حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤرخ إسرائيلى يروي قصة هزيمة «الجيش الذى لا يُقهر» فى أكتوبر
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 10 - 2013

• يوم 6 أكتوبر أصاب المؤسسة السياسية والأمنية كلها بالصدمة
• قائد لواء المدرعات الإسرائيلى على خط القناة: لم يكن لدينا استعداد نفسى للحرب .. فقد كنا مغرورين
مرت إسرائيل بمراحل عدة حتى يوم هزيمتها على يد الجيشين المصرى والسورى فى حرب أكتوبر 1973.
فى البدء كان «الحمَل اليهودى» الذى تتربص به «الذئاب العربية»، واحة الديمقراطية وسط عداء صحراء الديكتاتورية والاستبداد، رغم أنها بالديانة و«الأصل» شرقية، وبالقيم وبنظامها الديمقراطية غربية.
ثم جاء عدوان 1967، ليحول الحمل اليهودى إلى طاووس مغرور، يظن أنه «لا يقهر» وله «يد طويلة» تضرب أقوى جيوش الشرق الأوسط(فى إشارة للجيش المصرى).
هذا الغرور هو ما لازم الإسرائيليين قيادة وجيشا وشعبا بل ومثقفين، حتى أتته أيدى مصر وسوريا لتقبض الأنفاس، وتذل الرقاب وتحنى الجباه.
على الجبهة المصرية التى حشد لها الجيش الإسرائيلى أغلب قوته، حدثت الفواجع الكبرى، بعد الصدمة من الهجوم المصرى المباغت، ليتملك «الانهيار» و«الغباء» إسرائيل، فلم تقو على الرد إلا متأخرا، بعد أن عبر المصريون قناة السويس بعلمهم الخفاق الذى لن ينهار أبدا..
غلاف كتاب «الانهيار وعبره» باللغة العبرية
• جولدا مائير وموشى ديان لم يكونا سوى فاشلين لم يهتما سوى بتأمين وضعهما السياسى
• نعم الحرب لم تكن مفاجأة كانت لدينا معلومات عنها.. وسبق أن هدد المصريون والسوريون بها ومع ذلك ارتبكت القيادة الإسرائيلية منذ اللحظات الأولى
رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة «جولدا مائير»
فى هذه الأسطر يروى المؤرخ الإسرائيلى أورى مليشتاين، من أفواه القادة والضباط والجنود الإسرائيليين لحظات هزيمتهم المرة والباقية معهم للأبد.
لم يكن اندلاع الحرب ظهيرة السبت السادس من أكتوبر 1973 هو فقط ما أدهش القيادة العليا الإسرائيلية المنهارة من الداخل، ومعظم القادة الكبار فى الجيش الإسرائيلى الذين مالوا إلى الجناح الأيديولوجى أكثر من جناح الشجاعة والجانب الفكرى، لكن اندلاع الحرب أصابهم بالصدمة.
أدت هذه الصدمة إلى غياب الأداء تقريبا فور نشوب الحرب لدى كل سلسلة القيادة من رئيسة الحكومة وحتى قادة الفصائل فى الجيش، وإلى أدائهم السيئ حتى نهاية الحرب وبعدها أيضا.
كانت كارثة إسرائيل أن أولئك القادة لم يكونوا يعلمون أنهم أصيبوا بالصدمة، وهو أمر مسلم به عموما ناهيك عن ظروف الحرب الخاصة.
والمسلمة الأخرى أنه لم تكن توجد قيادة وطنية تضع القيادة العسكرية فى مكانها أو تسحب منها صلاحياتها، وتنقلها إلى قيادة وقادة آخرين كانوا سيقودون الجهاز العسكرى بشكل معقول على الأقل، ذلك أن الإدارة الحذرة للحرب لم تكن أمرا واقعيا حتى داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية اللاعقلانية.
الرئيس الراحل أنور السادات
• القوات المسلحة تسيطر على القنطرة بعد ساعة من الحرب .. ورجال المدرعات الإسرائيليون لا يعرفون إلى أين يذهبون؟
• الإسرائيليون رصدوا الحشد العسكرى المصرى مع فجر 6 أكتوبر
• الصدفة لعبت دورًا فى انتصار إسرائيل فى 1967
قادة فاشلون
هكذا تصرف تشرشل فى أصعب ساعات بريطانيا فى الحرب العالمية الثانية، وتدخل فى القيادة العسكرية، ولكن فى اللحظة الحاسمة اتضح أن جولدا مائير وطغمتها وخاصة موشيه ديان ويسرائيل جاليلى ويجئال ألون الذين تميزوا بسرقة ثمار حرب الأيام الستة عام 1967 لم يكونوا قادرين على قيادة الأمة فى الحرب.
لقد أسسوا تحالف الفاشلين واجتهدوا فى أن يخفوا عن الشعب الوقائع الحقيقية للحرب حتى عن لجنة أجرانات، كما يزعم اليوم إيلى زعيرا.
لقد كرست جولدا مائير ورفاقها كل الطاقة المتبقية لديهم فى تأمين وضعهم السياسى، وإسكات النقد الموجه لهم، تصرفوا مثل حيوان فى فخ متشابك لا يوجد له مخرج.
فى يوم السادس من أكتوبر لم تكن الصدمة صدمة زعيم أو صدمة هذا القائد أو ذاك، بل كانت صدمة المؤسسة السياسية الأمنية كلها.
