تنسيق المرحلة الأولى 2025.. قرار من التعليم العالي بشأن تقليل الاغتراب    برلماني: المشاركة في انتخابات الشيوخ واجب وطني ورسالة لوحدة الصف    تجهيز 476 لجنة انتخابية ل«الشيوخ».. 12 مرشحا يتنافسون على 5 مقاعد فردي بالمنيا    بعد تأكيد الحكومة تجاوز الأزمة.. هل الأسعار في طريقها للانخفاض؟    الري: تنفيذ 87% من قناطر ديروط الجديدة.. وفتح بوابات قنطرة الإبراهيمية    في يوم حقلي بالبحيرة.. "الزراعة" تقدم هجن طماطم مصرية جديدة بإنتاجية عالية    عائلات المحتجزين الإسرائيليين تطالب حكومة نتنياهو بوقف «الجنون» في غزة    عبد المنعم سعيد عن منظمي الوقفات الاحتجاجية أمام سفارة مصر بتل أبيب: لا يستحقون عناء الرد    حكومة غزة: 73 شاحنة مساعدات دخلت القطاع يوم الجمعة ونهبت أغلبها    نقابة الموسيقيين تعلن دعمها الكامل للقيادة السياسية وتدين حملات التشويه ضد مصر    تفاؤل في لوس أنجلوس بإتمام صفقة سون    بدون ربيعة.. العين الإماراتي يهزم إلتشي الإسباني وديا    استقبال رسمي لبعثة التجديف بعد التألق في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    مهدد بالحبس.. القصة الكاملة لاتهام أشرف حكيمي بالاغتصاب خلال889 يوما    وزير الشباب والرياضة يفتتح ملعبًا بمركز شباب المعمورة - صور    انفاتينو يقضي إجازته في العلمين.. ومدبولي يهاتفه    إصابة 5 أشخاص إثر حادث انقلاب سيارة ميكروباص في الشرقية    تراجع منخفض الهند «عملاق الصيف».. بيان مهم بشأن حالة الطقس الأسبوع الجاري    إصابة 9 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص بالشرقية    حكم بعدم دستورية قرار وزاري بإنهاء عقود الوكالة التجارية لمجاوزته حدود القانون    حفل أسطوري .. عمرو دياب يحقق أعلى حضور جماهيري في مهرجان العلمين    نادية مصطفى تنعي محمود علي سليمان: رحل صاحب السيرة الطيبة والخلق الرفيع    ريستارت يصعد للمركز الرابع في شباك التذاكر.. والمشروع X يتراجع للمركز الخامس    وفاء عامر تنفي سفرها للخارج: أنا داخل مصر وأثق في نزاهة القضاء    رئيس جامعة بنها يصدر قرارات وتكليفات جديدة في وحدات ومراكز الجامعة    من الطور إلى نويبع.. عروض فنية ومواهب طفولية تضيء جنوب سيناء (صور)    لا تتسرع في الرد والتوقيع.. حظ برج الجوزاء في أغسطس 2025    أفضل أدعية جلب الرزق وقضاء الديون وفقًا للكتاب والسنة    ما حكم الدعاء داخل الصلاة بقضاء حاجة دنيوية وهل تبطل الصلاة بذلك؟.. الإفتاء تجيب    صلاة الأوابين.. الأزهر للفتوى يوضح أهم أحكام صلاة الضحى    الصحة: فحص 18.4 مليون مواطن ضمن مبادرة الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    الصحة تُطلق منصة تفاعلية رقمية بمستشفيات أمانة المراكز الطبية المتخصصة    ولادة طفل من جنين مجمد منذ 30 عاما|القصة الكاملة    3 مستشفيات تعليمية تحصد جوائز التميز من المنظمة العالمية للسكتة الدماغية    استجابة ل1190 استغاثة... رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر يوليو 2025    طعنة غادرة أنهت حياته.. مقتل نجار دفاعًا عن ابنتيه في كفر الشيخ    النقل: استمرار تلقي طلبات تأهيل سائقي الأتوبيسات والنقل الثقيل    «الخارجية الفلسطينية» تحذر من دعوات تحريضية لاقتحام واسع للمسجد الأقصى غدا    الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ 2025    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة سواحل مدينة كوشيرو اليابانية    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    تعرف على أسعار اللحوم اليوم السبت 2 أغسطس 2025    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    «خدوا بالكم منه».. إعلان عودة معلول ل الصفاقسي يهز مشاعر جماهير الأهلي    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



»الإخوان المسلمون«مصابون بالفشل الفكري!
