أول مقال كتبه عن الشيخ عبد الباسط ونشرته مجلة »نيوزويك» وتسبب في ارتفاع أجر الشيخ تحية كاريوكا الأقرب لقلبه وكان يصطنع التكشيرة اليوم تمر الذكري الرابعة لرحيل الفيلسوف الساخر الكبير أحمد رجب الذي رحل عن عالمنا في 12 سبتمبر 2014.. أحمد رجب صاحب أشهر عمود في الصحافة المصرية والعربية »نص كلمة» التي تابعها قراء الأخبار علي مدار 45 عامًا، وبالتحديد بداية من عام 1969 وحتي رحيله.. بدأ أحمد رجب عمله بأخبار اليوم عام 1952 مراسلًا لمكتب أخبار اليوم بالأسكندرية، كما عمل محررًا بالدار.. فقد كان يكتب مقالاته ويرسلها إلي موسي صبري رئيس تحرير مجلة الجيل في تلك الفترة.. وظل شهورًا ينشر مقالاته دون مقابلة أحد من مسئولي أخبار اليوم ودون مقابل، حتي جاء موسي صبري الذي كان يعمل محررًا سياسيًا لأخبار اليوم بجانب رئاسة تحرير مجلة الجيل إلي الأسكندرية لمتابعة عمله الخاص بأخبار السياسة.. وأثناء تلك الزيارة قابل أحمد رجب وعرض عليه الانتقال للقاهرة للعمل معه في مجلة الجيل ووافق رجب.. وكان أول مقال كتبه عن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.. وكان قد أطلق علي عبد الباسط في هذا المقال »براندو» وحقق هذا المقال شهرة واسعة حيث نشرته مجلة »نيوزويك الأمريكية» وكان نتيجة ذلك ارتفاع أجر عبد الباسط من 20 إلي 100 جنيه.. واستمر رجب في كتاباته في أخبار اليوم ومجلاتها.. وتولي العديد من المناصب، فقد عمل نائبًا لرئيس تحرير مجلة الجيل عام 1954، وعام 1964 عمل مديرًا لتحرير مجلة »هي» ثم كانت بداية انطلاقته مع نص كلمة.. ويرجع اسلوب أحمد رجب الساخر المختصر للكاتب الكبير علي أمين، فكان يعطي رجب مقالًا يوميًا في أربعين صفحة ويطلب منه تلخيصه في عشرة سطور دون أن يخل بالمعني أو يتناسي معلومة.. وكان يقول له : »تصور انك تكتب تلغرافًا ستحاسب فيه علي كل كلمة».. وعلي الرغم من صعوبة تلك المهمة إلا أنه نجح بامتياز فيها وحقق نجاحًا كبيرًا حتي أصبح أحد أهم وأكبر الكتاب في العالم العربي وليس في مصر فقط.. كانت كلمات أحمد رجب أول ما يبحث عنه قارئ الأخبار.. فقد كانت رغم قلتها إلا أنها كانت تعالج قضايا جماهيرية كبيرة وهامة يعجز كتاب المقالات الطويلة عن حلها.. وكان عمود نص كلمة أحد إبداعات الصحافة المصرية علي مر تاريخها الطويل.. حتي وصل إلي أن يدرس في كلية الاعلام.. حصل أحمد رجب علي العديد من الجوائز.. ففي عام 1992 نال وسام العلوم والفنون، وعام 2001 حصل علي جائزة نقابة الصحفيين التقديرية.. كما أثري المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات منها » توتة - أي كلام - نهارك سعيد - الحب وسنينه - نص كلمة - كفر الهنادوة - كلام فارغ».. كما قدم رجب للتليفزيون بعض المؤلفات مثل نص ساعة جواز - فوزية البرجوازية - محاكمة علي بابا - الوزير جاي.. وقد برع أحمد رجب في تقديم العديد من الشخصيات الكاريكاتيرية والذي جسدها بريشته توأمه الفنان الكبير مصطفي حسين ومن هذه الشخصيات » فلاح كفر الهنادوة - الكحيتي - عباس العرسة - عبد الروتين - مطرب الأخبار - قاسم السماوي..» أحمد رجب تلميذي قال مصطفي أمين عنه »أحمد رجب هو تلميذي ومنذ اليوم الذي عرفته فيه تنبأت له بدور كبير سوف يلعبه في حياة المجتمع المصري، فقلمه ساخر وأسلوبه جذاب استطاع أن يضحك المصريين لأكثر من 20 عامًا ويرسم الابتسامة علي شفاههم، ولقد أعطيت الحرية لأحمد رجب لكي يكتب مايريد فلا رقيب عليه أبدًا، ولم أكن أطلب منه أن يعرض علي ما يكتبه أو يرسمه مصطفي حسين، لأن تجربتي السابقة علمتني أن وضع أي قيد علي الكاريكاتير يفقده قيمته علي الفور. عشق أخبار اليوم تسببت كلمات أحمد رجب اللاذعة في كثير من الأحيان وخاصة التي كانت تنتقد الحكومة للعديد من المضايقات التي ترك علي أثرها كتابة عموده الشهير »فهامة» في العدد الأسبوعي بسبب الشكاوي العديدة التي وصلت لرئيس