فبدلا من القيام بالمهمة بشكل معقول فى مواجهة خطر خارجى خطير لم يكن ليفاجئ أحدا، وحتى بعد وصول المعلومات إلى صانعى القرار، ولأن المصريين والسوريين هددوا بشن الحرب، ورغم كل ذلك أصبحت المؤسسة السياسية الأمنية الإسرائيلية مؤسسة مرتبكة أغرقت نفسها داخل دواماتها.
الغرور يتسرب إلى قادة إسرائيل
أرادوا أن ينهوا الحرب بسرعة، وأن يكال لهم المديح والثناء، وأن يقدموا على طبق من فضة أكبر انتصار وطنى لإسرائيل، ذلك الانتصار الذى كان هدف جميع حروبها منذ حرب 1948: سلام مفروض على العرب، بينما تمتد حدود إسرائيل من آبار النفط فى أبو رديس فى سيناء وحتى مصادر المياه فى جبل الشيخ فى الجولان.
استمرت نشوة السكر يومين على الأقل حتى بعد ظهيرة يوم الاثنين الثامن من أكتوبر، ولا يمكن أن نرد هذه النشوة إلى الخيال المريض فحسب أو إلى التخلف العقلى لدى أناس مثل دافيد إليعازر وشموئيل جونين قائد المنطقة الجنوبية.
لقد آمنت جولدا مائير وجاليلى وألون وديان وإليعازر وكل من ارتبط بهم، وكانوا يمثلون معظم اليهود فى فلسطين، بأن الانتصار الدراماتيكى على العدو فى حرب الأيام الستة قد منحهم حق الاختيار فى هزيمة العدو فى ساحة المعركة فى الوقت الذى يشاءون.
عند اندلاع الحرب كان الكولونيل أمنون ريشيف يقود لواء مدرعات نظاميا كان منتشرا على طول خط قناة السويس، كان مصير دولة إسرائيل معلقا بأداء ريشيف.
دمر معظم اللواء وبعد الحرب طالب البعض بإبعاد ريشيف، بعد الحرب قال ريشيف لأفى عيزير جولان (الذى كتب السيرة الذاتية لأبراهام مندلر القائد المباشر لريشيف) «الحقيقة أننا حتى لو كنا أجرينا استعدادات فى الميدان، فلم يكن لدينا الاستعداد النفسى للحرب، لقد تسربت حالة من الغرور إلى وعينا. كنا نرى أن المصريين غير قادرين ولن يجرؤوا على عبور القناة، وحتى عندما اندلعت الحرب وفتحت المدفعية المصرية النيران لم يتسرب الاعتراف إلى وعينا. لم نصدق أنها حرب»
كتب جولان عن أداء فرقة سيناء «لم تكن الحرب مفاجئة للفرقة بل سبقتها إشارات إنذار استمرت لأسابيع، بعدها أعلنت حالة التأهب القصوى فى جميع أنحاء سيناء.. ورغم ذلك وعندما هاجم المصريون فى ظهيرة يوم الغفران، وعندما أغارت طائراتهم على مقار القيادة، وصبت مدافعهم وابلا من القصف العنيف على الحصون، وبدأت قوات المشاة تعبر القناة فى قوارب مطاطية، ورغم ذلك فإنهم فاجأوا القوات الإسرائيلية مفاجأة مذهلة.
الغباء وتبعاته
كان واضحا لإليعازر ومجموعته أن خطط «برج الحمام» و«رمل البحر» و«الطباشير» لرد الهجوم المصرى السورى سوف تحطم هجوم العدو مع خسائر مقبولة للقوات الإسرائيلية.
منذ اندلاع الحرب شغلت هذه المجموعة نفسها بالهجوم المضاد وفقا لخطط معدة سلفا. أما النتائج الفورية للغباء الذى أصاب قيادة الجيش الإسرائيلى وانتقلت عدواه إلى معظم الضباط فكان عدم الاهتمام وعدم الإدراك لما يحدث فى الجبهة، وعدم إعطاء ردود مناسبة للتطورات المتسارعة.
اختفى تكتيك الإدارة الصائبة للمعركة وفقا للظروف الحقيقية بين تكتيك العمل وفقا لخطط معدة سلفا وبين التكيف مع ما هو متاح. ولذلك لم يكن لتدريب الجيش الإسرائيلى على الدفاع والرد والهجوم المضاد فرصة للوصول إلى أهدافه، بل كانت مجرد مدح ذاتى، ومقالات منافقة حررها مؤرخون وأدباء وصحفيون مجندون، ونشرت بعد الحرب لأهداف موضوعة فى الحسبان.
قبل خمسة أيام من نشوب الحرب وفى الأول من أكتوبر فى الساعة الخامسة والربع فجرا كتب ميندلر فى يومياته «هذا رائع. 05.15. المخابرات. الحرب غدا. حدث التغيير».
أمر ميندلر قادة الوحدات فى فرقته بالبدء فورا فى العمل فى خطة «صفنيا» (العبور فى شمال قناة السويس) أمر بتركيب أجزاء الجسر الأسطوانية التى كانت موضوعة دون رقابة إدارية فى قاعدة يوقون.
القوات المصرية تفتح ثغرات في خط برليف - تصوير: عبد الوهاب السهيتي
غدًا عبور المصريين
فى الساعة الواحدة بعد منتصف ليل الخامس من أكتوبر وقبل أن يبزغ ضوء السادس من أكتوبر تم حل شفرة الصور الجوية التى التقطت فى ذلك اليوم من جبهة القناة، واتضح منها أن المصريين زادوا تعزيزاتهم بشكل كبير فى هذه الجبهة، وحشدوا هناك معدات للعبور بكميات ضخمة، نقل ميندلر طلبا لرئيس الاركان بأن يجعل تحت تصرفه فورا أدوات تنفيذ الخطة «صفنيا».
