أربعة عقود ونصف مرت علي انتصار اكتوبر المجيد.. رغم المحاولات المستميتة التي تقوم بها اسرائيل لإزالة مرارة الهزيمة من نفوس جنودها من جيل حرب الغفران، والجهود لتعزيز مشاعر البطولة لدي الأجيال الجديدة من مقاتليها والحفاظ علي تفوق عسكري من حيث مقتنياتها من احدث الأسلحة، إلا ان ندوباً غائرة مازالت ترتسم علي ملامح المجتمع الإسرائيلي والذهنية الجمعية فيه، في هذا الملف نستعرض أمراضاً مزمنة توطنت في نفوس الأسري، أحاديث الذكريات التي تنساب بلا انقطاع علي ألسنة أبناء جيل تلك الحرب، نصوصاً أدبية تعكس حالة الانكسار والاغتراب التي عاشها شبان تلك الأيام. محتويات الأرشيف السري لجيش الاحتلال الذي مازال يبوح بأسراره عن ليلة الحرب مع رصد لأهم خسائر العدو الصهيوني فيها. بعد مرور 45 عاما علي حرب أكتوبر 73، عاد الجنرال أمنون ريشيف، قائد فرقة المدرعات الوحيدة علي الخط الأمامي للجبهة الاسرائيلية إلي ما وصفه ب»جهنم سيناء»، مؤكداً أنه بعد ساعتين ونصف الساعة من بدء الحرب، عبر 23 ألفا و500 جندي مصري قناة السويس، ووصل العدد بعد 18 ساعة من القتال إلي 90 ألف جندي و850 دبابة. وفي حوار مطول مع صحيفة »يسرائيل هايوم» العبرية، اعترف الجنرال الاسرائيلي المتقاعد بالعديد من العوامل التي ساهمت في هزيمة إسرائيل خلال الحرب، وجاء في طليعتها علي حد قوله: الاستخفاف بإمكانيات المصريين، وغياب أية خطة للدفاع عن سيناء، حتي إن الفرقة المدرعة التي قادها حينئذ، كانت تتأهب للانسحاب من الخطوط الأمامية في الثامن من أكتوبر 73، ولولا اندلاع الحرب قبل هذا التوقيت ب 48 ساعة، لما تراجعت القيادة العسكرية عن قرارها. ومضي ريشيف في انتقاد الصفوف الأمامية للقيادة العسكرية الاسرائيلية في حينه، مشيراً إلي أن ما أسقطهم في »جهنم سيناء» هو حالة »النشوة» التي رفضوا الخلاص منها بعد حرب 67، فعزفوا عن التدريبات، وتحكمت فيهم خطيئة الكبرياء، فرغم أن الجنود أبلغوا قبل أيام قليلة من يوم الغفران عن تحركات غير عادية للجيش المصري، فضلاً عن تزايد قواته علي الضفة الغربية للقناة، وتلقت المستويات العسكرية الأعلي تقارير بذلك، إلا أنها لم تحرك ساكناً. لم تكترث إسرائيل، بحسب القائد المتقاعد، بالتغييرات التي طرأت علي ميزان القوي المصري - الاسرائيلي، وذلك علي صعيدين، أولاً: في نهاية حرب الاستنزاف، وتحديداً في صيف عام 1970، خرق المصريون اتفاق وقف إطلاق النار، ونشروا حائط الدفاعات الجوية الصاروخية علي طول القناة، ففقد سلاح الجو الاسرائيلي السيطرة علي المجال الجوي في منطقة القناة. ثانياً: كانت إسرائيل تعي خطط الهجوم التي قد يلجأ لها المصريون، لكن الجيش الاسرائيلي لم يستوعب إمكانية خروجها إلي حيز التنفيذ، كما أنه لم يعد نفسه للتعامل معها علي الأقل. وتحدث الجنرال الإسرائيلي المتقاعد عن أسباب أخري لهزيمة جيشه أمام المصريين، مشيراً إلي أن أهمها يكمن في جهل الاسرائيليين بعقلية السادات، فلم تفطن القيادتان السياسية والعسكرية في تل أبيب إلي إعلان السادات أنه مستعد للتضحية بمليون شخص ثمناً للانتصار في الحرب، ولم تع إسرائيل تأكيده أمام جنرالاته الرغبة في عبور القناة، والوصول إلي عشرة كيلومترات في عمق الضفة الشرقية للقناة، ليدعم بذلك مفاوضاته المستقبلية لانسحاب إسرائيل التام من سيناء. وأضاف ريشيف: »كان لدي المصريين بالفعل خطط عسكرية لاسترداد سيناء، لكنهم تمتعوا بقدر كبير من الهدوء والحنكة». وفي رده علي سؤال حول موقعه خلال اندلاع الشرارة الأولي لحرب يوم الغفران، قال الجنرال المتقاعد: »أبلغونا في تمام الثانية عشرة والنصف بوضوح أننا في حالة حرب. قلت لسائق سيارتي: اليوم ستندلع الحرب. فأجاب: ما أجمل أن نموت فداء لأرضنا. فقلت له: أنت حمار. قل من الأفضل أن نعيش لصالح أرضنا. وفي تمام الواحدة و47 دقيقة ظهراً، سمعنا صافرة في شبكات الاتصال، ما يعني أن المقاتلات المصرية عبرت خط القناة. في المقابل وتمام الساعة الثانية و40 دقيقة، فتحت المدفعية المصرية النيران وحلقت فوق رؤوسنا ما يربو علي 200 مقاتلة وقاذفة مصرية، كأنما ضرب أرض سيناء زلزال عنيف».