التحرير آنذاك.. وزادت تلك المضايقات عندما أمسك الإخوان حكم مصر.. وعٌرض علي رجب في هذا الوقت الانتقال لإحدي الصحف الخاصة بالمبلغ الذي يحدده، ولكنه رفض بشدة ودون تفكير فقد كان يقول : انه عاش بين جنبات وجدران أخبار اليوم مؤسسته الحبيبة وكل مايتمناه ويريده أن تخرج جنازته من تلك الدار. رجب فنان كاريكاتير ! قال الفنان مصطفي حسين عن علاقته برجب : بدأت علاقتي به علي يد مصطفي وعلي أمين بعد عودتهما إلي أخبار اليوم بعد فترة طويلة من تعرض الأول للسجن وللابعاد.. كان ذلك في أوائل السبعينات في عهد الرئيس أنور السادات.. عندما قرر الأخوان أمين إستنادًا إلي تقاليد مدرسة أخبار اليوم أن أصاحب كرسام كاريكاتير كاتبًا أو عددا من الكتاب الساخرين، ولذلك فكرا في أن يجمعاني بالكاتب الساخر الوحيد الموجود وقتها بالمؤسسة أحمد رجب.. وكانت فكرة صائبة لأنه لم يكن فقط مجرد كاتب ساخر بل كان أيضًا يجيد فن الكاريكاتير ولا ينقصه سوي أن يرسم لكنني لم أعطه هذه الفرصة.. أشهر ماكتب من أشهر ماكتب أحمد رجب في نص كلمة.. كان عن حرب أكتوبر 1973: »رفعت جولدا مائير سماعة التليفون تطلب القاهرة لتتوسل في وقف اطلاق النار، قائلة : آلو.. ثمانية وأربعين - ستة وخمسين - سبعة وستين ؟؟ ردت القاهرة : غلط، هنا ستة - عشرة - تلاته وسبعين !!.. ومن كلماته اللاذعة ضد الحكومة كتب : » نحن من هواة اطلاق الألقاب والصفات علي المشاهير مثل شاعر النيل وسيدة الشاشة وكوكب الشرق، فلماذا لا نطلق علي وزرائنا ألقابًا مناسبة مثل أمير التعمير حسب الله الكفراوي، وأمير الفواتير ماهر أباظة، وقاتل النيل عصام راضي، وقاهر المصريين محمد الرزاز، وعندليب اللامساس جلال أبو الدهب !! وكتب قبل وفاته : »الآن يامصر أموت مطمئنًا عليك، وعلي أهلي المصريين، إني لا أوصي حاكمًا صالحًا بأهلي، ولكن أوصيكم بحاكم ندر وجوده علي الزمان وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين». ضحايا أحمد رجب كتب إبراهيم سعده عنه : كاتبنا الكبير أحمد رجب يكتب هذه السطور منذ سنوات وجذبت كلماته أنظار قارئ الأخبار منذ نشرها لأول مرة، تتضمن كلمات معدودة.. تعالج قضية جماهيرية كبيرة، يعجز كثيرون عن معالجتها في أقل من عمود طويل أو في صفحة كاملة !.. أسلوب ساخر يحمل نقدًا لاذعًا، صاغه كاتبنا الكبير بكلمات عفة ومهذبة تجبر المسئول الكبير الذي تعرض لهذا النقد اللاذع علي الابتسام من فرط خفة دم الكاتب الذي ينتقد ولا يجرح، يبني ولا يهدم ولا يحرك قلمه غير الصالح العام.. ما أكثر عدد ضحايا كلمات أحمد رجب، وما أكثر أيضًا الذين أصبحوا حديث الناس في كل مكان بعد ان انتقد أحمد رجب قراراتهم ومواقفهم وتصرفاتهم، وعلي الرغم من هذا فإنني لا أذكر أن أحدهم غضب من كاتبنا الساخر الكبير ! علي العكس من ذلك.. فكثيرا ما كان المسئول الكبير.. أي مسئول كبير يسارع فور قراءته سطور نص كلمة ليتصل تليفونيًا بأحمد رجب لا ليعاتبه علي ما كتبه نقدًا له.. وإنما ليشكره علي أنه أضحكه ودفع بالابتسامة الي وجهه في زمن غاب فيه الضحك ! تكشيرة الساخر ! من المواقف الطريفة لأحمد رجب أنه كان دائما تعلو وجهه تكشيرة يراها كل من حوله ولكنهم كانوا يتعجبون كيف يكون هذا هو الساخر الذي ينتزع منهم الضحكة صباح كل يوم ؟! وتعود قصة هذه التكشيرة كما قالها رجب أنه كان دائما أثناء جلوسه مع أحد أو سيره في الشارع بمفرده فجأة تنتابه نوبة من الضحك المفاجئ!! فكان يقلق من الناس ان يتخيلوه مجنونا.. ومنذ هذه اللحظة قرر أن يحاول رسم علي وجهه ملامح الجد دائما تصل الي حد التكشيرة، ويقول رجب : بعد هذا الموقف لو رأيت نجيب الريحاني لم أضحك مهما كان ! وعن أقرب الشخصيات لقلب أحمد رجب كما قالت الفنانة رجاء الجداوي: كانت خالتي تحية كاريوكا أقرب صديقة لقلب أحمد رجب فمنذ صغري وأنا اشاهدهما سويًا في معظم المناسبات وربما وصلت علاقتهما لأكثر من الصداقة.