كتب أفراهام أدان فى كتابه «كان شموئيل جونين أول من تسرع باقتراح العبور. كان يعرف فى صبيحة يوم السادس من أكتوبر أن الحرب ستندلع فى ذلك اليوم، ولم يكن تحت يديه سوى الفرقة النظامية.
بعد اندلاع الحرب أعطى دافيد إليعازر رئيس الأركان تعليمات لشموئيل جونين بصد هجوم المصريين فى 6 و7 أكتوبر ثم عبور القناة وفقا لخطة «صفنيا». أمر جونين أفراهم ميندلر بالاستعداد للعبور فى الليلة بين السابع والثامن من أكتوبر.
فى مساء السادس من اكتوبر قال شارون لمرؤوسه وصديقه من الوحدة 101 الرائد احتياط زئيف عاميت، وللصحفى المقرب منه أورى دان: سنعبر القناة وندفعهم وننهى الحرب (من كتاب أورى دان: رأس الجسر).
لكن، حتى لو أراد الجيش الإسرائيلى عبور قناة السويس فى يوم السادس من أكتوبر، فلم تكن لديه الوسائل لذلك. استمر هذا الوضع حتى يوم 12 أكتوبر، وحتى فى الأيام التالية تعذر على الجيش الإسرائيلى العبور مثلما واجه صعوبات جمة فى عملية العبور التى بدأت بين يومى 15 و16 أكتوبر.
يروى العميد احتياط منشيه جور وهو مساعد ضابط الهندسة المسئول عن العبور «منح الجيش فى تخطيطه قبل الحرب أولوية قصوى لعبور قناة السويس من القطاع الشمالى، وحشد أدوات العبور فى قاعدة بالوظة، كما كانت هناك أدوات أخرى فى قاعدة طاسا. جرى جدال حول موقع ثالث مثل ممر الجدى أو ممر ميتلا. كان الجسر الأسطوانى جاهزا للنقل. حددنا مسارا مريحا من هناك حتى القناة، وهذا المسار يلائم الجسر الاسطوانى. وضعنا علامة لهذا المسار وأصلحناه. ولكن حتى نشوب الحرب لم نقم بأية محاولة.
«قبل نشوب الحرب بأسبوعين ضغط سلاح الهندسة على قائد المنطقة الجنوبية شموئيل جونين لكى يحدد موضعا لإنزال أجزاء الجسر الاسطوانى، لأن مصانع الإنتاج ضاقت ولم يعد هناك مكان لتخزين تلك الأجزاء لديها. أحضرنا أجزاء الجسر إلى قاعدة يوقون، وبدون هذه الأجزاء لم يكن من الممكن تنفيذ العبور. لم يكن جورديش قد قرر بعد مكان الجسر الجاهز للجر وعبور القناة من قاعدة طاسا أو من ميتلا، لأنه لم يكن قد حدد بعد أين سينفذ مكان العبور الثانى فى وسط قناة السويس أو فى جنوبها».
«قبل نشوب الحرب بيوم واحد وفى يوم الجمعة الخامس من أكتوبر أرسلت رئيس شعبة نظرية الحرب فى سلاح الهندسة موشيه إيدليشتاين إلى المحور الأوسط ليقوم بجولة بين محور يوقون ومتسماد.
الوضع الكارثى وإبادة فرق المدرعات
عاد وقال لى «المحور كارثى، لا يمكن جر الجسر الاسطوانى فى هذا المحور. المحور عبارة عن 24 كيلو مترا شديد الوعورة وبه كثير من الكثبان الرملية، وبسبب الأعياد قررنا أن نقوم بجولة أخرى إضافية واحدة فقط فى ال16 من أكتوبر بعد انتهاء فترة الأعياد لكى نصادق على المحور، ونقرر ما الذى يمكن عمله لتأهيله لجر الجسر».
«عندما اندلعت الحرب نقلنا المركبات البرمائية فورا من بحيرة طبرية إلى سيناء. كان لدينا فى قاعدة ريفيديم الجوية تسع من ناقلات المركبات البرمائية، ونقلنا إلى هناك بضعة جرارات وبدأنا فى تجهيز الجسر. عهد إلى نائب قائد كتيبة الهندسة آريه ساديه بالتوجه إلى قاعدة يوقون والإشراف على بناء الجسر الاسطوانى. فى اليوم الأول للحرب قصف المصريون قاعدة يوقون، فنقلنا من هناك فورا أجزاء الجسر حتى لا تصاب، ثم أعدناها إلى هناك، ولم يصبح الجسر الاسطوانى جاهزا إلا فى يوم الحادى عشر من أكتوبر أى بعد نشوب الحرب بستة أيام».
أما السرايا التابعة للواء 14 الذى يقوده أمنون ريشيف والتى تدربت على جر الجسر كانت تحارب فى هضبة الجولان، فتم تدريب سريتين أخريين من الكتيبة 14 على سحب الجسر، لكنهما أبيدتا فى اليوم الأول للحرب.
