بعين تعكس تركيز فكره، وقلم في يده ينتظر التقاط التشبث بشقاوة بنات أفكاره، وزحام يملأ رأسه الأشيب.. دقائق تطول حتى يسطر الأفكار المتناثرة في "نص كلمة"، يلخص بها أحمد رجب، الساخر الصامت صديق القلم وحاضن الأوراق، أحداث يومية وسياسية بطريقة ساخرة. لم يعير كثيرون اهتمامهم بحياة الأستاذ بقدر تركيزهم على سن قلمه وسطوره، إلا أن وراء تلك الشخصية التي نادرًا ما تتحدث مع من حولها، حكايات منذ الطفولة وحتى تربعه على عرش "نص كلمة" في أخبار اليوم، نستعرضها حزنًا على رحليه. سرد "رجب" حكاياته ومذكراته التي نشرها محمد توفيق في كتابه "ضحكة مصر". كان "رجب" يحب حصص الموسيقى ويكره "الحساب" خاصة الجبر منه، وقال في مذكراته إن والدته كانت تزغرد وتوزع شربات، إذا أعلن مدرسه أنه حل مسألة جبر. وكان رجب مصابًا ب"فوبيا الحلاقة" فترك شعره في صغره فترة طويلة دون حلاقة. دفعه حبه للموسيقى، للالتحاق بمعهد "جيوفاني" للتعلم على آلة الكمان، واشترط عليه الخواجة أن يشتري الكمنجة ليتمكن من الاستمرار في الدروس. أبرم "رجب" اتفاقًا مع والده، إذا نجح في المادة المستعصية "الجبر"، يحضر له والده كمنجة كهدية نجاحه، وهو ما دفعه للسهر والاستذكار حتى صار نحيفًا، وأنجز مهمته وحصل على درجات النجاح بالكاد. درس رجب الحقوق وتخرج عام 1951، وعمل مراسلًا لدار أخبار اليوم من الإسكندرية. وأصدر مع أصدقائه مجلة "أخبار الجامعة" وتعرف خلالها على مصطفى وعلي أمين. كتب مقالات لشهور عديدة دون مقابل، ودون أن يرى مسؤولي التحرير بأخبار اليوم، حتى التقى موسى صبري في الإسكندرية، وعرض عليه أن يعمل بالقاهرة في مجلة "الجيل". تميز رجب، بقدرته على الاختصار ببراعة، فاستطاع أن يختصر موضوعًا من 10 ورقات طلبه منه على أمين، لنصف صفحة فقط. كما قال في مذكراته، قضى رجب نصف عمره في الغرفة 53 التاريخية بأخبار اليوم، حيث كانت مكتب توفيق الحكيم ثم كامل الشناوي وبعده جلال الدين الحمامصي وموسى صبري وأنيس منصور ثم سعيد سنبل. أول مقال كتبه رجب كان عن الشيخ عبد الباسط عبدالصمد، ونقلته مجلة "نيوزويك" الأمريكية. وظل يعمل لمدة عامين دون إجازة، وعندما طلبها من علي أمين اصطحبه للنادي الأهلي وتناولا الغداء، وأمضيا وقتًا لطيفًا، وكتب حينها مقالًا عن ذلك اليوم بعنوان "على أمين متعني بالحياة". كون أحمد رجب ومصطفى حسين ثنائيًا شهيرًا، فكان رجب يبتكر الفكرة ويكتبها، ويرسمها حسين بريشته، ووقع خلافًا بينهما لمدة 5 سنوات، ثم عادا ثانية ليمتعا متابعيهم بأفكارهم وشخصياتهم التي ابتكروها. "معلش اعتبرها غلطة وأنا تلميذك ومن حقك تقرص ودني، ولكن لا تترك أخبار اليوم، واللي حضرتك عايزه أعمله".. عبارة قالها رئيس تحرير أخبار اليوم ممتاز القط، بعد حذف عبارة لرجب دون موافقته، أحدثت مشكلة بينهما. "ارحمها كثيرًا يا رب فقد كانت رحمة حياتي".. ما كتبه رجب في "نص كلمة" عن وفاة زوجته في يناير عام 1992. كان لأحمد رجب كتب ومؤلفات عديدة، تضمنت الشخصيات التي ابتكرها مع رسام الكاريكاتير مصطفى حسين، مثل مطرب الأخبار وعبده المشتاق وكمبورة وفلاح كفر الهنادوة، وضربة في قلبك والفهامة وآخر كتبه كان "يخرببيت الحب". آخر ما كتبه أحمد رجب في "نص كلمة" سُطر بتاريخ 18 يوليو الماضي، كتب فيها "تسع سنوات استمر الموبايل في الخدمة حتى أدركته الشيخوخة، واشتروا لي تليفونًا مليئًا بالأزرار، هذا زر للقاموس، وهذا زر للعمليات الحسابية، وهذا زر لتكييف الهواء، وهذا زر لخرط الملوخية، وهذا زر دورة المياه، وهذا للسيفون، وأعداد لا تنتهي من الازرار، أما الكلام في التليفون فهو مشكلة المشاكل، الصوت بعيد جدًا من يريد الاتصال بي لا بد أن يتوافر عنده صبر أيوب".