لجنه انتخابية    توقعات الأبراج في شهر أغسطس 2025.. على برج الثور الاهتمام بالعائلة وللسرطان التعبير عن المشاعر    حركة فتح: إعلان نيويورك إنجاز دبلوماسى كبير وانتصار للحق الفلسطينى    زياد الرحباني... الابن السري لسيد درويش    أحمد درويش: الفوز بجائزة النيل هو تتويج لجهود 60 عاما من العمل والعطاء    سباحة - الجوادي يحقق ذهبية سباق 800 متر حرة ببطولة العالم    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بمجلس الشيوخ    تغطية الطرح العام ل "الوطنية للطباعة" 8.92 مرة في ثالث أيام الاكتتاب    المشدد 7 سنوات لعاطلين في استعراض القوة والبلطجة بالسلام    جامعة بنها الأهلية تختتم المدرسة الصيفية لجامعة نانجينج للطب الصيني    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    النيابة العامة: الإتجار بالبشر جريمة تتعارض مع المبادئ الإنسانية والقيم الدينية    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    قائد الجيش اللبناني: لن نتهاون في إحباط أي محاولة تمس الأمن أو تجر الوطن إلى الفتنة    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    أبو مسلم: جراديشار "مش نافع" ولن يعوض رحيل وسام ابو علي.. وديانج يمتلك عرضين    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    ترامب يكشف عن تأثير صور مجاعة قطاع غزة على ميلانيا    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    33 لاعبا فى معسكر منتخب 20 سنة استعدادا لكأس العالم    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    إعلام كندي: الحكومة تدرس الاعتراف بدولة فلسطين    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الليبرالي.. والشيوعي.. والوجه الآخر!!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 06 - 03 - 2012

انظر حولك أنّي شئت واسأل في ذهول: كيف مسخت النخبة إلي هذا الحد؟!.. وكيف انحطت كل هذا الانحطاط؟.. أي منهج شيطاني اتبعه الطواغيت في تربيتهم.. فنجحوا فيما فشل فيه الاستعمار.. نجحوا عندما ربوا لنا كلابا وذئابا وثعالب وثعابين وحيات وعقارب وإن احتفظوا بشكلهم البشري!.. بل ربوا لنا من هم أضل من الأنعام.. أما أعجب العجب فهو تسلل هذه النماذج الشائهة إلي وظائف النخبة العليا في السلطة.. بل دخل بعضهم إلي مجلس شعب لم يجر تزوير انتخاباته!!
كل جيلي عاشر بعض الشيوعيين بشكل أو بآخر في نصف القرن الأخير.. ولو تحت أقبية السجون.. وعلي الرغم مما تكشف لنا عنهم بعد ذلك إلا أنه لا يجرمنا شنآنهم علي ألا نعدل معهم.. فيما عدا قياداتهم كانوا مثقفين.. بعضهم لم يفارق الدين في اقتران مستحيل وبعضهم فارقه في حماقة وجرأة.. لكن.. ليس في سفالة وقلة أدب كأقرانهم الحاليين..
لم أتكلم عن القادة.. صبيان هنري كوريل.. من تقاضوا الروبلات فلما نضبت لجئوا إلي الدولارات أو حتي الشيكل.. لم أتطرق إلي من سمته الأهرام بالعميل 'ر.س' ولا بعصابة الأربعة ولا بقصة المثقفين والعسكر ولا بتلاميذ العقيد صلاح محسن الذي يعود إليه الفضل في تعيين نصف الصحفيين الشيوعيين بل وزاد علي ذلك فرسمهم أدباء وشعراء!.
أقارن الشيوعيين القدامي بالشيوعيين والليبراليين الحاليين الذين يجلسون علي حجر أمريكا وإسرائيل فيفوز القدامي.. علي الأقل كانوا مثقفين.. لأن السمة المشتركة بين الحاليين هي الجهل المطبق وانعدام الثقافة والعقل والضمير والأخلاق ثم الفجور الفاحش والمجاهرة بل والفخر بكل الذنوب والآثام. عجزوا عن الإيجابيات فافتخروا بالنقائص.
ارنهم بأسلافهم القدامي فأترحم علي القدامي.. إن جازت عليهم الرحمة..