• حاول الإسرائيليون تنفيذ عبور استباقى لكنه لم ينجح
• فرق تنفيذ العبور أبادها الهجوم المصرى منذ اللحظات الأولى
• أولى المشاهدات الإسرائيلية: الجندى المصرى صار أكثر انضباطًا من الإسرائيلى رئيس الأركان الإسرائيلى لحكومته مساء يوم الغفران: كل شىء على ما يرام
رئيس الأركان المهزوم: الأمور تسير على ما يرام
فى مساء يوم الغفران تلا رئيس الاركان دافيد إليعازر على مسامع أعضاء الحكومة تقديره للساعات الثمانى الأولى فى الحرب: « يمكننى القول إن الأمور تسير على مايرام. وبكلمة واحدة معقولة.... آمل أن نتمكن من تحويل هذه الحرب إلى انتصار، لكننا نحتاج بالتأكيد إلى بضعة أيام أخرى لكى نحقق ذلك».
بعد جلسة الحكومة أرسل الوزير يسرائيل جاليلى برقية إلى وزير الخارجية أبا إيفين فى واشنطن: «خلال بضعة أيام سنستأصل شأفة المصريين من الضفة الغربية للقناة، ورغم النجاحات الطفيفة التى حققها المصريون فإن الوضع يبعث على الارتياح. «لكن موشيه ديان كان أكثر تشاؤما، وفى الساعة 00.25 قال لإليعازر«إن قائد المنطقة الجنوبية يبدو لى مغموما». بعد عشرين دقيقة أبلغ جونين إليعازر أن قوة مصرية كبيرة تستعد لعبور القناة فى منطقة الإسماعيلية، وطلب منه مساعدة جوية. لكن إليعازر رفض هذا الطلب.
الطيار يغمز لنا بعينيه
من أجل تنفيذ خطة صفنيا والعبور إلى الضفة الغربية لقناة السويس فور نشوب الأعمال العدائية كان على الجيش الإسرائيلى أن يسيطر على القناة فى قطاع الفردان والقنطرة.
أخذ جنود سرية يعكوف كرتسلير أماكنهم فى الحصون الأربعة المعدة فى هذه الجبهة. يروى كرتسلير الذى تولى قيادة حصن «ميلانو 2» أنه «فى الساعة الثانية إلا خمس دقائق ظهرا لاحظت 14 طائرة تطير على ارتفاع منخفض فوق رءوس الاشجار من الاتجاه الغربى ناحيتنا مباشرة. كانت تطير على ارتفاع منخفض جدا إلى حد أننى لاحظت أحد الطيارين يغمز لنا بعينيه. اندفعت إلى شبكة الاتصال وفقا للأوامر الدائمة فى هذه الحالة. سألت قيادة اللواء التى كانت بعيدة فى بالوظة «من الذى اقتحم شبكة الاتصال؟ قلت هناك 14 طائرة من الشمال قادمة فى اتجاهك انتهى. حاول الطرف الثانى أن يسألنى عدة أسئلة، وعندئذ سمعت من ذلك الطرف أصوات انفجارات ثم انقطع الاتصال.
أمرت مراصدنا أن تتوجه إلى أماكنها، وقبل أن ينفذوا الأمر نزلت علينا القذيفة الأولى. أطلقت تلك القذيفة من مستوى مسطح من مدفعية دبابة. بدأنا نتلقى القذائف. لم يتبق متر مربع واحد إلا وأصيب. استمر ذلك دون نهاية. أصابتنى الرجفة والخوف. دندنت فى رأسى بنغمة من فيلم «الاشقر ذو الحذاء الأسود» وهو فيلم مرح جدا. فتشت عن هذه النغمة فى ذهنى لكى أخرجها ولم أنجح فى دندنتها. ظننت أننى جننت. كان على أن أعطى الأوامر، لكن الحذاء الأسود أطار عقلى. ولم أتذكر النغمة إلا فى ظهيرة اليوم التالى بعد أن أصبت، وأخذت حقنة بينسلين، وبدأت أغنيها. ظن الجميع أننى جننت تماما.

العلم المصرى
تعرض حصن ميلانو2 لسبع هجمات مصرية منظمة، وصل خلالها المصريون إلى مسافة 300 متر منا، وصلوا إلى السياج وحاولوا الدخول، وقع الهجوم الأول فى يوم الغفران فى الساعة الرابعة بعد الظهر. وعندئذ رفرف العلم المصرى على حصن ميلانو1 الذى كان على مسافة 400 متر منا شمالا.
استهلكنا كثيرا من الذخيرة لكى ننزل العلم المصرى من فوق ميلانو1 لكننا فشلنا. لقد عبروا بالقرب منه. رأيت من مكانى المصريين يعبرون القناة. أطلقنا النار عليهم، فأصيب بعضهم وجاء آخرون مكانهم، أطلقنا زخات من النيران على القوارب، فانقلبت ووصلت بضعة قوارب. لا أعرف ما إذا كان الجندى المصرى قد أصبح افضل بكثير بعد حرب الأيام الستة، لكنه بالتأكيد صار أكثر انضباطا من الجندى الإسرائيلى. اقتربت نيران المصريين من قواتهم هم أنفسهم، وربما قتلت بعضا منهم.
الدبابات لم تصل
جاء فى الأمر السابق الذى تلقيناه عندما وصلنا إلى خط الجبهة أنه خلال نصف ساعة من بدء إطلاق النار ستكون لدينا دبابات. فى البداية ستطرد المصريين من المواقع الخلفية، ثم تصل إلى المواقع الأمامية، وتصل فى النهاية إلى خط المياه.
مرت ثلاثة أرباع الساعة ولم تصل دبابة واحدة، كنا على نفس شبكة الاتصال الخاصة بكتيبة الدبابات رقم 9 بقيادة يوم طوف، سمعت قادة الدبابات يقولون «لقد أصبت.. أصابنى صاروخ». فهمت أننى فى ورطة.