نشر في الأخبار يوم 11 - 04 - 2011

ما أحوجنا إلي القراءة الكاشفة للمشهد الراهن، بقدر إحتياجنا الي القراءة الواعية التي تكشف المواقع الاستراتيجية في هذا الواقع الذي تختلط فيه الأوراق فلا يتبين منها الخيط الأبيض من الخيط الأسود إلا قليلا.. أبحث بدقة عبر هذه السلسلة من الحوارات الفكرية مع حملة مصابيح التنوير ومشاعل الإستنارة عن الحقيقة الزائغة والملتبسة بالأمشاج والأخلاط السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية والحياتية، فتغيم الرؤي بين أيدينا. ولا عزاء إلا لدي المشتغلين بالفكر الجاد، والباحثين عن الصورة الأشمل الأعم وتفكيكها وصولا إلي نقطة ظوء في النفق الذي لا أقول مظلما، ولكنه ضبابي وغامضا أكثر من اللازم، الأمر الذي يلجؤنا إلي أحد قادة الفكر المشهود له بالنزاهة في التحليل والحيدة في الطرح، والإستقلالية في الرؤية، والشجاعة في اقتحام المحظور.
هو المفكر السياسي والاستراتيجي الأستاذ »السيد ياسين« الذي وضع علي رفوف المكتبة العربية عشرات المؤلفات الثمينة والسمينة، ومئات المقالات والأطروحات التي تشبه»الأوتاد« في الأرض المعرفية والعرفية التي تميد بنا كثيرا بين »التفكير« و»التكفير« حتي لتتمايز بأن متغيراتها أكثر من ثوابتها، فيختل »الميزان« ليتأرجح بين الوهم والحقيقة، وهنا تتجلي الإشكالية الكبري، لذلك بادرت محدثي الكبير مشعلا هذه الومضة، مع أنه هو الذي بادرني بالسؤال عن شاشة الواقع:
من السلطوية إلي الديمقراطية
في الساحة الآن متعارضات مثيرة وكثيرة: الثورة والفعل المضاد الثورة.. ملاليم وملايين.. بلاغات وأطنان من الاتهامات ولايقين إلا اليقين مراوغ.. تمهل بحثا عن الحقائق واستعجال وصبر غير جميل.. ثأر بايت ودم بارد.. دين وديناميت.. أمن ولا أمان.. عودة الي الوراء بقوة عنيفة تشد المجتمع ودفع صخري إلي الأمام.. و..و.. ثنائيات مرعبة؟
نحن في مرحلة انتقال من السلطوية إلي الديمقراطية، وهي مرحلة شهدها كثير من المجتمعات التي تحولت من الدكتاتورية إلي الديمقراطية، ومرحلة الانتقال تثير مشكلات متعددة أجملها في غيبة قواعد المنهج بالاصلاح السياسي، انك تريد تفكك السلطوية تفكك ماذا؟ وتترك ماذا؟ سؤال خطير، كيف ستقصي عددا من الرموز السياسية التي أفسدت الحياة السياسية أو الفاسدين؟ أم أنك تريد أن تنحي طبقة سياسية كاملة كانت تعمل بالسياسة في ظل الحزب الوطني.
المسألتان مختلفتان.. فقد رأينا في حالة العراق صدر قرار باجتثاث حزب البعث العراقي فانهارت الدولة، لماذا؟ لأن الحزب الواحد عندنا الوطني الديمقراطي كان ميراث ثورة يوليو 2591 التي بدأت التنظيم السياسي الواحد فيها بهيئة التحرير ثم الاتحاد القومي، ثم الاتحاد الاشتراكي العربي، الذي الغس في عصر الرئيس أنور السادات وأنشأ حزب مصر الاشتراكي وحوله إلي الحزب الوطني الديمقراطي، هذه أحزاب مرتبطة بالسلطة يدخل فيها آلاف الناس، سواء من أجل مناصب أو اتقاء غضب السلطة أو حزب السلطة، لا أستطيع القول أنه عندما ينقلب النظام في الثورة، أن أنحي كل المشتغلين بالسياسة، هذا كلام قد يؤدي إلي انهيار الدولة في ذاتها، فكثير من كوادر الدولة كانوا أعضاء في الحزب الوطني، إذن يظل هنا الاختيار الاستراتيجي مهما جداً، ولذلك نقول إنه لابد من تنحية القيادات والفاسدين من الرموز السياسية للحزب الوطني الديمقراطي التي أسهمت في إفساد الحياة السياسية، ونحاكمهم أيضا، إنما لا ينبغي القول بأن كل من كان عضواً في الحزب الوطني أعزله من منصبه الحكومي أو الإداري، المسألة تصبح جد خطيرة هنا، معناها اني أفكك الدولة، هذه هي المشكلة الأولي.