برغم مهارة شيطانية للأولين في قلب الحقائق وشيطنة المسلمين وخدمة الطاغوت وتزيين عهده والتعتيم علي الفساد والتعذيب والتزوير مادامت مكرسة ضد الإسلام إلا أنهم لا يستطيعون أبدا مجاراة الليبراليين والشيوعيين الحاليين في الكذب الفاجر وإلباس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق.. في قدرة مذهلة سيقف التاريخ أمامها مذهولا، ويهرع الشيطان كتلميذ صغير كي يتعلم منها كيف استطاعوا قلب الأمور.. فحولوا أبطال ثورة 25 يناير إلي ثورة مضادة وجلسوا هم مكانهم ليزعموا أنهم هم الثورة..؟!
استطاع الهمج الهامج عن طريق سيطرتهم علي وسائل الإعلام أن يقلبوا الحق باطلا والباطل حقا.. ونحن نصرخ فيهم:
- بل الإسلام هو الثورة.. فهل أنتم مع الإسلام؟!
ونصرخ فيهم:
- فلسطين هي الثورة.. فهل أنتم مع فلسطين؟.
ونصرخ فيهم:
- لابد من استعادة الأقصي.. فهل أنتم مع استعادته؟.
ونصرخ فيهم:
- كان ثوار 25 يناير بشرا سموا فوق مرتبة الملائكة وأنتم بشر انحدرتم دون مرتبة الدنايا فكيف تكونون الثورة ويكونون هم الثورة المضادة؟
واحد من كبارهم.. من موالي العميد صلاح محسن.. أصبح رئيس تحرير فاستكتب من يقول إن المسجد النبوي هو المسجد الأقصي.. فلنترك القدس لإسرائيل إذن.. وتنتهي المشكلة!!..
يزعمون - أخزاهم الله ولعنهم أينما ثقفوا - أنهم الثورة..
فهل الثورة هي الدعوة للانفتاح علي الغرب والقطيعة مع العرب - البدو - والمسلمين - الإرهابيين؟.
وهل الثورة هي الانفلات الأخلاقي.. ولواطي يحدد صفات الرجال.. وسحاقية تضع مقاييس الشرف وحمار يدمغ بذلك غيره لأنه لا يري إلا نفسه في المرآة ومحفظ قرآن يتحول إلي فاسق ماجن بلطجي عربيد وإمام مسجد عينته أمن الدولة يزعم أنه رأس الثورة وثمة مجرم يبول فوق رأسه وامرأة تتعري وكلب بشري يبول في مئذنة عمر مكرم؟..
وهل الثورة هي هدم القيم المصرية لتأمين إسرائيل.. وهدم الشريعة الإسلامية مقابل التمويل الأجنبي؟..
وهل الثورة هي منع تعدد الزوجات ومنع الطلاق وتغيير قواعد الميراث بالمخالفة للقرآن ونسب الأبناء إلي أمهاتهم لحل مشكلة أبناء الزني وإلغاء خانة الديانة من الهويّة والسماح بالبهائية؟..
هل الثورة يا حطب جهنم هي دعوات للاحتفال بالشواذ جنسيًا في رأس السنة؟.
وهل الثورة هي الدعوة للتمكين والتنديد باحتكار المذهب السني للساحة الإسلامية وأحقية الشيعة في انتزاع حصة من الطائفية الدينية في البلاد؟!..
هل الثورة أن تلغموا المجتمع كله لتفجيره إن لم يكن بالديناميت وبالمولوتوف فبألسنتكم النجسة وضمائركم الخربة وعمالتكم؟.
وهل الثورة هي تسمية الخونة وأصحاب منظمات المجتمع المدني أحرارا؟.
وهل الثورة هي أن نترك أعداء الثورة ليتسللوا بيننا من خلال حصان طروادة 'الإعلام العميل والتمويل والخونة'؟.
هل الثورة هي لفافات البانجو وفتيات يدعين الشرف يبتن مع أغراب داخل خيام مستوردة؟.
