قادتني الأحداث.. والظروف.. في ربيع عام 1975 أن يتم استضافتي في القناة التليفزيونية لهيئة الإذاعة والتليفزيون البريطانيةBBC في مناظرة علمية مع الجنرال الإسرائيلي آرييل شارون حول حرب أكتوبر 1973.. وقام بالتحكيم علي هذه المناظرة.. أساتذة من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن .. كنت في هذا العام طالب في كلية كمبرلي الملكية بانجلترا.. وهي كلية من أعرق.. وأقدم كليات القادة والأركان في العالم.. وكانت مصر قد أوقفت إرسال مبعوثيها لهذه الكلية منذ أزمة السويس عام 1956... وبعد عشرون عاماً .. كنت أول دارس مصري التحق بهذه الكلية.. لمدة عام كامل.. وكان الجنرال آرييل شارون أيضاً من خريجي هذه الكلية.. مع إسحاق رابين.. وبن اليعازر.. وتال.. وجونين.. وغيرهم من القادة العسكريين في إسرائيل. لقد استمرت المناظرة بيننا لمدة ساعة ونصف علي الهواء مباشرة.. تضمنت الساعة الأولي تسجيلات خارجية.. معي.. ومع الجنرال شارون. وعندما بدأت بشرح خطة العبور المصرية واقتحام خط بارليف.. ركزت تماما علي أن التخطيط للعملية الهجومية لاقتحام خط بارليف وعبور القناة.. كان تخطيطاً مصرياً.. خالصاً.. نابع عن الفكر العسكري المصري.. تم بعد خبرات طويلة .. في حرب الاستنزاف.. وتدريبات شاقة علي عمليات العبور في دلتا نهر النيل لمدة 5 سنوات كاملة من عمر حرب الاستنزاف بعد أن استكمل الجيش المصري معداته وأسلحته التي فقدها في حرب 1967.. لقد جاء السؤال سريعاً.. ومباغتاً من أساتذة معهد الدراسات الإستراتيجية.. علي الهواء مباشرة.. كيف كان التخطيط مصرياً.. والذي رأيناه.. أنكم التزمتم بتكتيكات وأساليب القتال في العقيدة السوفيتية عن أعماق المهام القتالية.. كالمهمة المباشرة.. والمهمة التالية..!! ولحسن الحظ.. عرضت محطةBBC صورة لميدان القتال اعتبرته انفراد في هذا الوقت.. حصلت عليه من الولاياتالمتحدةالأمريكية.. لذلك أشرت إلي الخط الذي وصلت إليه القوات المصرية شرق القناة في رأس الكوبري من فرق المشاة المصرية الخمس، وأوضحت لهم.. أن هذه الخطوط التي وصلت إليها قوات رأس الكوبري.. لم تكن مبنية علي أساس أعماق المهام كما في العقيدة السوفيتية.. وإنما تم التخطيط لها علي أساس مدي حماية خط حائط الصواريخ للدفاع الجوي غرب القناة.. فهناك بطاريات للصواريخ في الأمام وأخري في الخلف. سقوط بارليف وجاء تعليق أساتذة معهد الدراسات الإستراتيجية.. أن توقف القوات المصرية وتعزيز رؤوس الكباري.. تحت مظلة صواريخ الدفاع الجوي المصري.. حرم الإسرائيليين من تنفيذ خطتهم الدفاعية بأسلوب الدفاع المتحرك Mobile De fense من استدراج القوات المصرية إلي مناطق احتواء وقتل لتدميرها في العمق.. ولذلك جاء إعلان موشيه ديان.. وجولدا مائير يوم 9 أكتوبر 1973 بهزيمة إسرائيل.. اعترافاً كبيراً بتفوق التخطيط المصري في المرحلة الافتتاحية من الحرب.. علاوة علي الأداء المتميز لتنفيذ هذا التخطيط. لذلك اندفع شارون ليقول أنه لطالما عارض الجنرال بارليف.. وخطته للدفاع عن قناة السويس .. وبناء هذا الخط .. الذي وصفة شارون أنه مثل الجبن السويسري ذات الثقوب.. وأن إسرائيل دفعت الثمن باهظاً.. عندما لم تستمع لآرائه حول تنظيم الدفاعات في سيناء.. ونفذت خطة الجنرال بارليف.. رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك.. وقبل أن أنطلق