تكريم الطلاب الفائزين في مسابقة القرآن الكريم بجامعة قناة السويس    رئيس جامعة بني سويف يرأس اجتماع مديري الكليات    تاجر أسماك: تجار الجملة والقطاعي اضطروا لتخفيض الأسعار بسبب المقاطعة    شركة إير فرانس-كيه ال ام للطيران تتكبد خسائر خلال الربع الأول    بعد تراجع الأوفر برايس .. سعر شيري تيجو 8 العائلية 2024 الجديدة    «المالية»: مشروع رأس الحكمة يؤكد قدرة مصر على جذب التدفقات الاستثمارية    محافظ القاهرة يوجه بتكثيف أعمال الرقابة على الأسواق والمخابز    مع دخولها الأسبوع الثاني.. ماذا تريد الاحتجاجات الطلابية في أمريكا من إسرائيل؟    الفلسطينيون في قطاع غزة يعانون مأساة جديدة جراء ارتفاع درجات الحرارة.. تفاصيل    عضو ب«الشيوخ»: اقتحام الاحتلال الإسرائيلي لرفح الفلسطينية أمر لن تقبله مصر    بالأرقام.. حجم التبادل التجاري والاستثماري بين مصر والكويت تزامنا مع زيارة الأمير للقاهرة    واشنطن: لا نؤيد تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بشأن ممارسات إسرائيل في غزة    حسين لبيب يكشف مفاجأة عن هدفي الزمالك الثاني والثالث ضد دريمز    «الأرصاد» تحذر من رياح نشطة ومثيرة للرمال على الطرق السريعة والصحراوية    «بيطري المنوفية»: ضبط 8 أطنان لحوم ودواجن وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي    «الداخلية» تنفي مزاعم الإخوان حول انتهاكات في سجن القناطر: مغلق ولا يوجد به نزلاء    18 مليون جنيه حصيلة الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    هل وجود سيدنا موسى في مصر حقيقة أم جدل؟.. "الافتاء" ترد علي زاهي حواس    الموضوع وصل القضاء.. محمد أبو بكر يرد على ميار الببلاوي: "أنا مش تيس"    أسهل طريقة لتحضير كيكة البسكويت الباردة.. «جهزيها من غير دقيق وبيض»    أسترازينيكا: لقاح كورونا يسبب أثارا جانبية مميتة| فما مصير من تلقي اللقاح؟    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 30 أبريل 2024    موعد مباراة الزمالك القادمة ضد البنك الأهلى فى الدورى والقناة الناقلة    مواعيد مباريات الثلاثاء 30 إبريل - ريال مدريد ضد بايرن.. وكلاسيكو السعودية    وزير الإسكان: نعمل على الاستثمار في العامل البشري والكوادر الشبابية    الزراعة: زيادة إنتاجية فدان القمح إلى 26 أردبا بالأقصر .. تفاصيل    اليوم.. آخر موعد لتلقي طلبات الاشتراك في مشروع العلاج بنقابة المحامين    افتتاح المعرض السنوي لطلاب مدارس التعليم الفني بالقاهرة تحت شعار "ابدع واصنع"    قرار قضائي عاجل ضد المتهم المتسبب في وفاة تسنيم بسطاوي طبيبة التجمع    مؤسسة ساويرس تقدم منحة مجانية لتدريب بحارة اليخوت في دمياط    "صدى البلد" يحاور وزير العمل.. 8 مفاجآت قوية بشأن الأجور وأصول اتحاد عمال مصر وقانون العمل    سفير فنلندا في زيارة لمكتبة الإسكندرية    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    بروتوكول تعاون بين كلية الصيدلة وهيئة الدواء المصرية في مجالات خدمة المجتمع    البنتاجون يكشف عن تكلفة بناء الرصيف المؤقت قبالة ساحل غزة    "أسترازينيكا" تعترف: آثار جانبية قد تكون مميتة للقاح فيروس كورونا    حسام موافي في ضيافة "مساء dmc" الليلة على قناة dmc    ألقوه من فوق مبنى.. استشهاد فلسطيني على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية    اليوم.. استئناف فتاة على حكم رفض إثبات نسب طفلها للاعب كرة شهير    اليوم.. الحُكم على 5 مُتهمين بإزهاق روح سائق في الطريق العام    إمام: شعبية الأهلي والزمالك متساوية..ومحمد صلاح أسطورة مصر الوحيدة    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    ظهور خاص لزوجة خالد عليش والأخير يعلق: اللهم ارزقني الذرية الصالحة    هل أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء؟.. دار الإفتاء تجيب    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    شقيقة الأسير باسم خندقجي: لا يوجد أى تواصل مع أخى ولم يعلم بفوزه بالبوكر    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    حشيش وشابو.. السجن 10 سنوات لعامل بتهمة الاتجار بالمواد المخدرة في سوهاج    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الله يفتح عليك يا شيخ
نشر في الأخبار يوم 29 - 12 - 2011

ويتبوأ المقرئ الضرير مقعده من الصوان الفاخر، ويقرب عامل الإذاعة الداخلية الميكرفون من فمه الكبير، مثل فم الجمل يلوك شيئا بما بين أشداقه، تبين حواف أسنانه غليظة بها من آثار (الزفر) الذي نهشه قبل القراءة، رحمة ونور علي المرحوم، واحتسي الشاي المر بالسكر مذابًا في قعره، ثم تمطي واتخذ موقعه عاليا فوق الرءوس لتشرئب إليه الأعناق.