المشكلة الثانية: هل يحل الحزب الوطني أم نتركه لجماهير الناخبين؟ ثمة قضية مرفوعة لحل الحزب الوطني، استقالت استقالات قياداته المعروفين كما نعلم، وأصبح نمرا من ورق، انتهي، وإنما في تيارات تقول لابد من حله، لم يعد له قيمة، والقول بأن عدد أعضائه ثلاثة ملايين عضو هو كلام وهمي، بصيغة المبالغات في أعضاء الاتحاد الاشتراكي زمان.
وتفكيك النظام السلطوي المصري عملية بالغة التعقيد، تحتاج إلي منهج واضح محدد المعالم، وإلي بصيرة نفاذة قادرة علي التمييز الواضح بين ثلاثية الثورة بأبعادها الزمنية الثلاثة، ونعني الماضي والحاضر والمستقبل.وأكبر المخاطر علي الثورة هو ألا يتم بشكل متوازن تقسيم الجهد الثوري، والذي تحول لكي يصبح جهدا مجتمعيا تشارك في إنجازه كل الأطياف السياسية والفئات الاجتماعية.ونعني بذلك علي وجه التحديد أنه لا ينبغي توجيه طاقات الثورة لتصفية الحساب مع الماضي مع أهميته القصوي، وإهمال تحديات الحاضر، وتأجيل التفكير في آفاق المستقبل.والواقع أن تصفية الحساب مع الماضي ينبغي وبالاستعانة مع خبرات الدول الأخري التي انتقلت من السلطوية إلي الديمقراطية ألا تؤدي في النهاية إلي تفكيك الدولة ذاتها!
القضية الآن كالتالي: من الذي نريد ؟ ومن الذي نبقي عليه؟ طبعاً لأن التأثير السلبي للسلطاوية كما أثر في نفوس الناس ان السلطوية معناها ببساطة القمع السياسي، الانفراد بالسلطة، الانفراد باتخاذ القرار، منع المبادرات الاجتماعية، منع الحركة الاجتماعية، الناس انفجرت بعد الثورة، وتفجرت مطالبها، رأينا المطالب الفئوية في مطالب سياسية عبرت عنها ثورة 52 يناير، الحرية السياسة الديمقراطية العدالة الاجتماعية واحترام الكرامة الإنسانية، هذه الثورة الفريدة في تاريخ العالم أتمت إنجازاتها الفريدة، في سلميتها وشمولها وفي حسمها، ثورة قامت بها طليعة من الشباب سرعان ما انضمت لها جموع الشعب، استطاعوا إسقاط النظام في 81 يوماً، مسألة لا سابقة لها في التاريخ، فهي أول ثورة تتم عن طريق »الفيس بوك« هي ثمرة من ثمرات ثورة الاتصالات شبكة الانترنت والفيس بوك والمدونات، ثورة ليست لها قيادة، وليست لها أيديولوجية سياسية محددة.
هي ثورة في الأصل
نعم .. وليس لها قيادة حتي الآن، ولا فيما من بعد، هي من جماعات مختلفة، وعندما ألح الرأي العام عليهم شكلوا ائتلاف شباب الثورة، وهذا له تفسير.
ما هو؟
هم نظموا أنفسهم في الشبكة الدولية للمعلومات والتفاعل في الشبكة هو تفاعل أفقي وليس رأسيا، بمعني أنه تفاعل يقوم علي الندية وإحترام الآخر، فلا رئيس ولا زعيم، يقال لك هذا مقال علق عليه، فالتعليق هو مقياس التفاعل مع النت
فالنص الفردي يتحول إلي نص جماعي حيث لم يعد ملكا لكاتبه أو مؤلفه، هناك نقد وتعقيبات تتراوح بين المدح والعنف، فالتأليف أصبح جماعيا وليس نصا منفردا، لذلك فالنصوص علي الانترنت لها طابع خاص، النص الأصلي والنصوص الإضافية ومن أجل ذلك فالمبادئ ما بعد الحداثة ذات إتجاه فلسفي، هناك شعار كان مرفوعا اسمه موت فأنت ككاتب النص أو كمؤلف أو كشاعر أو كأديب لا شأن لك به، من خلال عملية التنقي النص أصبح ملكا للقارئ يؤوله ويفسره كما يشاء، نحن في إطار عصر جديد وهذه الثورة 52يناير بنت هذا العصر الجديد بنت ثورة الاتصالات أن تنسخ الثورة وتنظم ويخطط لها ويتم الحذف الحذف إلي آخره ، فهو جزء من فرادة هذه الثورة الفريدة.