بالرد، تولي أستاذ من معهد الدراسات الإستراتيجية التعليق قائلاً.. سيادة الجنرال.. أشبعتمونا فكراً.. وآراءً.. ونظريات.. بعد حرب 1967.. نظراً إلي خبراتكم وتطبيقكم هذه النظريات التي حققت النصر عام 1967.. والآن نسمع أن كل هذه المفاهيم والنظريات الإسرائيلية خاطئة.. أعتقد سيادة الجنرال شارون.. أن ما فعله المصريون كان رداً عملياً علي أن هذه النظريات.. لم تكن دقيقة.. أو صحيحة. ويبدو أن الجنرال شارون أعجبه هذا التحليل من معهد الدراسات الإستراتيجية الذي يدين الخطة الدفاعية الإسرائيلية شرق القناة.. حيث قرر استغلال ذلك كله لصالحه الشخصي.. ليقول.. أنه من ذلك المنطلق وبعد إعلان موشيه ديان ومائير.. هزيمة إسرائيل.. جاء هو المنقذ.. لينفذ "عملية الغزالة" ويبدأ في التفكير في ثغرة الدفرسوار. حتي هذا الموقف كانت الخطة المصرية حصلت علي تقدير 4 نقاط في المناظرة من لجنة التحكيم من معهد الدراسات الإستراتيجية.. بينما لم تحصل الخطة الإسرائيلية علي أية نقاط.. بعدها تابعت عرض تفاصيل كثيرة عن تخطيط العبور والتنظيم الرائع لجهود القوات المصرية.. وكيف تم تنفيذ خطة الخداع.. وتحقيق المفاجأة.. والتغلب علي الساتر الترابي.. الخ .. لذا حصلت الخطة المصرية علي نقطتين إضافيتين عن مرحلة إدارة القتال في رأس الكوبري حتي يوم 15 أكتوبر 1973.. ليصل عدد النقاط إلي 6 نقاط بينما لم تحصل الخطة الإسرائيلية علي أية نقاط.. وأكد معهد الدراسات الإستراتيجية علي أن الخطة الدفاعية الإسرائيلية.. المبنية علي خط بارليف كانت خطة ذات مفهوم دفاعي غير متزن.. وافتقدت عدم بناء الأنساق والخطوط الدفاعية المتتالية.. سواء بالاحتياطيات أو المواقع الدفاعية، وسمحت للقوات المصرية بكل سهولة أن تقتحم القناة.. وتنشئ رؤوس الكباري.. وأن هذه النقاط الحصينة في خط بارليف.. لم تؤدي أي دور دفاعي لها.. خاصة وأنه لم يكن هناك أي تعاون نيراني أو تكتيكي بين نقاط خط بارليف.. ولذلك عندما اقتحم المصريين القناة.. ثم عزل نقاط خط بارليف.. تهاوت هذه النقاط في ساعات.. أو استسلمت.. وشبه خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية IISS علي الهواء.. أن ما حدث من سقوط لخط بارليف.. هو بالضبط ما حدث من سقوط لخط ماجينو في الدفاعات الفرنسية في بداية الحرب العالمية الثانية.. وإن اختلف الأسلوب. بعد ذلك جاء استعراض مرحلة تطوير الهجوم المصري بالقوات المدرعة للوصول إلي خط المضايق في سيناء.. لتخفيف الضغط علي القوات السورية في جبهة الجولان.. ولقد فقدت الخطة المصرية في هذا العرض في المناظرة نقطتان.. وعلق أساتذة معهد الدراسات الإستراتيجية علي خطة التطوير المصرية.. بنفس التعليق الكلاسيكي الذي يدرس في كل المعاهد العسكرية في العالم لكل القادة.. لا تدع السياسي يجبرك علي القيام بعمل عسكري.. ما دمت غير قادر علي تنفيذه.. أو غير مقتنع به.. أو أنه خارج التخطيط المسبق للعمليات. وبدأنا في المرحلة الأخيرة من المناظرة.. التي اعتقد أن آرييل شارون.. دخل هذه المناظرة في التليفزيون البريطاني علي الهواء ليستعرض ما قام به في عملية الثغرة غرب القناة.. واستعرض شارون الانهيار الذي كانت عليه الجبهة الدفاعية الإسرائيلية في سيناء.. وهي التي دفعت موشيه ديان ليعلن هزيمة إسرائيل يوم 9 أكتوبر.. وبدأت إسرائيل في طلب إمدادات عاجلة من الأسلحة والمعدات