فى حصن «ميفاريقيت» الذى كان إلى الجنوب منا وقعت الفاجعة الكبرى منذ اللحظة الأولى. تسلل المصريون إلى الحصن. فى البداية قتلوا قائد الشعبة، وجرحوا كثيرين آخرين، وسقط هذا الحصن فورا رغم أن قسما منه قاوم حتى ظهيرة اليوم التالى.
وسقط أيضا حصن «لاحتسانيت» الموجود فى قطاعنا فور الهجوم المصرى، وقتل قائده ولم يكن هناك من يتولى القيادة، وجرح كثير من المقاتلين، وأصبح حصنا مهملا.
وطوال الليل حارب عامير يافيه مع السرايا التى يقودها إيريز ورافيف. وفى الساعة 21.00 تسللت دبابة إلى حصن مفاريقيت، وأرادت إنقاذ رجاله، لكن القيادة فى بالوظة ردت بالنفى لسبب ما. فى السادسة صباحا لم يتبق لعامير يافيه سوى دبابتين صالحتين. وحتى الساعة الثامنة انضمت إليه أربع دبابات أخرى. لم تتحقق المهمة، ولم ينقذ رجال الحصن، وواصل المصريون العبور إلى القطاع وفقا لخطتهم.
أسرى العدو في قبضة الجيش المصري - تصوير: عبد الوهاب السهيتي
جيش مشتت
يروى ساسون شليلا «فى الطريق من قاعدة طاسا إلى الشمال قابلنا دبابات من الكتيبة 9 التابعة ليوم طوف، ودهشت لأن الدبابات لم تتعرض لإصابات. كانوا مثل القطيع دون راع، ولم يبذل جهد لتجميعهم. لم أكن أعرف القنطرة. تلقى يوم طوف أمرا بأن ينقلنى إلى داخل المدينة. وبعد دخول القوات دخل عامير ويوم طوف. لم تكن لدى صور جوية ولا معلومات استخباراتية. كان الوقت ليلا، وكان هناك لواء مصرى على مدخل المدينة. قتل المدرب الرئيس للواء يجآل زافكة الذى تولى قيادة السرية. ضلت دباباته طريقها فى المدينة.
القمر سبيل الإسرائيليين للهرب من القنطرة
يروى يعكوف كريتسلير «طافت دبابات مدرسة المدرعات فى الجزء الجنوبى من مدينة القنطرة، كانت المدينة مليئة بالمصريين منذ يوم الغفران فى الساعة الثالثة بعد الظهر. تجول رجال مدرسة المدرعات ليلا فى القنطرة، وأطلقت عليهم النيران. لم يعرفوا كيف يخرجون، وسألونى عبر جهاز الاتصال «أين اتجاه الشمال؟» أدركت أنه من المستحيل وأنت داخل الدبابة أن تخرج بوصلة وتنظر، لكن يمكن أن تخرج رأسك من برج الدبابة، وتلقى نظرة على البوصلة ثم تعود إلى داخل بطن الدبابة.
قلت لهم «هل ترون القمر؟ من اتجاه الشرق! تذكرت القصة التى انتشرت فى كتيبة المظليين 890 عن العميد تسفى بر، وكان رئيس بلدية مدينة رامات جان فى ذلك الوقت. قال لجنوده ستتنقلون ثم تلتقون هنا، ووضع يده على الخريطة. فسأله الجنود أين اتجاه الشمال إذن؟ فأجابهم اجعلوا القمر عن يمينكم».
مشكلات الدبابات
«فى الساعة التاسعة ليلا سمعت يوم طوف قائد الكتيبة 9 عبر جهاز الاتصال يقول لى: عزيزى يعكوف، أنا فى الطريق إليك، هل يمكن أن أساعدك؟ فأجبته: كلا، أفهم أن لديك كوارث، تغلب على مشكلاتك بنفسك.
فى تلك الساعة لم أكن فى حاجة إليه، لكن يوم طوف واصل كلامه «اصنع لى معروفا واخرج ووجه الدبابات فى اتجاه الشمال. خرجت من الحصن وأعطيت إشارة بالكشاف. وصلت دبابة فأعطيتها إشارة ووجهتها إلى المحور. كانت الدبابات تسير على غير هدى. دخلت دبابة عندى، ودهست بطريق الخطأ بطارية الحصن، وانفك جنزيرها ولم يعد بمقدورها مواصلة السير، وبعدها تعطلت عندى دباباتان أخريان، اصطدمت إحداهما بلغم، وانكسر جنزير الثانية.
استقبلت هؤلاء الرفاق. سار أهارون فى طريق يوم طوف، وواصل المسير بدبابته فى اتجاه الشمال، وكان آخر من مر بحصنى. وصل إلى حصنى طاقم دبابة آخر دون دبابته. وفى المحصلة فقد تجمع لدى أربعة طواقم دبابات، وقد ساعدونى كثيرا فى مواصلة القتال سواء كمحطة إرسال فى الاتصال أو فى إطلاق النيران على قوات العدو المدرعة.
«واصل المصريون قصفنا بقوة، لم أحصل على معاونة مدفعية على الرغم من أنهم تعهدوا لى قبل الحرب بأن تصل بعد 25 ثانية فقط من طلبى. دخل ثلاثة أطقم للدبابات إلى موضعنا. لم يكونوا يعرفون استخدام سلاح المشاة ولا تشغيل المدفع الرشاش عيار 3.0. كان من الضرورى إعطاءهم دورة سريعة. بقى أحد الأطقم داخل الدبابة وكان بمثابة لساننا فى الخارج، حيث كنا نستطيع أن نسمع ما يدور فى الخارج دون أن يسمعنا أحد فى أجهزة الاتصال التى أصيبت».