فريدة بمعني؟
حن إزاء ثورة مخططة لم تنته بعد لكنها كانت غير متوقعة النتائج، وأصبح ميدان التحرير يوتوبيا شباب 52 يناير، وبها وصلنا للحظة الاختمار الثوري المتمثلة في محاربة الفساد في كل المجالات وتصاعد نبرة النقد السياسي والاجتماعي وانتقالها من الآباء للأبناء، وقد كان لثقافة الصورة تأثيره الخطير علي الوجدان وكذلك ثقافة العمل الجمعي.
لكن.. لماذا لم نفرح كما ينبغي لهذا الفرح؟ لماذا هذا الانكسار؟
أنا لست واثقا من هذا، إنما الذي حدث بعد الثورة مباشرة هو فرحة الانتصار بلا شك، حدث انفجار اجتماعي تمثل في مطالب فئوية واعتصامات ومظاهرات ونوع من الفوضي وعدم الإنضباط، ربما من تأثير الكبت الطويل المدي، كان المصري عاجزاً عن التعبير عن نفسه بحرية وانطلاق، أو ممنوعا أو مقموعا، سواء علي مستوي طرح مشكلاته الفردية أو علي مستوي شرح مشكلاته الجماعية، لابد أن نلاحظ أنه كان هناك مقدمات للثورة في السنوات العشر الأخيرة، تصاعدت حدة النقد السياسي والاجتماعي للنظام، بشكل مفتوح، خصوصاً الصحف المستقلة وفي الصحف القومية، وقد صدر لي كتاب »مصر بين الأزمة والنهضة« ومنذ العام 7002 وأنا أنشر مقالات منتظمة متضمنة نقدا عنيفا في سلبيات النظام، وأهم من ذلك الاحتياجات والمظاهرات المطلبية التي تمت آخر عشر سنين، تقعد أسبوعا وأسبوعين أمام مجلس الوزراء،هذا كله كان يعبر عن الاختمار الثوري، وعن مقدمات الثورة، إنما عندما تفجرت الثورة فكأنها أزاحت العقبة الكبري في تعبير المصري عن ذاته علي المستوي الفردي والمستوي الجماعي، فانفجرت المطالب الفئوية، وحدثت تجاوزات لا حدود لها، جعلتها مطالب غير معقولة، من المرتب والدخل وآخره لكن المطالبة بفصل جميع قيادات النظام القديم كلها، كانت بشكل غير دقيق، أعتقد أن هذا المناخ أدي إلي إحساس الناس بالقلق، قلق من عدم انتظام الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وقلق من الانفلات الأمني، ومن انفلات السلوك الجماهيري، هذا السلوك تجاوز أعرافا وقيما متعددة، كأن نري شركات يريد موظفوها إقالة رئيسهم، وكأنه ليس هناك قواعد يمكن علي أساسها محاسبة الناس هذا هوالمناخ السائد في ذلك الوقت .
الفساد علي نفقة الدولة
ذكرت تعبير»الاختمار الثوري« عندما نسترجع العشرين سنة نجد المفكرين وأصحاب الرأي تفهموا فهما فعالا لهذا الاختمار هل توافقنا الرأي في أن الثورة لم تكن منبتة الصلة عما سبقها من ارهاصات وتحولات وتمهيدات عديدة.. الأمر الذي يؤكد مقدرة الكتاب والمفكرين والفنانين علي استشراف الأحداث والتنبوء بالتحولات قبل أن تقع الكوارث وما أكثرها؟
أوافق علي رؤيتك هذه لسبب بسيط، هذا يتعلق بشخصية المثقف الحقيقي وليس المزيف، هناك مؤلف فرنسي اسمه جوليان بندا« أصدر كتابا في ثلاثينيات القرن الماضي عنوانه »خيانة الكتبة« يفرق بين الكتبة والكتّاب، الكتاب هم الذين يعالجون أمور المجتمع بشكل نقدي، أما الكتبة فهم العاجزون عن النقد أو الممالئين للنظام،
الكتاب في مصر والمثقفون المجيدون قاموا بدور حقيقي في التحضير لهذه الثورة عن طريق ممارسة ما أسميه »النقد الاجتماعي الملتزم« وهو ليس مجرد الكشف عن الأخطاء أو السلبيات، وإنما هو إعطاؤها التكييف الصحيح، لا تقل لي هناك خطأ في تطبيق القانون ،لا.. إنه فساد، وقد كتبت مقالة منشورة قبل الثورة بمناسبة العلاج علي نفقة الدولة كانت بعنوان »الفساد علي نفقة الدولة« قلت هذا فساد بالقانون، فساد علي نفقة الدولة، لا يوجد مكان في العالم توزع فيه الملايين بهذا الشكل وتصرح الدولة للناس بأن يتاجروا فيها، إذن المثقف النقدي في مصر، سواء كان مفكرا أم صحفيا أم كاتبا، في رأيي عدد كبير منهم مارسوا وظيفتهم النقدية الأصلية وممارسة النقد الاجتماعي بتوجهاته المختلفة.