من الولاياتالمتحدةالأمريكية.. التي بدأت في إرسال الإمدادات من خلال جسر جوي عاجل إلي إسرائيل.. وطلبت إسرائيل من الولاياتالمتحدة، طبقا لما ذكره شارون، أن تصل هذه الأسلحة والمعدات مباشرة إلي مطار العريش في سيناء.. لأن الجبهة في الجولان كانت قد تم الانتهاء منها.. أما الجبهة الإسرائيلية في سيناء فكانت منهارة تماماً. وأضاف شارون أنه طلب علي وجه التحديد الصواريخ المضادة للدبابات من الجيل الجديد من طراز TOW.. ذات الدقة العالية في تدمير الدبابات وهو تطويراً للجيل القديم "المالوتيكا" الروسي الذي كانت تستخدمه القوات المصرية.. وفعلاً وصل إلي العريش يوم 13 أول دفعة من المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات.. ولم تكن جديدة من المخازن ولكن تم سحبها من الوحدات المقاتلة الأمريكية العاملة في ألمانيا.. وجري تطقيمها بأفراد من جنود الاحتياط الذين تم استدعاءهم ضمن خطة الاستدعاء الإسرائيلية وأسند لقيادة هذه القوة.. إلي ملازم أول احتياط إسرائيلي اسمه "جوفي" أو ما أطلق عليه في المناظرة الملازم Joffy. وبدأ شارون في هذه المرحلة يشرح خطته لاختراق رأس الكوبري في الدفاعات المصرية للوصول إلي غرب القناة.. ليندفع إلي عمق الدفاعات المصرية.. مطبقاً نظرية ليدل هارت »الاقتراب غير المباشر« Indirect Approach .. وهي نفس النظرية التي كان يطبقها روميل في الصحراء الغربية.. وأيضاً طبقها الجيش الألماني في اختراق الدفاعات الفرنسية علي خط ماجينو في الحرب العالمية الثانية.. بتجنب الهجوم علي دفاعات خط ماجينو.. والاختراق من اتجاه وغابات الأردين في بلجيكا.. وبعدها انهارت الدفاعات الفرنسية تماماً. المزرعة الصينية وشرح شارون هذا الفكر وأنه بدأ التطبيق بمحاولة اختراق الجانب الأيمن للجيش الثاني.. والذي كانت تؤمنه الفرقة 16 مشاة.. وذكر أنه هاجم بشراسة لمدة 3 أيام هذه المواقع.. التي عرفت باسم »معركة المزرعة الصينية« وقاد هذا الهجوم الجنرال آدان.. والجنرال ماجن. ويقول شارون.. أنه استخدم كافة الوسائل والقوات.. والأساليب.. وأن نيران المدفعية الإسرائيلية ظلت تقصف هذه المواقع المصرية بلا توقف ليومين كاملين.. وتم الهجوم علي هذه القوات المصرية بالقوات المدرعة وبوحدات المظلات الإسرائيلية.. والتي هي أرقي الوحدات القتالية الإسرائيلية.. تدريباً وكفاءة.. وفشلت كل هذه الهجمات الإسرائيلية أمام صلابة الكتائب الأمامية للفرقة 16 في معركة المزرعة الصينية.. وإذا كان لنا من تعليق.. فإنه يجب الإشارة.. أن قائدي كتائب المشاة التي أوقفت هذا الهجوم لمدة 3 أيام كاملة كانا.. المقدم محمد حسين طنطاوي.. والمقدم أحمد إسماعيل عطية.. وأتذكر أنه في أحد زيارات الجنرال شارون بعد عدة سنوات لمصر في زيارة رسمية.. وعندما علم أن القائد المصري في معركة المزرعة الصينية كان المشير طنطاوي وزير الدفاع المصري، طلب شارون أن يلتقي ويقابل المشير طنطاوي.. ولكن إلي حد علمي فإن المشير طنطاوي اعتذر عن مقابلته.. ولم يقابله.. حتي أن شارون عندما علم بالرد الدبلوماسي لرفض المشير طنطاوي.. قال بالحرف الواحد "لقد كنت أريد أن أقابل قائداً شجاعاً.. قاتلني بشراسة". ويقول شارون أنه.. لم يركب طائرة الإخلاء.. إلا بعد أن تأكد أن قواته بدأت في التحرك نحو السويس.. وغيرت اتجاهاتها من الإسماعيلية إلي الجنوب. وبدأ سؤال خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية لي عن خطة القوات المصرية ضد عمليات شارون.. وأوضحت أن القيادة العامة المصرية أمرت بتحريك اللواء 25 مدرع من الجيش الثالث شرق القناة.. وكان هذا اللواء مسلح بالدبابة ت 72 التي كانت أحدث الدبابات في الجيش المصري هذا الوقت.. وكان هذا اللواء كاملاً بدون أي خسائر.. لأنه حتي ذلك الوقت لم يدخل أي معركة.. واندفع اللواء 25 مدرع وتقدم ببطء وحذر شديد.. من رأس كوبري الجيش الثالث في اتجاه الدفرسوار علي البر الشرقي.. ليقفل الثغرة بين الجيشين الثالث والثاني.. وقبل وصول اللواء 25 مدرع إلي رأس كوبري الجيش الثاني بنحو 20 كيلومتر، كان قد وصل إلي ميدان القتال قبلها بساعة واحدة الملازم "جوفي" ومعه كتيبة صواريخ "تو" الأمريكيةالجديدة.. التي كانت قد وصلت إلي العريش منذ ثلاث أيام وتم تدريب الأطقم الإسرائيلية عليها هناك. وخلال المناظرة.. تم سؤال هذا الضابط الإسرائيلي "جوفي" في مقابلة تمت معه في إسرائيل.. عما حدث.. قال لقد وصلت لمنطقة القناة، وشاهدت وأنا متحرك غبار حركة اللواء 25 المدرع المصري.. وأمرني قائد الجبهة بعمل ستارة مضادة للدبابات.. وقمت بإيقاف تقدم اللواء المدرع المصري نظراً لدقة الإصابة العالية لهذا النوع من الصواريخ الذي كان مفاجأة للمصريين. وجاء تعليق معهد الدراسات الإستراتيجية.. ليقول أن "هذه العملية" تستحق نقطتين فقط.. علي أساس تطبيق شارون لنظرية الاقتراب الغير مباشر.. كنظرية عسكرية علمية.. سليمة.. أما التطبيق فكان لا يتماشي مع أسس ومبادئ القتال.. وذكر الخبراء.. أن شارون.. لم يؤمن منطقة العبور بأي قوات.. وأن التنفيذ أشبه بعملية خاصة يطلق عليها إغارة بالقوة.. أو إغارة عسكرية.. يمكن أن تنفذها وحدات خاصة وليست عملية عسكرية رئيسية لها هدف هو الاستيلاء علي مدينة ذات أهمية إستراتيجية.. وأكد خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية أن قرار القيادة العامة المصرية بدفع اللواء 25 مدرع كان سليماً.. يستحق عليه نقطتان أيضاً.. ولكن دخول بطاريات الصواريخ تو.. غيرت من ميزان القتال.. وكان تعليق خبراء مركز الدراسات الإستراتيجية.. لو كان اللواء 25 مدرع قد نجح في معركته شرق القناة.. ولو كانت سرعة اللواء منذ خروجه من رأس كوبري الجيش الثالث أفضل.. لكان شارون.. وقواته قد تدميرهم أو أسرهم غرب القناة.. ولتغير الموقف العسكري.. والسياسي.. في الشرق الأوسط.. لعدة أعوام.. وقال خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية في لندن.. أننا لا نوصي لأي قائد أن ينفذ فكر ليدل هارت بهذه المغامرة الغير محسوبة والغير مؤمنة.. وأن شارون يجب أن يشكر الملازم جوفي وأمريكا علي صواريخ تو التي لولا تدخلهم لفشلت العملية بالكامل. واحتد شارون بشدة علي هذا التحليل من خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية وقال لهم.. أنا الذي حولت هزيمة إسرائيل المهينة إلي نصر علي ضفاف القناة.. أنا الذي رفعت العلم الإسرائيلي.. فوق أفريقيا.. أنا الذي جعلت المفاوض الإسرائيلي في مباحثات الكيلو 101 قادراً أن يكون نداً للمفاوض المصري، وبعد العار الذي جلبه ديان يوم 9 أكتوبر 1973. خسائر إسرائيل وكان السؤال الأهم من خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية.. جنرال شارون.. إن خسائر إسرائيل في