هل الثورة أن نترك الجواسيس الذين اعترفت عليهم المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية "فيكتوريا بولاند" مقرة أن عمل المنظمات الحقوقية هو رفع التقارير والتجسس علي الأوضاع التي تعيشها مصر؟.
وهل الثورة هي محاربة شرع الله ودينه والتنازل عنه للغرب الذي تسود فيه الإباحية والفوضي والانصياع وراء الغرائز الدنيوية؟.
هل الثورة هي السماح للرعاع بازدراء الدين الإسلامي وحده.. فليس هناك كلب منهم ينبح علي دين غير دين الإسلام؟.
هل الثورة هي السخرية من لحية المسلم ونقاب المسلمة دون أن يعوي ذئب منهم علي أزياء القسس والراهبات والأحبار؟
وهل الثورة هي إباحة الكفر كالبهائية والقاديانية وخوض المعارك ضد السلطات للاعتراف بهم وفي نفس الوقت يهاجمون الإسلام؟.
هل الثورة هي المطالبة بالحرية حتي لمدعي النبوة؟.
وهل الثورة هي الدعوة لإلغاء خانة الديانة من البطاقات الشخصية التي تصدرها الدولة لمواطنيها؟
هل الثورة هي كل ذلك.. هل أنتم الثورة يا كلاب النار وهل نحن الثورة المضادة؟
هل النصابون هم الثورة والشرفاء هم الثورة المضادة؟
هل عبد الرحمن يوسف القرضاوي هو الثورة وشيخنا وإمامنا وحبيبنا الدكتور يوسف القرضاوي هو الثورة المضادة؟.
لقد عرضت في اختصار شديد بعض سمات الليبراليين والشيوعيين المعاصرين ومعظمهم في الحقيقة لا هذا ولا ذاك بل عبدة شيطان رجيم.. وهم ليسوا مخدوعين.. بل يدركون جيدا ماذا يفعلون وماذا يبيعون وكم يقبضون.. ولقد عرفت نوعا آخر منهم.. نوعا ضل الطريق وأخطأ وهو يحسب أنه يحسن صنعا..
كان ذلك منذ عشرين عاما..
كنت جالسا في مكتبي مرهقا ومحبطا.. كنت مجروحا بقسوة.. عالم لم يكف أبدا عن جرحي ولم أكن أرغب في شيء إلا في أن أتباعد وأنأي لعلي أستطيع أن أفهم.
انطويت علي نفسي مسلما إياها للحظة من لحظات الصمت المطلق.
وخدش ذلك الصمت من جاء يخبرني بوجود الأستاذ 'م.م' وبرغبته في لقائي.
كان الأستاذ 'م. م' واحدا ممن أحترمهم احتراما حقيقيا رغم أنه كان شيوعيا.
فزعت.
قلت لنفسي: هؤلاء الشيوعيون لا يكفون عن الكلام والجدل أبدا وأنا في لحظة ضعف وألم لا أحتمل فيها أي مزيد.. لا أحتمل النطق بكلمة ولا الاستماع لحرف.
أقسي من وحشة الصمت اضطرارك لاصطناع الحديث.
عزمت علي ألا أفتح أي موضوع للجدل معه وألا أستجيب له إذا فتح أي موضوع.
ودخل الرجل وأخرج أوراقا كانت معه. قال لي إنهم ينشئون حزبا شيوعيا جديدا وأنه يعرف أنني في الطرف الآخر منهم، المناقض لهم، لكن رأيهم اتفق علي أن يعرضوا برنامجهم الجديد علي مختلف التيارات الفكرية للأمة.
رحت أذكّر نفسي بألا أفتح أي مجال للحوار والنقاش..
ثم إن الرجل يورطني في العلم بتفاصيل تنظيم سري وأنا علي استعداد للموت في سبيل قضية حق لا في سبيل باطل..
وأحس الرجل بعزوفي فبادر قائلا إنه يلمح علي وجهي ملامح الإرهاق لذلك فإنه سيعود بعد أسبوع أكون قد قرأت فيه مسودة مشروع الحزب الجديد لأبدي رأيي فيها..
حمدت الله علي الخلاص..
لكن شعورا دهمني فجأة.. شعورا كالطوفان الذي تنهار إزاء جموحه كل الاستحكامات وتنهار أمامه كل السدود.. اجتاح هذا الشعور صمتي فانفجر الكلام..
