ولو فعلها الدكتور عصام شرف وقدم استقالته ما لامه أحد، نفر من الثوار صار لا يعجبهم شرف ويتعجب من شرف!! نفر من الثوار يتساءلون في جنون: شرف قاعد ليه، ماسك في الكرسي ليه؟ أليس مكانه الميدان؟ ومن كان منبته الميدان فالميدان أولي به.. نفر يلقي بفشل الحكومة من فوق لتحت علي رأس شرف وحده دون غيره، أليست حكومته هي حكومة مصر؟ أليست هي حكومة الثورة؟ لماذا لا تثور حكومة الثورة علي عجزها وهوانها علي الناس وتقدم استقالتها في الميدان وتبرح مكانها وتخلي الطريق سالكة لمن يتطوع، ومن تطوع خيرًا، فهو خير له، والمتطوعون كثر. ليس دفاعًا عن شرف وحكومته، شرف أولي بلحم طوره، أولي بحكومته، إيش تعمل الماشطة وحكومة شرف لا تدافع بشرف عن شرفها، تصمت الصمت غير الجميل، تتأفف، تتألم، بعضهم فكر بدلا من المرة ألفاً في الاستقالة، حياؤه السياسي يمنعه، بعضهم يعد الأيام والليالي، الوزارة مذلة بالليل ومهانة بالنهار، حجزوا وزير العدل المستشار الجندي في سيارته، "كادوا يطلعوا روحه"، لم تشفع له توسلاته ولا رجواته، وكونه في عمر الوالد أو الجد. حقًا شرف مظلوم، ولكن ما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، برب السماء وفاطرها، ماذا تفعل حكومة نصفها فوق السن!! خرجوا علي المعاش من سنين طويلة، كانوا يستعدون للآخرة بالطيبات من الأعمال، ويحرصون علي تعاطي الدواء في مواعيد ثابتة، ولا يأكلون سوي المسلوق والمهروس والسوتيه، ويمشون بحقن الأنسولين والضغط، يذكرونك بالخادم العجوز المتهالك الذي استخدمه صلاح ذو الفقار ليخدم زوجته الجميلة نيللي في فيلم "صباح الخير زوجتي العزيزة" جاء به الزوج ليخدم زوجته ويُمكنّها من الذهاب إلي عملها دون أن يثقل كاهلها بأعباء البيت وإذا بالحال ينقلب رأسا علي عقب فقد جاء " نقبهم علي شونة " وطلع الخادم رجلا مريضا متهالكا فسهر صلاح وزوجته لتطبيبه ليلا وتدليكه نهارًا، وظل طوال الفيلم (أقصد الوزارة) يتأوه وصوته يتحشرج من الكحة : آآآه يا رجلي آآآه يا مفاصلي، ومن الفيلم للوزارة يا قلب لا تعجب فمفاصل نفر من وزراء الحكومة بتوجعها، إنهم يَجُرّون أرجلهم جرًا في محاولة لاهثة يائسة بائسة للحاق بقطار شباب الثورة الذي ينهب الأرض نهبًا إلي السماء. لك الأمر يا الله، ماذا تفعل حكومة نصفها الآخر مشكوك في نظافته ثوريًا حيث ينتمون إلي عصر بائد بائر تلاحقهم الشبهات الثورية وتمسك بتلابيبهم الأيام الخوالي، والثوار هم هم لا يتغيرون.. ينادون بخلعهم في التحرير، يُعلِّقون صورهم باعتبارهم خونة باعوا الوطن للديكتاتور، لابد من التطهير حتي لو هتف هؤلاء الوزراء للثوار قائلين لهم: ألم نكن معكم في أيام الثورة الأولي؟ ولكن الثوار يردون عليهم: بلي ولكنكم فتنتم أنفسكم وارتبتم وغركم بالثورة الغرور... يتهكم الثوار علي حكومة شرف ويصفونها بحكومة الفلول، وما بين وزراء من المتوجعين المتوعكين مرتعشي الأيدي كفت أيديهم عن التوقيعات والقرارات والإداريات والمشروعات ، ونائب رئيس وزراء مشلوح ، وبين متهتهين ومخلوعين يزق صاحبنا شرف عربة" أوستن " لا تدور إلا بالزق، وشرف تعب من الزق، تكاد تتفسخ قدماه وتتمزق ضلوعه بين هؤلاء وهؤلاء. والحق يقال : ماذا تفعل حكومة نظيفة وليس نظيف بطبيعة الحال في مواجهة بيروقراطية متوحشة متحكمة تجهل معني