كانت جماعة الإخوان المسلمين في مقدمة المرحبين بزيارة رئيس وزراء تركيا أردوغان للقاهرة. وامتد هذا الترحيب خلال الزيارة، وفي حفلات الاستقبال، إلي أن تحدث رجب طيب أردوغان في حواره الشهير مع المتألقة مني الشاذلي قائلاً إن: [المصريين سيقيمون موضوع الديمقراطية بشكل جيد، وسوف يرون أن الدول العلمانية لا تعني »اللادينية«، وإنما تعني احترام كل الأديان وإعطاء كل فرد الحرية في ممارسة دينه]. بعد هذه التصريحات فاجأتنا »الجماعة« بسحب ترحيبها السابق بالزيارة، وأعلنت بلسان المتحدث باسمها: د. محمود غزلان رفضها لما قاله رجب طيب أردوغان للمصريين باعتباره تدخلاً في الشأن الداخلي المصري (..). التذكير بهذه الواقعة يأتي بمناسبة الحوار الطويل الذي أجرته »الأخبار« منذ أيام مع أبرز أحد أبرز قيادات الإخوان :الدكتور عصام العريان وأجاب فيه عن سؤال يتناول تخوف بعض الفئات من وصول الإخوان إلي سدة الحكم، قائلاً:أعتقد ان التخوف لا مبرر له فنحن ننادي بدولة مدنية وديمقراطية واعتقد اننا أول حزب بعد الثورة تبنينا وثيقة الأزهر. وأتصور أن ما قاله د. عصام العريان جاء مختلفاً عما قاله المتحدث باسم الجماعة في رفضه لتصريحات رئيس الحكومة التركية خلال زيارته للقاهرة. فالدكتور محمود غزلان أعلن باسم الجماعة رفضه لمفهوم الديمقراطية علي الطريقة التركية، متهماً إياه بالتدخل في الشأن الداخلي المصري، أما الدكتور عصام العريان فقد شدد نقلاً عن »الأخبار« علي الدعوة إلي دولة مدنية وديمقراطية. منبهاً إلي أن حزبه كان:»أول من تبني وثيقة الأزهر«. وإذا عدنا إلي تلك الوثيقة فسنجد أنها تنص علي تأكيد دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد علي دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة. ويحدد إطار الحكم، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها علي قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب؛ بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا في تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يعرف في الثقافات الأخري بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت علي الناس، وعانت منها البشرية في بعض مراحل التاريخ، بل تركت للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخري الاحتكام إلي شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية. كان هذا نص البند الأول في وثيقة الأزهر التي كان حزب الجماعة أول من شارك فيها ووقع عليها. وهو نص لا يتعارض مع تصريح رئيس الحكومة التركية رغم أن المتحدث باسم الجماعة د. غزلان سارع برفضه باعتباره تدخلاً أجنبياً في الشأن الداخلي المصري! كم كنت أتمني لو أن الدكتور عصام العريان أزال في حواره مع مندوبي »الأخبار« الغموض الذي يحيط بالموقف الواحد للجماعة من : مدنية الدولة، و الالتزام بوثيقة الأزهر. فلا يخفي علي الدكتور عصام هول الهجوم الذي تعرضت له تلك الوثيقة، حين قوبلت برفض شديد من قطاعات كبيرة من علماء الأزهر ودعاته ورموز التيار الإسلامي في مصر، الذين رأوا فيها: محاولة من التيار العلماني من أجل تفريغ الإسلام من مضمونه (..) أو بمعني آخر: »هل ما يزال حزب العدالة يتمسك بالدولة المدنية والديمقراطية كما حددتها وثيقة الأزهر، أم ينوي إعادة النظر فيها بعد الانتخابات حتي لا يثير غضب قطاعات كبيرة من العلماء والدعاة و رموز التيار الإسلامي؟!«.