الحقيقة الغائبة عن الكثيرين منا هي أن القطاع السياحي في كافة بلدان العالم أصبح يمثل بعدا إجتماعيا هامة جنبا إلي جنب مع البعد الإقتصادي الكبير.وقد تعددت الفوائد الإجتماعية للقطاع السياحي حتي أصبحنا نعتقد أن السياحة بآثارها الحميدة علي البلدان تعد أعظم إبتكار توصل إليه البشر في القرن العشرين. الأهمية الإجتماعية للسياحة تندرج تحت بند القضاء علي الفقر و تثقيف الشعوب.ولطالما تحدث الفلاسفة وعلماء الإجتماع والإقتصاد عن كيفية محاربة الفقر و الجهل،وأتذكر أنني قابلت ذات يوم العالم الكبير الدكتور أحمد زويل و قال لي: إذا أردت أن تقضي علي الفقر والجهل فضع السياحة في مقدمة الحلول التي يجب أن تفكر بها.وأضاف لأن السياحة في جوهرها علم يتعلمه الناس ،و دخل مادي يحصلون عليه ، فيرتفع بذلك مستواهم الإجتماعي و الثقافي. والدليل العملي الملموس علي الأهمية الإجتماعية للقطاع السياحي تتمثل في إرتفاع مستوي الوعي لدي قطاع عريض من العاملين بالقطاع ، وتتمثل أيضا في تغيير نمط الحياة واللجوء إلي أنماط حياتية أكثر تواكبا مع طبيعة القطاع. ومما لا شك فيه أن العمل بالقطاع السياحي يرفع من المستوي الإجتماعي للأفراد والمجتمعات و يضيف أبعادا إنسانية إلي القطاع بأكمله لا يمكن إغفالها. فلو إهتمت المجتمعات بالقطاع السياحي ،ولو أدركت أهميته القصوي فسوف تنشيء الجامعات والمعاهد لتدريس هذا العلم ، وسوف تهتم بالبنية التحتية و ما يتعلق بها من مشروعات كبري كالمياه والصرف الصحي وطرق ومواصلات و المستشفيات و خلافه.. وهذه المشروعات لن تبني إلا بالأيدي العاملة، وبذلك تساعد السياحة بطريق غير مباشر في حل مشكلة البطالة ، وهذه من أهم النتائج التي يعتمد عليها القطاع السياحي. فلو إستطعنا القضاء علي البطالة فنحن بذلك نوجه ضربة قاضية للمتشددين وأصحاب الرؤي الظلامية الذين يستغلون الشباب من العاطلين و يبثون في عقولهم الكره و البغض للمجتمع. التحدي الأكبر الذي يواجهنا بل ويواجه كل الدول التي تسعي لتنمية القطاع السياحي لديها يتمثل في شيئين :الأول رفع وعي العاملين والمواطنين بأهمية الدور الذي يقوم به القطاع السياحي ، ورفع مستوي الخدمة المقدمة للعميل ،والأمر الثاني هو كيفية مخاطبة العميل في بلاده باللغة التي يفهمها و بالطريقة التي تناسب ثقافته وفكره و أهوائه. الاوربيون عامة شعوب جادة , تحترم وتقدس العمل ، و تسمع جيدا إلي كل جديد والسائح عندما يختار بلدا ما لقضاء عطلته بها يقوم هذا الإختيار علي عدة عوامل أهمها السعر المناسب و الجودة العالية.. الألمان يفضلون الخصوصية والهدوء و الإيطاليون يفضلون اللهو والمرح، والإنجليز يبحثون عن الشمس والدفء، و الروس لديهم صفات وعادات تختلف عن شعوب أوروبا الغربية. هل درسنا كيفية إرضاء تلك الأهواء المختلفة؟وهل دربنا أبنائنا من العاملين بالقطاع علي كيفية التعامل مع تلك الثقافات والإهتمامات المختلفة؟ التحدي الأكبر الذي يواجهنا يتمثل في القدرة علي خلق أنماط مختلفة للجذب السياحي , و القدرة علي إختراق العقل الاوروبي و إثارة رغبته في زيارة بلادنا،وهذا لن يتحقق إلا بمنظومة تسويقية محترفة، قادرة علي إستيعاب الجديد في فن التسويق الذي أصبح بلا أدني شك العامل الأهم في نجاح المنظومة السياحية. من المعلوم أن السياحة تعتبر الصناعة الأهم في خلق فرص العمل للملايين و تحفيز الإقتصاد للنمو ولو درسنا كيف إستطاعت فرنسا علي سبيل المثال تحقيق مليارات الدولارات من القطاع السياحي لأدركنا كيف تهتم الدول بهذه الصناعة الواعدة. إن لم يكن هناك أثر إيجابي لصناعة السياحة سوي توفير فرص العمل لملايين البشر ،فهذا وحده جدير بأن يجعلها الصناعة الأهم في عصرنا الحاضر.