رحل عن عالمنا فجر هذا اليوم الجمعة الموافق 12 سبتمبر 2014 الصحفي الكبير الأستاذ أحمد رجب عن عمر يناهز ال 86 عام بعد صراع مع المرض، فلم يمضي مدة الأربعين يوم عن وفاة فنان الكاريكاتير مصطفي حسين رفيق دربه وصديق كفاحه إلا ويلحق به ليتقابلا معا بعد عملهما المشترك في العالم الأخر لتفقد بذلك مؤسسة أخبار اليوم العريقة مع شعب مصر اثنين من أهم أعمدة الصحافة المصرية بعد أن ترك معا لنا أعمالا وأشكالا صحفية خالدة لم يضاهيهما أحد في الصحافة المصرية والعربية من خلال اللوحات الكاريكاتيرية الخالدة لمصطفي حسين، والنصف كلمة التي عبرت عن ملايين وملايين الكلمات عن مختلف القضايا للصحفي الكبير أحمد رجب الذي تميز بهذا النوع الصحفي من الأشكال الصحفية. ولد أحمد رجب في 20 نوفمبر عام 1928، وحصل علي ليسانس الحقوق ثم تعرف بعد عمله الصحفي بالجامعة وإصدار مجلة متميزة بالكاتب الكبير مصطفي أمين وأخيه علي أمين وعمل في مكتب أخبار اليوم بالإسكندرية ثم انتقل للقاهرة ليتولي سكرتارية التحرير، وأصبحت له مقالة ثابتة في جريدة الأخبار بعنوان نصف كلمة شارك من خلالها وأسهم بالأفكار القوية والبناءة واللاذعة تجاه الكثير من المشكلات اليومية حتي اقترب من هموم الناس وصارع السلطة وتحداها من خلال نقده الساخر لمدة 50 عام ليلتقي برفيق دربه الفنان الكبير مصطفي حسين ليعملا معا لأكثر من 25 عام كان فيها الصحفي والكاتب الراحل أحمد رجب يطرح الفكرة ويقوم مصطفي حسين بالتعبير عنها بريشته الرائعة بشكل ساخر ولاذع حتي يكتمل العمل ويقوم بدوره ووظيفته علي أحسن ما تكون عليه القوالب الصحفية، وخلال تلك المدة فقد جمعتهما مؤسسة أخبار اليوم علي الصداقة القوية والحب واحترام العمل الصحفي وتقديسه لاحترامهما للمهنة واحترامهما للقارئ وفي النهاية قربهما معا من قضايا الشعب والقدرة الفائقة علي توجيه النقد اللاذع والبناء من أجل محاكاة المسئولين للتخفيف عن آلام الناس سعيا إلي تحقيق أحلامهم وأمانيهم لحاضرهم ومستقبلهم، كما لم يغب عن هذا الثنائي الذي ننعيه جميعا الدفاع عن كرامة مصر وسمعتها في المحافل الدولية عبر ما طرحوه من خلال أعمالهم اليومية من الكثير من القضايا، ولم يعبئا أبدا بالسلطة أو تعريض أنفسهما للمساءلات القانونية والقضائية حبا وإخلاصا لقضايا الشعب، وجاءت كثير من الشخصيات الكاريكاتيرية للوحات الراحل مصطفي حسين من بناة أفكار وابتكار الكاتب أحمد رجب حتي نجح معا في ابتكار الكثير من الشخصيات النمطية علي غرار نصوص الكوميديا العالمية ومنها شخصية ' عزيز بك الأليت، الكحيت، وكمبورة، وعبده مشتاق، ثم فلاح كفر الهنادوة بملامحه المصرية الأصيلة ومداخلاته الساخرة مع الرئيس ورجال الحكومة عند تقديم شكاواه وهمومه التي تعبر عن هموم الشعب، وشخصية أحمد نظيف ' وغيرها من الشخصيات النمطية الكثيرة التي ارتبطت بجمهور قراء صحيفة الأخبار عندما كانت تحمل لهم تلك الموضوعات البسمة والسخرية من الواقع أملا في تغيير المستقبل، ثم مسلسلهما الشهير ' ناس وناس ' خلال ثمانينات القرن الماضي وغيرها من الأعمال الثنائية الخالدة التي جمعت بين الريشة والقلم لثنائي لم تعرفه الصحافة المصرية علي هذا التميز من قبل. إن خسارتنا فادحة برحيل أحمد