أكاذيب إسرائيلية
فى الساعة 01.15 صباح يوم السابع من أكتوبر أبلغ قائد المنطقة الجنوبية شموئيل جونين رئيس الأركان دافيد إليعازر عبر الهاتف أن الوضع فى القناة يتحسن. لم يعرف إليعازر ورفاقه فى القيادة العامة أن فرقة ميندلر تكبدت خسائر فادحة، وفقدت ثلثى دباباتها. لكن قادة المؤسسة الأمنية الذين لم يعرفوا فى الحقيقة ماذا حدث فى جبهة القناة قالوا للشعب ما كان ينبغى أن يحدث وفقا لخطتهم المستفزة.
فى الساعة 05.45 أعلن المتحدث باسم الجيش أن المصريين نجحوا فى العبور إلى الضفة الشرقية بقوات مشاة وعدد قليل من الدبابات، وأن قواتنا تحارب فى جميع أماكن تسللهم، وان المعارك تدور فى معظمها قرب القناة. وعندما استمع رجال حصن ميلانو1 لهذه الأكاذيب فى المذياع لم يعرفوا هل يضحكون أم يبكون.
كان متوسط أعمار رجال الحصن 32 عاما. حارب معظمهم فى حرب الأيام الستة فى جبهة القدس، وتدربوا على الإيمان بأن المتحدثين المصريين يكذبون أما المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى فيقول الحقيقة. كانت أكاذيب المتحدث باسم الجيش أحد مواطن انكسارهم.
فى الساعة 7.20 صباحا قال إليعازر المنعزل عن الواقع لشموئيل جونين المنعزل أيضا عبر الهاتف من تل أبيب إلى قاعدة أم خشيبة «إن الوضع على الجبهة يمكن أن ينقلب وقد يتدهور» ثم أعطى تعليمات لجونين بأن يخطط لهجوم على خط القناة تقوم به فرقة شارون (شعبة الاستخبارات: وثائق جونين) فى الساعة الثامنة والنصف صباحا قال رئيس الأركان لوزير الدفاع الذى عاد من جولة فى قيادة الجبهة الشمالية إن الوضع فى جبهة قناة السويس لا يزال على مايرام، ولم يتدهور، ولذلك غيرت الخطة ونقلت سلاح الطيران إلى الجبهة الشمالية.
إبادة لواء جابى
مع بزوغ الفجر وصل قائد الفرقة الجنرال أفراهام أدان إلى مقر قيادة اللواء الشمالى فى بالوظة، والتقى هناك مع قائد القطاع الجديد العميد كلمان ماجين ومع قائد لواء القطاع الكولونيل ألوش، واستمع إلى تقارير عن الأحداث منذ بداية الحرب. يقول أدان فى كتابه «بينما كنت أتحرك على طريق عليقيت رأيت ناقلتين، وفى المنطقة الرملية من على يمين الطريق رأيت مدرعة وخمس دبابات (كانت ضمن قوة ساسون شيلا الذى نفد بجلده من القنطرة، ولم يصل إلى هناك الناجون من قوة عامير يافيه. وثائق شعبة الاستخبارات).
أصابتنى الدهشة، هل هذا حقا لواء جابى؟ رأيت بضع دبابات ومدرعة واحدة. صورة كئيبة أعادتنى فى طرفة عين إلى الواقع. ويبدو أننى كنت أرفض حتى الآن أن أصدق الصورة التى رسمت لى فى بالوظة.
جلس جابى ويوم طوف مرهقين فى المدرعة. لقد مرا بأحداث كثيرة فى الليلة الأخيرة، كانت تعبيرات وجههما تقول ملخص قصتيهما، فهما قائدا وحدتين عسكريتين تعرضتا لضربات قاسية إلى درجة أنهما لم تعودا باقيتين.
صعدت إلى المدرعة، وسألت عن أسلوب عمل العدو، وعن عمليات قواتنا. ظلت الصورة غامضة، لكن كان هناك أمران واضحان، الأول أننا فقدنا كثيرا من الدبابات نتيجة للغرق فى المستنقعات، والثانى أن قواتنا انقسمت وتوزعت فى كل اتجاه، واصطدمت بقوات مشاة مصرية معززة بالدبابات وبسلاح مضاد للدبابات، وعجزنا عن مواجهتهم. فهمت أن قواتنا عملت بجرأة وشجاعة، لكنها كانت كمن يتخبط فى الظلام. أحسست أن عملنا لم يكن ذا جدوى كبيرة لدرجة أننا تكبدنا خسائر فادحة، فى حين أن العدو لم تلحق به أيه خسائر تقريبا.
أحسست أن شيئا ما قد حدث لنا لم نكن نتخيله فى أسوأ أحلامنا، وليس بقدورى أن أغير هذا الوضع القاسى بكلمة سحرية.. لم يتبق من لواء جابى الذى تلقى ضربات موجعة سوى تسع دبابات فقط، هل يجب على أن أخرج اللواء من اللعبة، وأن ألحق دباباته بأحد الألوية المنتشرة فى الجبهة؟
قررت أن يواصل لواء جابى العمل... أمرته بالتحرك إلى الخلف وأن يحرك معه ما تبقى من كتيبة عامير يافيه إلى محور «مأديم حزيزيت»، وأن يعيد هناك تنظيم قوته، ويملأها بالوقود والسلاح، وأن يبقى مستعدا فى انتظار الأمر (كتاب: على ضفتى قناة السويس لأفراهام أدان).