وتنحنح، وتنخم، وشد أحبال صوته جيدا ، وهز رأسه كالبندول ذات اليمين وذات الشمال، وبسمل وحوقل واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وانطلق كجرار قطار السكة الحديد لا يلوي علي شيء، انطلق مترنمًا، منغمًا، مهتزا، متفاعلا، متماهيًا، مع كل حرف وكل غُنة، وكل مد متصل أو منفصل، وتوقف مليا عند كل سكون، وقلقل عند حروف القلقلة التي تُشكل كلمة " قطب جد" .
سورة ( مريم ) تشكل عادة الربع الافتتاحي في العزاء، كما تشكل سورة ( الفجر ) الربع الختامي، وبينهما بين سورتي مريم ويوسف تتالي الأرباع، نحن نقص عليك أحسن القصص، كل معزين (بربعهم) فرحون مستبشرون يسمعون آيات من الذكر الحكيم، وهم علي الأرائك منصتون، "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " فإذا كَبّر شيخنا الضرير فيكبرون، ويند عن أحد جذبته التلاوة واستبد به الوجد كلمة ينطقها من أحشائه : صلوا علي الحبيب، يا نور النبي، عليه أفضل الصلاة والتسليمات، ويرد آخر الله يفتح عليك يا حليفي والحليفي اسمه، اسم الشيخ الضرير فيطرب الذي هو يجلس مربعا ساقيه فوق الأريكة، فاركا إصبعه الكبير، يهز أصابع يمناه الغليظة هزًا عنيفًا إعجابا بالفتح الذي حمله الدعاء، ويرقع مخا (أي صوتا) عاليا مقلدا لمدرسة الشيخ مصطفي إسماعيل قارئا بالمقامات حيث يبدأ بمقام النهاوند: "قال إني عبد الله" وفي الأخيرة تفخيم وتنغيم عظيم، وتدوي الله، الله في صدي صوت مزلزل للحضور.
شيخنا يقرأ متمليا، متأملا في سورة مريم، يتلذذ بآياتها آية آية (98 آية)، وبكلماتها كلمة كلمة (972 كلمة) وبحروفها حرفا حرفا (3835 حرفا).. وجاءها المخاض، ويتمثل الشيخ الجليل آلام الولادة، يكاد يضع فوق الأريكة، "فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَي جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا" ويهز الشيخ بيده الأريكة قبل أن يصل إلي قول الحق "وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا " ويتشدق الضرير، يتذوق رطبًا جنيًا، ويذهب مع مريم إلي أهلها لا يفارقها، إلي آل عمران، ويحدثهم من كان في المهد صبيا "قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا، ذَلِكَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ".
ويتبختر شيخنا، ويستعرض طبقات صوته، ويجلي أحبابه الصوتية، ويلقي بفصل الخطاب، "ذَلِكَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ"، ويكرر ويعيد ويزيد، وفي كل هنيهة يلهب الشيخ الضرير خيالنا، ونتناوم نعاسا من اللذة، يختطفنا خطفا بقول الحق سبحانه في سورة مريم "قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ"، تخرج منه الحروف ( الله ) مفخمة، مهابة، قوية، فارقة، قاطعة، يغادر النعاس جفوننا يهرب من ذكر الله، تطمئن القلوب، "ألا بذكرِ اللّه تطمئنُّ القلوب"، "وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ"، يعاودنا النشاط، ونتتبع خطي مريم البتول، ونتوجس خيفة عليها، ونتوحد مع عيسي عليه السلام، ونحفظ عن ظهر قلب الحروف في معانيها، ونردد وراء الشيخ الضرير، الحرف مغني، الحرف مجود.
يقر في الصدور حبا لعيسي عليه السلام، وتقديرا للبتول، ليس غريبا أن نتقبل من إخوتنا المسيحيين الحلف بالعذراء ينطقونها، والعدرا الشريفة، ونصدقهم ونبرهم في حلفانهم، لكم أحببت العذراء مريم، ولكم حلمت بطيفها الجميل، كنت أراها في طيات كرانيش سقف الكنيسة التي تحتضن المدرسة الابتدائية تتجلي بأشكال وتشكيلات وتنويعات زخرفية تخلب اللب، وتغذي الخيال أشواقا إلي تلك الهالة النورانية التي تحمل علي ضعفها رضيعا يتكلم وهو في المهد لا يزال صبيا، لكني عشقت مريم أكثر من صوت الشيخ (الحليفي)، الذي كان يحب تلك السورة (المكية) حبا جما ويفضلها مفتتحا لقراءاته في العزاءات، وكأنه يعزي أهل الفقيد بقصة مريم، ويحتسب صبرها، وصبرهم، عند الله سبحانه وتعالي.
المسلمون من أهلي في مدينتي منوف الوادعة في قلب الدلتا، يحبون مريم الأم، ويزورون مولدها باتساع أديرتها المنتشرة علي أرض المحروسة، وربونا علي الحب، ومن فرط الحب كنا نسهر ليلة الميلاد حبا في الميلاد الذي حفظناه من الشيخ الحليفي، وعندما يحل الميلاد فلنهنئهم بالميلاد، تهاتفوا تحابوا، تزاوروا تحابوا، فإني مباه بكم الأمم، أغرقوهم بالتهاني الإلكترونية تتساقط علي موبايلاتهم كزخات المطر الرقيقة، تسعد ولا تبلل، يتقافزون منها فرحين بما آتاهم من أخوتهم المسلمين، ادفئوهم في صقيع الخوف الذي صار ملازما، وبرءوهم من القلق الذي بات مؤرقا، واشفوهم من الألم الذي لا يبارح الأفئدة، بادلوهم حبا بحب، اخترقوا غلالات الحزن الشفيف الذي يلون برماديته الكئيبة حيواتهم، اذهبوا عيدوا وباركوا عليهم، زوروهم في دورهم واطعموا طعامهم، واشربوا من شرابهم سائغا شرابه لذة للمحبين لأخوة الوطن والمصير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.