لا تثريب علي الإخوان أن شكلوا حكومة، حقهم، وأغلبيتهم تمكنهم من ذلك، صحيح الورق (الإعلان الدستوري) لايقول هذا، ولكن الواقع يقول هذا وأكثر، الإخوان -قبلا- كانوا يعتمدون شرعية الواقع، الآن شرعيتهم واقعية ومن الصندوق. ليس سرًا أن الإخوان يشكلون وزارة بالفعل، ليست لليوم، لكن للغد، اليوم للجنزوري، يشيل القربة المخرومة، واللي يشيل قربة مخرومة، وإن غدًا لناظره قريب، وقريب جدا بعد الانتخابات الرئاسية، عندما تضع الأزمة أوزارها، ويصبح لنا رئيس، الإخوان يستعدون ليوم الحكم، يوم يحكمون مصر، يوم الخلافة التي بها يحلمون. ويتطرف بعض الإخوة بالقول، ولماذا الغد، نحن لها، اليوم قبل الغد، الآن، والآن يعني الآن، وخير البر عاجله، واطرق الحديد ساخنًا، وتمكن قبل أن ينتخب الرئيس، وينصب ويتمكن، فليذهب الجنزوري في أمان، كتر خيره، إنما الحكم للإخوان. ويخشي البعض منهم، لا حكومة اليوم، إنما هي مشاورات لازمة داخل التحالف، استعدادًا ليوم الوزارة، حتما سيحين، وحين يحين الحين، لابد أن نكون جاهزين وعلي وزارتنا متفقين، وعلي توزيعة حقائبها مجمعين . ويترفق نفر من الإخوة بالجنزوري علانية وعلي رءوس الأشهاد، ويعقدون معه الاجتماعات، ليدلهم علي خارطة الطريق، يخشون الطريق، طريق واعر، يحتاج إلي مرشد ودليل، والجنزوري خير دليل، دهقين، يعلم مالايعلمه الإخوان عن دولاب العمل، وحركة الاقتصاد والمدخلات والمخرجات، يعرف القرد مخبي ولاده فين، يعرف دبة النملة في دفاتر الحكومة هم محتاجون علم الرجل، وقدراته، يحتاجون خبراته لضبط الإيقاع، وتصويب الخطي لعبور الأزمة. ولكن مالا يحسب الأخوان حسابه، ولافكروا فيه، ولا خطر لهم علي قلب، ماذا لو فعلها الدكتور كمال الجنزوري وسبقهم ومايمكرون، وتخارج من الحكومة، وأراح واستراح، وترك الجمل بما حمل، لو فعلها ما لامه أحد، لماذا يبقي رهين المحبسين، العسكر والأخوان، البعض من الأخوة لا يعجبه العجب، نفر من الأخوان والتابعين يتهم الجنزوري وحكومته بالعجز، ويتطرف البعض منهم وينعت حكومته بالفشل، ويلقي بعجزه هو وجماعته علي رءوسها، ليس دفاعا عن الجنزوري وحكومته، ولكن إيش تعمل الماشطة، وياليتها تمكن من العمل بل هي مطاردة بشائعات، وائتلافات، وتسريبات وحكايات وضغوطات، لا أول لها من آخر، وضع غريب وضع الجنزوري فيه نفسه، وما أغناه وهو في نهاية العمر، يعيش كما يعيش المصريون في صمت، علي الجمر قابضين. ماذا تفعل حكومة من فوقها مجلس عسكري خطوته ثقيلة، ومن تحتها شباب ثوري طامح جامح فائر بالفتوة والثورة علي كل شيء وأي شيء، وعلي مقربة يقف صقور الإخوان طالبين الميراث، تركة المرحوم، حكومة، يريدونها ائتلافية، وما يريدون إلا أنفسهم والتابعين (في التحالف) والمؤتلفة قلوبهم. الجنزوري، رجل دولة، هم لا يريدونها دولة يريدونها خلافة، وخليفتهم مرشدهم، الجنزوري محشور بين طابقين فولاذيين، المجلس العسكري، والثوار، وينغز في جنبه الإخوان، وينغص حياته الاعتصامات الفئوية، الجنزوري لولا طويل البال، وطولة البال تبلغ الأمل، وأمل الجنزوري ومناه أن يخرج من تلك الحكومة علي قدميه، سالما معافي من الاتهامات، والشائعات، وبتقدير مقبول، القبول الشعبي غاية المني. غير مقبولة استقالته الآن، لا من المجلس العسكري الحاكم، ولا من جماعة الإخوان، وإن طالبه بها الثوار الآن، الجنزوري أوجدته العناية الإلهية ليمنع النهاية الكارثية، حكومة الجنزوري ضرورة لابد منها، ورغم العيوب والمسالب وتقدم قائدها المحنك في السن، مما أورثها الحذر والحيطة، فإن حكومة الجنزوري تحمل أثقالا تكسر الظهور، استحقاقات تتطلب سنوات مطلوب إنجازها في أسابيع، لن تنقضي أسابيع إلا وسيكون الجنزوري مطالبا بكشف حساب، وحساب عسير. تخارج الجنزوري طوعًا أو كرهًا تعني أزمة لايعلم مداها إلا الله، يمكن للجنزوري الاستقالة والعودة إلي بيته سالما غانما الستر، لكن استقالة الجنزوري لاقدر الله الآن تدخلنا مدخلا ضيقًا، تدفع بنا إلي متاهة، تثبيت الوزارة، وتجليس البرلمان، ضرورة لإنجاز انتخاب الرئيس، لابد من تثبيت الدعائم، الجنزوري الأنسب لتلك المرحلة، رجل عقله في رأسه عارف خلاصه، يداه تخطان القرارات بثبات خبير، التوافق الذي يبديه الجنزوري مابين المجلس العسكري والبرلمان نادر المثال. لاجدال، هناك ملاحظات وانتقادات ما يخص الأمن منها كثير، وهي نقطة ضعف حكومة الجنزوري، مثلما كانت نقطة ضعف حكومة شرف، شرف كان في حاجة إلي جنرال شاب في الداخلية، حازم، قوي الشكيمة، يحتاج إلي مايسمي معلم الشرطة الناشفة، كما كان الفريق فوزي معلم العسكرية الناشفة، كان اللواء عيسوي طيب القلب، ولكن اللواء محمد إبراهيم يبدو قادراً علي إنجاز المهمة في تلك الملمة، ليته توفر لشرف لأنقذ حكومته قبل السقوط الأمني المذهل. ليس بيد الجنزوري، ولكن بيد الشعب، الإنتاج قضية أخري ونقطة ضعف خطيرة، الاعتصامات والإضرابات والتفلتات والتجاوزات صارت تؤرق الشعب، تدهور الإنتاجية مشكلة، تدني معدلات الإنتاج والتصدير مشكلة، تصفير العداد ليس حلا، الاقتصاد بعافية تلك هي المشكلة التي تؤرق الجنزوري، من يتحمل وزر استقالة الجنزوري، هل يتحملها الإخوان الذين يناورون بوزارة ائتلافية، وكأنهم يخرجون للجنزوري اللسان، أو يهددونه، ويلومونه أن قبل الوزارة في أحلك أيامها، الجنزوري لو استقال، استقالة يعقبها الندم، استقالة تعني فوضي، تعطل المراكب السائرة، ستعود بنا إلي الخلف، إلي حيث لا نحب ولا نرضي، إلي المجهول.