وعن زيارة أدان لمقر قيادة لواء جابى عامير يروى ساسون شيلا «فى الصباح وصل أفراهام أدان بيرين بسيارة الجنرالات جيب واجنر، نظيفا يضع نضارة شمسية على حزامه، ويعلق سماعتين فى جنبه وكأنه فى مناورة فى قاعدة تسيئيليم. صعد إلى مدرعة جابى، وتحدثنا عن الأحداث منذ اندلاع الحرب.
وقال بعد أن سمعنا هيا نتحرك بالمدرعة ونتوجه إلى القنطرة لنرى ما يحدث هناك. قلت له «كيف ندخل القنطرة وهناك لواء مصرى؟».
لم يصغ لكلامى وأمر بأن تتحرك المدرعة. توقعت أن يقول له جابى عامير «أدان! أنت سكران، هل تعرف ما يدور هناك؟»، لكن جابى صمت وتهيأ للرحلة. نزلت من المدرعة وعدت إلى دبابتى، ولحسن حظ أدان وعامير تلقى أدان أمرا من جورديش بالذهاب إلى بالوظة».
• القصف المدفعى يدفع قائد المدرعات الإسرائيلى إلى حافة الجنون
أريئيل شارون
شهادة أريئيل شارون
كتب أريئيل شارون فى كتابه أنه عندما وصل فى صباح يوم الأحد إلى مقر قيادة فرقة سيناء فى بئر الجفجافة لم يكن أحد يستطيع أن يقول شيئا عن الوضع فى جبهة القناة، وما هو المسعى الرئيس للعدو. وبدون هذه المعطيات كان من المستحيل التخطيط لهجوم مضاد.
ووفقا لما ذكره أورى دان فقد أراد شارون أن يستفسر عن تلك التفاصيل من جونين عبر الهاتف.
لم يكن جونين يستطيع أن يقول أشياء لا يعرفها، ولا يستطيع أن يكذب على شارون. لاحظ العميد أفراهام تامير الذى كان فى غرفة قيادة شارون فى الساعة التاسعة صباحا انهيار قيادة الجبهة الجنوبية. أدرك تامير مخاطر هذا الانهيار ونصح شارون قائلا «ادع ديان أو رئيس الأركان لإجراء مشاورات قادة».
فأجاب شارون «لا أشعر بالراحة لدعوتهم»، فقال تامير «أنت جنرال، ليكن الحساب بعد الحرب»، اتصل شارون هاتفيا بقيادة أركان الجيش فى تل أبيب وقال لرئيس الأركان يسرائيل طال «وفقا لما أفهمه فقد عبر المصريون القناة، ويملكون قوات مشاة على طول خط القناة. من الممكن أن ينقلوا فيما بعد وحدات ميكانيكية، ومن ثم فإننى أقترح عليك أن تعرض على الوزير أن نتسلل ونبيدهم بسرعة وإلا فسوف نضطر لشن هجوم عليهم على الجبهة».
وقال شارون لرجال فرقة القيادة «هناك نقاط على طول القناة عليكم ألا تتحركوا منها بأى حال من الأحوال، وهى الأماكن التى نرغب فى العبور منها بقواتنا».
بناء على الأخبار الإذاعية التى تحدثت عن نشاط دولى لوقف إطلاق النار فى الشرق الأوسط، كانت تقديرات تامير من بئر الجفجافة أن التدخل الدولى فى الحرب قد بدأ، ولم يتبق لشارون سوى 48 ساعة فقط لتنفيذ خطته، وإذا لم تعتمد الخطة خلال 48 ساعة، فستنتهى الحرب دون العبور».
انشغل دافيد إليعازر ومستشاروه فى مقر القيادة فى وسط تل أبيب بتلك المعضلة. وكان رأيهم أن هناك خطرا فى وقف إطلاق النار، وأن على الجيش الإسرائيلى أن يحقق نصرا على الأرض قبل أن يفرض وقف إطلاق النار على الجانبين.
لم يفهم إليعازر ورجال هيئة الأركان أن المصريين قد حققوا الهدف من حربهم المتمثل فى عبور قناة السويس، واحتلال مساحات واسعة، كما تمكنوا من إبادة فرقة إسرائيلية. كانت الفضيحة الشخصية التى ستلحق بهم إذا فرض وقف إطلاق النار على إسرائيل فى تلك المرحلة، تشغلهم أكثر من كيفية أدائهم لدورهم فى خط النار بشكل أكثر نجاعة.
فى الساعة 09.21 قال جونين لإليعازر فى الهاتف إن أريئيل شارون وصل بقوات صغيرة، وسيحتل خطا بمساحة عشرين كيلومترا شرقى القناة. وعندما يصل إليه مزيد من القوات فسوف يتحرك فى اتجاه الغرب. أما بالنسبة للمرحلة التالية فهى مثلما تحدثنا بالأمس (أى نعبر القناة وفقا لخطة صفنيا أو بن حايل).
فى الساعة 9:15 تم إبلاغ قيادة الأركان أن المصريين استأنفوا هجومهم على طول الجبهة الجنوبية، وأقاموا ثلاثة جسور، ينقلون عليها كثيرا من الدبابات، وبعد خمس دقائق أبلغ جونين رئيس الأركان دافيد إليعازر بسقوط بضعة حصون فى يد المصريين، وعن صعوبة إنقاذ الرجال المحاصرين فى الحصون.