معركة الدفرسوار فقط تساوي خسائر إسرائيل كلها في حرب 1956 و1967.. ولذلك فان من أطلق عليك الجنرال الدموي.. لم يكن مخطئاً.. وثار شارون.. وأضاف لقد أعدت لإسرائيل هيبتها التي فقدتها في هذه الحرب. ولكن ما يهمني هو السؤال الأخير في الحلقة وكان موجهاً للجنرال شارون قبل أن ينتهي وقت البرنامج.. سأله خبير معهد الدراسات الإستراتيجية.. الجنرال شارون. في رأيك.. ما هي مفاجأة حرب أكتوبر بالنسبة لك من المصريين.. هل هجومهم يوم عيد الغفران والحياة متوقفة في إسرائيل؟ هل هجومهم في منتصف النهار وهو أمر لم يكن متوقعا؟ هل قيامهم بغلق مضيق باب المندب في مفاجأة أذهلت إسرائيل؟ هل لأنهم نجحوا في التنسيق مع سوريا لشن الهجوم في توقيت مشترك؟ هل لأنهم هجموا بطول مواجهة القناة.. وهو أمر لم يكن في تخطيط..وحسابات وتوقعات الجانب الإسرائيلي؟ هل.. هل..؟ وذكر له عدة نقاط أخري ولكن شارون أجاب.. إن ذلك كله لم يكن مفاجأة لنا.. إن بعض ما ذكرته ربما كان خارج توقعاتنا.. وحساباتنا.. مثل إغلاق مضيق باب المندب.. لكن المفاجأة لي شخصياً في حرب 1973.. هي "الجندي المصري".. هذا الجندي المصري.. لم يكن الذي قابلته في حرب 1956 أو 1967 فالجندي المصري في الحروب السابقة كان لا يعرف القراءة والكتابة.. هذه المرة عندما كنت أستجوب الأسري المصريين بنفسي فرأيت لأول مرة خريجي كليات التجارة والهندسة والحقوق.. الخ. أيضاً الروح المعنوية لهذا الجندي هذه المرة كانت مختلفة تماماً.. وأضاف قائلاً.. أنه وهو متقدم بسرية الدبابات نحو الإسماعيلية.. بعشر دبابات.. وفجأة خرج من بين الأشجار 5 جنود من الكوماندوز المصريين "يقصد الصاعقة"" وقال أن خمس جنود.. ضد عشر دبابات الأمر واضح أنهم جميعاً قتلي.. وقال أن المفاجأة أنهم أصابوا خمس دبابات إسرائيلية.. وتم القضاء علي الكوماندوز المصريين.. ويقول شارون .. هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر.. الجندي المصري الجديد..المتعلم خريج الجامعات، هذا الجندي المسلح بروح معنوية عالية.. تعلم شراسة القتال ..لم يعد يرهبه جيش الدفاع الإسرائيلي كما كان من قبل.. لقد صنعت منه هزيمة 1967 إنساناً جديداً.. عكس توقعاتنا بعد 7691.. أننا قضينا علي الجيش المصري، وأصبح جثه هامدة غير قادر علي القتال مرة أخري. أضاف شارون.. أنه يجب علي المخطط الإسرائيلي في أي حرب قادمة مع مصر.. أن يضع في حساباته . نوعية هذا الجندي الجديد.. الذي لم نقابله من قبل.. وأنهي حديثه.. هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر لي شخصياً.. الجندي المصري الجديد. انتهت المناظرة بحصول القيادة المصرية علي 8 درجات وحصلت القيادة الإسرائيلية علي درجتين فقط.. مع توصيات عديدة جاءت معظمها سلبية في خطط وأداء جيش الدفاع الإسرائيلي.. سواء في الخطة الدفاعية لخط بارليف.. أو أداء معركة شارون غرب القناة.. بينما كانت الايجابيات للقيادة المصرية.. الذي أوصي معهد الدراسات الإستراتيجية.. أنه يجب أن تدرس المعاهد العسكرية والمراكز العلمية هذا الفكر المتطور والتخطيط المتميز للقيادة المصرية، والأداء الراقي للجندي المصري في هذه الحرب.. كما أكد معهد الدراسات الإستراتيجية علي إضافة عنصر جديد من عناصر مقارنة القوات وعناصر حسابات التوازن العسكري للدول، وهو إضافة العنصر البشري، وهو أمر لم يكن محسوباً من قبل.