يحق للفلسطينيين أن يشعروا بالمرارة بعد مرور ربع قرن علي توقيع اتفاقية أوسلو التي كانوا يعلقون عليها آمالا كبارا بعد معاناة استمرت سبعين عاما. وها هي الاتفاقية تتآكل وتتهاوي، ولم يبق سوي إعلان موتها ووضع شاهد علي قبرها. لم تعد هذه الاتفاقية، التي جاءت بعد انتفاضة فلسطينية شعبية كبري دامت ست سنوات وانهكت الإسرائيليين، تعني سوي حالة من التيه والانكسار والفشل. ويعتبر قادة منظمة التحرير الفلسطينية ان إسرائيل قتلت الاتفاقية وتتصرف كأنه لا وجود لها بينما تصر علي تطبيق ما جاء فيها فقط من التزامات فلسطينية! وماذا يبقي من الاتفاقية يمكن الحديث عنه بعد شطب القدس والحدود واللاجئين وحل الدولتين وحق العودة وحقوق الفلسطينيين في المياه والسرطان الاستيطاني والتحكم الإسرائيلي الكامل من البحر إلي النهر ومصادرة ممتلكات الفلسطينيين؟ يقول الكاتب الفلسطيني »هاني المصري» ان الأعمال بنتائجها والنتائج الماثلة أمامنا هي »إسرائيل الكبري» بدلا من الدولة الفلسطينية. بل إن كلمة »الانسحاب» من الأراضي المحتلة لم يعد لها وجود في القاموس الإسرائيلي. ما أراده الفلسطينيون لم يتحقق، ولكن ما أرادته إسرائيل تحقق.. وزيادة! فقد ارتفع عدد المستوطنين الإسرائيليين -حسب احصاءات رسمية إسرائيلية- بنسبة 400٪ عما كان عليه في عام 1994، وبلغ 857 ألف مستوطن في الضفة والقدسالمحتلة، وأصبحت إسرائيل تسيطر علي أكثر من 60٪ من الضفة الغربية، وتم تفريغ المنطقة الممتدة من شمال وشرق القدس حتي حدود البحر الميت من أي وجود فلسطيني. كتب القيادي الفلسطيني صائب عريقات، قبل أيام، يقول إن الخطأ الأساسي في أوسلو كان عدم الإصرار، من الجانب الفلسطيني، علي الاعتراف المتبادل: أي دولة مقابل دولة، ولكن ما حدث بالفعل هو الاعتراف الفلسطيني بحق إسرائيل في الوجود مقابل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. وصائب عريقات علي حق، لأن الجانب الفلسطيني قدم أكبر تنازل يمكن تصوره، وهو الاكتفاء ب22٪ فقط من أراضي فلسطين التاريخية مما يتطلب تنازلا إسرائيليا يوازيه. ولكنني أضيف إلي ما قاله عريقات أن تأجيل قضايا حيوية وخطيرة مثل المستوطنات والقدس والحدود.. إلي ما بعد فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، بعد توقيع الاتفاقية، هو كل ما كان يحتاجه الطرف الإسرائيلي لكي يفرض حقائق جديدة علي الأرض وتصبح كل هذه القضايا في خبر كان ومنذ أوسلو، عقدت عشرات الآلاف من جلسات التفاوض العقيمة والعبثية بين الجانبين.. والنتيجة هي ما نراه اليوم! يقول الكاتبان الأمريكيان الكبيران »ساندي تولان» و»توم انجيلهارت» »ان اتفاق أوسلو لم يكن يستهدف وقف التوسع الإسرائيلي، بل توفير الظروف لتسهيل هذا التوسع».. أي ضمان عدم قيام دولة فلسطينية في أي يوم من الأيام. وفي الأراضي الفلسطينية، بدأت الآن ترتفع أصوات تطالب بسحب الاعتراف بإسرائيل وإلغاء اتفاقية أوسلو وتصعيد المقاومة الشعبية وفك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل وتحقيق الوحدة الفلسطينية فورا واللجوء إلي كل المنظمات والمحاكم الدولية ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية ووقف التعامل بالشيكل الإسرائيلي. المهم في كل هذه المطالب هو ان تكون محل اجماع وطني فلسطيني.