قلت للرجل إنني أحترمه لكنني أشفق عليه.. لقد انهارت الشيوعية في أرجاء العالم وها هو ذا يحاول إحياءها وهيهات أن يحيي الموتي.
اندفعت في حديث متواصل من التوسل والرجاء لا أستطيع كبح جماح نفسي..
صارحته بما دار في دخيلة نفسي قبيل دخوله وقلت له إنني أنكص عما عزمت عليه لأنني أحترمه..
قلت له إنه مأساوي جدا أن أصارحه وأقول له بعد أن تجاوز الخامسة والستين من عمره إن كل كفاحه وكل نضاله وكل عذابه كان خطأ في خطأ، مأساوي جدا أن يكتشف بعد كل هذه السنين أنه سار في الطريق الخطأ وأنه ضل بداية الطريق، لكن المأساوي أكثر منه أن يواصل نفس الخطأ ولو ليوم واحد آخر..
قلت له: لو كان الموت هو النهاية لناشدتك أن تواصل الخطأ فالإقلاع عن فكرة سرت من الإنسان مسري الدم لأكثر من نصف قرن أشد إيلاما من السلخ..
وقلت له: ليتك كنت فاجرا أو عربيدا أو خائنا وليتك استمتعت بدنياك حتي يكون في ذلك بعض عزاء عن خسران آخرتك.. لكنك عشت في الدنيا كزاهد.. ثم تذهب إلي الآخرة وقد انتثرت كل تضحياتك هباء منثورا.. لقد قضيت في السجون ربع قرن، كنت زميلا لشهدي عطية الذي قتله الجلادون.. لماذا مات شهدي عطية؟! أي جنون يقبع في أن تفقد الحياة نفسها وأنت تدافع عن الحياة؟.. لماذا إن لم يكن الدافع شيئا أرقي من الحياة وأسمي وأعظم.. وبدون هذا الشيء فالإنسان مجرد حيوان لا يسير علي أربع.. هل يعقل أن تدفع حياتك من أجل إعلاء كلمات ماركس.. سوف أخاطبك بمنطق قد تفهمه وتتعاطف.. معه سوف أخاطبك بصرخة دستويفسكي في الإخوة كرامازوف: 'إذا لم يكن الله موجودا فكل شيء مباح'!!..
ماذا تريدون أن تنشئوا علي الأرض؟.. جنة؟.. لن توجد علي الأرض جنان أبدا.. أبدا.... إنني أناشدك أن تتأمل الأشياء حولك.. الأشياء الصغيرة العادية التي تحدث كل يوم وليس في قضايا الوجود الكبري.. أي بؤس للجنس البشري إن كان الفناء مآله؟.. أي ضياع لكل قيمة؟.. وأي باطل وأي تحقير للإنسان أن ينتهي حين يموت؟..
القيمة الوحيدة للجنس البشري لا يمكن أن تتحقق إلا في وجود الله وبالله.. والقيمة الوحيدة لكل هذا الألم الهائل الذي نكابده والعناء المر الذي نلاقيه لا يمكن أن تحتمل إلا لأن هناك آخرة سوف نحاسب فيها.. الشيء الوحيد الذي يعوض كل هذا الضني وكل هذا العذاب ليس إلا الخلد..
صرخت فيه: هل يهون عليك أن يستوي الأمين والخائن والطاغوت والبطل والشهيد والجلاد؟..
هل استمتعت بدنياك؟ أي أباطيل بررت بها كل تعاساتك؟! ولماذا أنجبت أبناء يتعذبون كما تعذبت عذابا بلا مبرر في حياة بلا معني؟..
قلت له وقد جاشت مشاعري وأخذ مني الانفعال كل مأخذ:
- لو أن أحدا فقأ عينيك ووضع مكانهما جوهرتين..
تُري: هل تَري؟!..
أم أن ما منحنا إياه الله من نعم لا تشتري..