فى الساعة 09.51 عاد جونين وأبلغ إليعازر أن الوضع يزداد سوءا، وطلب منه للمرة الثالثة فى الصباح نفسه دعما جويا لكى ينسف الجسور ويوقف تدفق قوات العدو، عندها فقط أمر إليعازر سلاح الطيران بالعمل ضد طوابير المدرعات المصرية والجسور المقامة على القناة.
فى الساعة 09.50 اتصل شارون مرة أخرى بطال وقال له «اسمع يا عزيزى طال، المكان الوحيد الذى نستطيع تنفيذ العملية فيه هو القنطرة عند ألبرت. أرى أننا يمكن أن ننفذ هجوما من الشمال إلى الجنوب، فمثلا يمكننى الذهاب إلى هناك بقواتى وقوات أفراهام أدان. ليس بإمكانى سوى أن أقدم لكم المشورة، فأنا قائد فرقة ولست قائد منطقة، أعرف المكان، وربما كان من الأجدر أن يأتى أحدكم إلى هنا. اتصلت لكى أؤكد أهمية الهجوم، وأحدد القطاع الذى يجب أن يشن منه الهجوم فى رأيى».
فى الساعة 10.00 اتصل شارون بمقر قيادة جونين وترك له الرسالة التالية «لدى طلب واحد فقط. اقتراح واحد. أن توجهوا سلاح الطيران للهجوم على المصريين الآن. قولوا للجنرال إنه فى اللحظة التى تصل فيها قواتنا يجب عليه أن يهاجم من الشمال إلى الجنوب. سنصل فى المساء ونهاجم على الفور. سأكرر ما قلته للجنرال صباحا المكان الوحيد للعبور هو القنطرة. متى سيحصل أدان على دبابات؟ هل سيحصل عليها عند المساء فقط؟ لا يمكن أن نتراجع. يجب أن يفقد المصريون توازنهم».
وبعد انتهاء هذه المحادثة قال شارون لرجاله «يجب أن نكون مستعدين فى هذه الليلة للمهمة الأولى. عندما تصل الدبابات يجب أن تتزود بالوقود، وأن تكون مهيأة للهجوم من الشمال إلى الجنوب، لن أفرق القوات، سأهاجم فى موضع واحد، ثم أتوجه للهجوم فى مكان ثان».
وبعد فترة قصيرة ترك شارون رسالة لجونين «أعتقد أن الهجوم الليلى سيسحق المصريين ويدمرهم ويبيدهم». (أورى دان: رءوس الجسور)
فى تلك الساعة أبلغ دافيد إليعازر الحكومة أن الوضع فى الجبهة المصرية قد تحسن بعد توجيه ضربة جوية للمطارات المصرية، أمر إليعازر جونين بأن يقوى خط الدفاع الثانى، أما جاليلى الذى لم يستوعب أبعاد الانهيار فقد خشى أن يأمر مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، وسأل عن الوقت المطلوب من أجل استئصال شأفة العدو من الحصون التى احتلها. وأجاب إليعازر «أنا متفائل بأن الوضع سيتحول هذه الليلة، وسوف نحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أيام... حقق المصريون انتصارات معينة، لكن يبدو لى أن الإرهاق قد أصابهم، وأن تقدمهم قد تم صده».
اعترف إليعازر بعد ذلك أنه كذب على أعضاء الحكومة «لكى يخلق انطباعا لدى الوزراء بأن الوضع أقل خطورة عما كان عليه فى ذلك الصباح».
الفوضى تضرب إسرائيل
سادت الفوضى دولة إسرائيل، ولم يتبق لمواطنيها سوى الدعاء أن يهدأ الإعصار قبل أن يدمر كل قطعة أرض طيبة.
وإلى أن يستجيب الله للدعاء كان كل شخص يفعل ما يحلو له، وهذا ما حدث بالفعل فى الجبهة على خط النار.
أما من أدرك ما يحدث فقد أدى مهمته كما ينبغى فى مكانه وفى وحدته العسكرية، ومن انتظر مساندة من قادته ومن المؤسسة العسكرية، ومن صدق الجيش، فقد دفع ثمنا باهظا، وكلفه الأمر حياته.
وحتى فى الفترة التى سبقت الحرب وفى حرب يونيو لم تؤد المؤسسة السياسية العسكرية الإسرائيلية دورها، ففى ذلك الوقت لعبت المصادفة دورها فى المعارك على خط النار ومكنت من تحقيق الانتصار الساحق. أما من كان يأمل فى أن تتكرر معجزة يونيو 1967 مرة ثانية فى أكتوبر 1973، فقد أصيب بخيبة أمل مريرة.
إن الحقيقة المثيرة للاهتمام أن موشيه ديان أخطأ فى تقدير قوة العدو على الرغم مما كان معلوما عنه بأنه يعرف العرب جيدا، وأنه الشخص المغروس فى الواقع بكلتا قدميه، لم يكن لدى موشيه ديان فهم عميق لواقع الجيش والحرب مثلما كان لتشرشل. ونظرا لأنه كان الشخص الوحيد الواقعى فى الميدان فقد قال جنرالات الميليشيات المصابون بالصدمة وأذنابهم من رجال الإعلام الذين استمروا فى احتفالات النصر فى حرب الأيام الستة إن موشيه ديان قد انهار، لقد انهار فعلا بعد أن رآهم مصابين بالصدمة.
كان رئيس الأركان دافيد إليعازر ومعه قادة الأسلحة فى حالة فقدان الإحساس بالواقع، ونشوة مريضة فى المرحلة الأولى للحرب كانت بمثابة مقدمة لحساب الانتصار الذى كان مؤكدا فى رأيهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.