الثورة .. هناك دولة أخري في مصر لم تطلها الثورة، هناك جهاز يدير أكبر دولة مركزية عرفها التاريخ، دولتنا البيروقراطية، هي ما تبقي من عصر الديناصورات، هربت من الصاعقة واختبأت في دغل علي شاطئ النيل،هي دولة تُفسد اللبن الطازج في الصباح الباكر، تتركه يتخمر يتعفن، لا ينفع زبدة ولا جبنة، دولة تُفسد حكومة، تُفسد ثورة، كما أفسدت نظامًا بأكمله سقط في 18 يومًا، ولم تسقط دولة البيروقراطية منذ فجر التاريخ. ماذا تفعل حكومة من فوقها مجلس عسكري خطواته مرتبة ومبرمجة ومجدولة، خطوته ثقيلة، يضع ثقته في الحكومة، ولكنه لا يعطيها ما يؤهلها لتلك الثقة، مثل حنان الوز حنية بلا.....، ومن تحتها - أي الحكومة - شباب ثوري طامح جامح فائر بالفتوة والثورة علي كل شيء وأي شيء، لا يرتضي بغير التحرير بديلا ، الحكومة محشورة بين طبقتين من فولاذ كلتاهما تضغط وتضغط حتي طلعت روح الحكومة، واضطر الدكتور شرف ذات مرة عندما زاد الضغط عليه من أعلي ومن أسفل أن يتخارج من الحالة تلويحًا بالاستقالة، ليته استقال لأراح واستراح، الصراحة راحة. ولكن ليس كل ما يتمناه شرف يدركه فاستقالته غير مقبولة من المجلس العسكري.. الميدان الذي جاء به يتنكر له ويطلب استقالته، نعم هناك نفر من الثوار يعون خطورة استقالته فشرف وجِد ليمنع الصدام الذي يسعي إليه البعض حثيثا، ويحرض عليه البعض من الداخل والخارج، بيانات ورسائل المجلس العسكري الأخيرة تشي بذلك وأكثر، شرف مثل غضروف الركبة يمنع الاحتكاك، رقة شرف تمنع الاحتكاك بين الجيش والثوار. حكومة شرف ضرورة لابد منها، ورغم عيوب التشكيلة ومثالب الممارسة، ورخاوة القرارات، وتلكؤ المحاكمات، وتقدم بعض عناصرها المؤثرة في السن مما أورثها الحذر والحيطة، بعض الوزراء بينهج من ثقل المسئوليات، حكومة شرف تحمل أثقالا تكسر الظهور السليمة فما بالك بظهورٍ انحنت للزمان من زمان. استقالة شرف تعني أزمة لا يعلم مداها إلا الله، يمكن لشرف الاستقالة والنزول إلي الميدان ثائرًا وإن تقدم به السن، والثورة لها أحكام، ليس كل الثوار شبابا، لكن الشباب أشدهم عزمًا، لكن نضال شرف الحقيقي في مكانه في رئاسة الوزراء، هناك مليون ثائر في التحرير، ولكن هناك شرفًا واحدًا في مجلس الوزراء، شرف يجتهد بما تيسر له، ويثابر ويقاوم، ورغم ذلك فحكومة شرف علي شفا حفرة. استقالة شرف لا قدر الله تنتهي بنا إلي متاهة، شرف الأنسب لتلك المرحلة، رجل عقله في مجلس الوزراء وقلبه في الميدان، يداه تخطان القرارات وأذناه تلتقطان صوت الميدان، عقل وقلب شرف في حالة تفاعل مستمر، التوافق الذي يبديه شرف مابين المجلس والميدان نادر المثال، لا جدال، هناك ملاحظات وانتقادات ما يخص الأمن منها كثير، وهي نقطة ضعف حكومة شرف، يحتاج شرف لجنرال شاب، حازم عادل قوي الشكيمة واللواء عيسوي طيب القلب. ليس بيده ولكن بيد الشعب، الإنتاج قضية أخري ونقطة ضعف خطيرة، الاعتصامات والإضرابات والتفلتات والتجاوزات صارت تؤرق الشعب، تدهور الإنتاجية مشكلة، تدني معدلات الإنتاج والتصدير مشكلة، تصفير العداد ليس حلا، الاقتصاد بعافية تلك هي المشكلة التي تؤرق شرف ... الرجل لا ينام الليل. من يتحمل وزر استقالة شرف لو استقال، لن ينفع الندم، ولن نعض البنان حسرة علي رجل شريف، استقالة يعقبها الندم، استقالة تعني فوضي.