وطفقت أرجوه رجاء بلغ حد التوسل هاتفا به: ويلك آمن.. إن وعد الله حق.. لقد أضعتم الكنز وأخذتم الوباء، لو أنني كنت أتحدث مع غيرك لوضعت احتمالات كثيرة، معك أنت يختلف الأمر، فلقد غرروا بك، وأنت أيها الطيب المسكين لم يخطر ببالك أبدا أن رؤساءكم وقادتكم يمكن أن يخفوا خلف أقنعتهم البراقة مسوخا للقيم ومسوحا للشياطين.
بدا الرجل مترددا وهو يبتسم ابتسامة المحرج الذي فاجأه الأمر فراح يدافع عن الشيوعية والمساواة والعدالة.. قلت له: بل هي وباء فانظر إلي نتائجها في بلادها..
لقد أعطي الإسلام للبشرية شهادة نضجها أعطاها كنزا فلماذا تتخلي عنه وتأخذ بدلا منه وباء؟!..
ولقد قدم التصور الوحيد الممكن للدنيا والآخرة ولقد كان دوركم طيلة الحقب الماضية أن تنثروا الرماد علي هذه الحقيقة الساطعة كي تطفئوا بهاءها..
بماذا تريد أن تجادلني؟
أتقول إنك لا تستطيع أن تخطط لمجتمع بناء علي غيبيات؟
أليست الروح غيبا والنفس غيبا وما أنت بدونهما سوي جيفة؟!.. الكهرباء أيضا غيب.. أنت لا تراها امدد يدك الآن وضعها علي هذا السلك المكشوف.. ستكون لحظة الإدراك ذاتها هي لحظة الموت.. أنكر إن شئت أن هذا الهواء الذي يحيطنا يحمل في طياتة ملايين الموجات ولكن إنكارك لن يلغي هذه الموجات.. بل سوف يلغي إمكانية نجاتك بها كتائه في الفلاة لا وسيلة لنجاته سوي جهاز اللاسلكي الذي ينكر جدواه ما دام لا يري موجاته..
إن العلم المادي الذي ظننتم يوما أنه كفيل بفك طلاسم مغاليق أسرار الوجود يعود اليوم إلي النقطة التي علمنا إياها الدين منذ عشرات القرون.. ها هي ذي الإرادة الإنسانية تتلاشي، وتحكّم الإنسان في مصيره يضمحل ليثبت أن كل شيء مخطوط بالشفرة علي جزيئات الجينات.. وأن المرض مكتوب والميلاد مكتوب والسعادة مكتوبة والشقاء مكتوب وأن موعد موتك لا يعلمه إلا الله..
انظر إلي تداول الأيام بين الناس ما من قوة تستمر وما من ثروة تستقر وما من حكم يدوم..
انظر إلي التاريخ..
انظر إلي مكر الإنسان ومكر الشيطان إزاء مكر خير الماكرين.. انظر إلي البدايات والنهايات.. وكيف تسجل سجلا حافلا لخيبة العقل البشري..
لقد خُلِقَ الإنسان عبدا وهو إما أن يتشرف بالعبودية لله أو أن يسقط عبدا لشهواته وللشيطان..
تقول إنك لست عبدا؟! أنصت إذن إلي دقات قلبك وتحكم في كهرباء مخك ويا أيها المسكين العاجز عن التحكم في عضلات معيه كيف تدعي القدرة علي تغيير الكون أو حتي علي فهمه..
إن الدنيا امتحان، وفي الامتحان لا يتعين أن يحدد الطالب الأسئلة سلفا أو أن يختارها.
انظر إلي الرموز المكنونة في هذا الوجود ولا تنس أبدا أن الله قد خلق جدنا علي صورته وأن الذرة.. الذرة الصغيرة التي لا تري هي رمز للمجموعة الشمسية كلها..
لماذا لم تفكر في اتجاه دوران الإليكترون حول النواة واتجاه دوران الأرض حول الشمس وعلاقة ذلك بالطواف حول الكعبة؟!
إنني لا أنكر دور الإرادة البشرية والعقل البشري لكن في إطارهما الصحيح.. تماما كما أن لكل خلية في جسدك وظيفة لكنها تمارس هذه الوظيفة في حدود جسدك.. لا تكن كذلك البحار الأحمق علي ظهر حاملة طائرات ضخمة يحسب أنه بيديه الكليلتين قادر علي التحكم في مسارها ومصيرها..