رجب عن عالمنا، ويالا المفارقة الواضحة عندما تتغيب الريشة فتلحق بها النصف كلمة ليغيبا عنا من أسس وأسهم بتلك الأعمال ويغيب أحمد رجب الذي يعتبر من أشهر الكتاب النقديين في تاريخ الصحافة العربية ومعه فقد فقدت مصر والعالم العربي كاتب عظيم وقلم أمين عندما كان بأعماله وكلماته الفلسفية المقتضبة يعبر عن ملايين الكلمات وتعبر نصف كلمته عن جريدة بأكملها حتي كان بذلك رمزا ساطعا ونجوما مضيئة في سماء الصحافة المصرية التي كان أهم ما يميزه فيها دفاعه الوطني عن كل القضايا التي تمس النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية للوطن بأسلوب يميز بالالتزام ويتحلي بالفضائل والمثل حتي أصبحت الصحافة علي يديه رسالة مقدسة بابتكاره الفريد في الصحافة لنصف كلمة وصاحبة الجلالة والفهامة التي كانت تشكل قوالب صحفية مستحدثة وأصبحت أول ما يهتم به القراء ويبدءوا به عبر اطلاعهم علي إصدارات أخبار اليوم، ولهذا كان الصحفي الراحل أحمد رجب صاحب مدرسة ساخرة ولاذعة في النقد حتي حصل علي الكثير من الجوائز التي كان آخرها اختياره لشخصية العام في مايو الماضي من مركز دبي للصحافة العربية، وفوق كل تلك الجوائز نال الراحل جائزة الحب الكبري والاحترام الكبير من جانب الشعب المصري وقياداته التي نعته اليوم كركن من أركان الصحافة المصرية، فقد نعته الرئاسة بأحلي الجمل القوية المعبرة، ونعته القوات المسلحة التي كان يعشقها، ونعاه رئيس الوزراء إبراهيم محلب، ونعاه كبار السياسيين والعلماء والمفكرين والشعراء والفنانين وكبار رجال الصحافة والإعلام في مصر والعالم العربي بسبب المكانة الكبيرة التي يستحقها ومدي الخسارة الفادحة لرحيله، ومن خلال النصف كلمة له عن الرئيس السيسي كتب لأكثر من مرة معبرا عن حفاوته البالغة بتلك الشخصية عندما هنئ مصر بخبر ترشيحه لأنه رآه ابتسامة جديدة مفرحة لكل المصريين، ثم كتب في أواخر كتاباته في نصف كلمته عن مصر فقال ' الآن يا مصر أموت مطمئنا عليك وعلي أهلي المصريين، إنني لن أوصي حاكما صالحا بأهلي ولكنني أوصيكم بحاكم يندر وجوده في هذا الزمان ثم ختم كلمته فقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين '، وكانت آخر نصف كلمة له بعنوان شيخوخة الموبايل والأزرار التي لا تنتهي وذالك بجريدة الأخبار الصادرة يوم 18 يوليو الماضي، ثم استأذن بعدها للقيام بأجازته السنوية دون أن يدري أنه لن يعود للكتابة مرة أخري، ومن مؤلفاته القوية ' كتاب يخرب بيت الحب ' عام 2014 وصدر من الدار المصرية اللبنانية للنشر وتقوم فكرته الأساسية علي العلاقة بين المرأة والرجل والمحرك الأساسي لكل ما يتعلق بهما من حب وزواج وغيرة وغيرها من القضايا، وأهدي مقدمة كتابه هذا لولدته وقال فيها ' إلي حبيبتي التي أعطتني كل الحب بغير حساب ولم تنتظر مني حبا بقدر ما أعطته لي '، ومن أعماله الشهيرة و الساخرة ' يوميات حمار، ونصف كلمة والفهامة '، ومن أهم مؤلفاته الأغاني للأرجياني، ومطرب الأخبار، وضربة في قلبك ونهارك سعيد، والحب وسنينه ' وغيرها من الأعمال الغزيرة والرائعة التي ستبقي خالدة في ذاكرة الأمة وأرشيفا علميا كبيرا ومتخصصا ينهل منه صحفيون وإعلاميون لكي لا ينسوا أبدا كيف أن الصحافة رسالة عظيمة.