العقل البشري محدود في وظيفته كأي عضو آخر..
هل تستطيع أن تري بعينيك ما يحدث الآن في أسوان أو أن تسمع بأذنيك ما يقال في الإسكندرية؟
هل يمكنك أن تري من خلال الراديو صورة تليفزيونية، وهل تستطيع أن تفك مسمارا.. مجرد مسمار.. دون المفك المناسب له؟!.. العقل البشري كحقيبة الآلات الجراحية التي يحملها طبيب.. فهل يستطيع بآلات عملية اللوز أن يستأصل الزائدة الدودية أو سرطانا؟! العقل البشري خلق لغرض معين محدود إذا استعملته في غيره أفسدت كل شيء دون أن تصل إلي شيء أبدا كمن يحاول الطيران بسيارة أو الوصول إلي القمر بطائرة فكلاهما لا محالة هالك..
إنها الأمانة الفادحة التي أبت السماوات والجبال أن يحملنها فحملناها.
ثم من يحكم بأن الخير خير والشر شر؟!..
إنك لا يمكن أن تقول فوق وتحت ويمين ويسار دون أن تحدد ما تقيس عليه، لا بد أن توجد قيمة مطلقة تنسب إليها كل الأشياء.. هذه القيمة هي الكنز الوحيد في وجودنا إن فقدناه ضعنا.. خسرنا الدنيا والآخرة.. لا تستطيع أيضا أن تقول إن الله موجود وأنك تؤمن به ثم تحكم بعزله عن تدبير شئون العالم لأنك بهذا يا أحمق تعزل نفسك وتضيع.. تفقد الدليل الوحيد الذي يمكن أن يهديك.. ليس هناك نصف إيمان ولا يصح إيمان لم يسلم لله أمره.. يا مسكين.. إن ما تظنه تقدما وتحضرا ليس سوي الجهل والغباء والتخلف.. إنك بهذا تشبه طفلا غبيا يمد يديه كي يمسك الشمس بأصابعه.. وهو رغم فشله في كل مرة لا يكف أبدا عن المحاولة دون أن يفكر أن المحاولات كلها خطأ وجنون..
هل تعرف متي كشفت العلوم الحديثة الاتساع الهائل للكون؟ لم يتم ذلك سوي منذ بضع عشرات من السنين بعد اكتشاف نظريات النسبية والكم ثم نظرية انعدام اليقين، في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم كان الكون مقتصرا علي بعض القارات القديمة والسماء والشمس والقمر والنجوم.. اكتشفوا بعد مئات السنين المجموعة الشمسية ثم اكتشفوا أن المجموعة الشمسية مجرد مجموعة هزيلة تتبع نجما متوسطا هو الشمس وأنها تحتل مكانا هزيلا في مجرة درب التبانة وأن مجرة درب التبانة تحتوي علي ألف مليون شمس وأنه يوجد في الكون المرصود ألف مليون مجرة كدرب التبانة وأكبر وأن الكون منذ خمسة عشر مليار عام يتمدد بسرعة الضوء وأننا لا نعرف ما يوجد خلف الكون المرصود.. وقد تكون هناك أكوان عديدة مثله أو أكبر منه.
هل تريد حديثا نبويا ينبئك بكل هذا؟!
'... وما السّموات السبع في الكرسي إلاّ كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش علي الكرسي كفضل تلك الفلاة علي تلك الحلقة' [رواه النسائي وذكر الشّيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصّحيحة رقم: 109 وجملة القول إنّ الحديث بهذه الطرق صحيح]
هل يعجز مدبر كل هذا يا إنسان عن تدبير أمرك؟..
أي حماقة؟. أي جهل؟. أي جنون؟..
هل أدركت الآن متي فقدنا الكنز ومتي أخذنا الوباء؟..
منذ تلك اللحظات التي تجرأ فيها الحمقي وتخلوا عن تقديس الله ثم منحوا هذه القداسة لكسري وقيصر وماركس ولينين وللحضارة الغربية أو الشرقية بل لأي حاكم يملك الحديد والقهر والسجن والنار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.