هذا يجعلنا نتطرق إلي ثنائية المثقف والسلطة وهذا الموضوع شغلك كثيرا ويشغلنا كلنا، العلاقة بين السلطة والمثقف متي يكون الاقتراب و متي يكون الابتعاد؟ وإلي أي حد أصبح هذا السؤال تقليديا؟.
دائماً أقول: أي مثقف وأية سلطة؟ أنا من الذين وافقوا علي المشروع الناصري، لاقتناعي به أنا دخلت كلية الحقوق سنة 3591 وعشت بوعي مرحلة النظام الملكي، وكنا نحلم بالثورة 6491كان هناك مشكلتان عجز عن حلهما النظام القديم، المشكلة الوطنية تتعلق بإجلاء الانجليز، والمشكلة الاجتماعية التي تتعلق بالفجوة الطبقية الكبري بين الأغنياء والفقراء، الوزارات المتعاقبة في ظل النظام الملكي فشلت في حل المشكلتين، وكنا في انتظار تغييرا، ما شكله؟ لم يكن واضحا، لكن في النهاية كنا بنحلم بالتغيير، ولابد أن يتم، والدليل أن القوة الوطنية المصرية وضعت مشروعاً للإصلاح الاجتماعي في مصر، كشفت عنه علي سبيل المثال تشريعات أو اقتراحات بقانون الإصلاح الزراعي، كان هناك ثلاثة مشروعات للإصلاح الزراعي مشروع ابراهيم شكري،ومشروع محمود خطاب، ومشروع جماعة النهضة القومية لابراهيم مدكور، انقلاب الضباط الأحرار أسميه انقلاب 2591 تحول إلي ثورة لأنه تبني مشروع الحركة الوطنية المصرية للإصلاح الاجتماعي.
كنت كمثقف شاب في ذلك الوقت كنت من أنصار الثورة ،وعلاقتي كمثقف بالسلطة، سلطة وطنية لديها مشروع قومي هو تحقيق العدالة الاجتماعية وتنمية مصر، منطقي انني أوافق علي خطتها، وأساعد علي تنفيذ هذه الخطة، إنما بصورة نقدية
في عام 6691عقدنا مؤتمر المبعوثين في الاسكندرية حضره جمال عبدالناصر وجميع القيادات ووجهنا النقد العنيف للقيادة السياسية علي أساس تقصيرها في مجال الديمقراطية وفي مجال التنمية، معني ذلك أننا لم نكن كمثقفين موافقين علي المشروع الناصري، فانتقدنا بنظرة نقدية، تناولت سلبيات الطبقة الجديدة، وعقدنا ندوة في السفارة المصرية في فرنسا وكان معنا د.حسن حنفي وحسام عيسي وغيرهما، هذه هي علاقة المثقف بالسلطة. فليس هناك قانون عام يحكم هذه العلاقة .
وعندما جاء عهد أنور السادات كنا معه في تحرير الأرض، لأنه أصدر قرار العبور، سلطة وطنية ما في ذلك شك، برغم المطالبات بالحرب، في الوقت الذي كان يخطط للحرب فعلاً، لكن عندما حدث »الانفتاح« الذي وصفه آنذاك الكاتب أحمد بهاء الدين بإنه »سداح مداح« اختلفنا معه، وكانت »كامب ديفيد« بالنسبة لي هي تحرير الأرض شبرا شبرا، فكنت موافقا عليها لهذه الحكمة، وما لم تحققه في طابا أخذنا بالتحكيم انتهت القضية، أما حكاية إخراج مصر من الصراع، فهو كلام ليس له علاقة بالسياسة الحقيقية، مصلحة مصر هي الأساس، هذه الأرض، رئيس الجمهورية الذي لا يستطيع تحرير أرضه يفقد شرعيته.
أما شرعية عهد حسني مبارك فقد استمدها من شرعية ثورة يوليو 2591 وشرعية أكتوبر 3791 بدأ العمل بعقد مؤتمر اقتصادي وانفتح علي الآراء المختلفة وطلب مساعدة الناس فساعدوه وشاركوا معه، ثم عبر الزمن تدهور هذا النظام وأصبح غارقاً في الفساد، وأصبح نظاما سلطويا يقوم علي استبعاد كافة القوي السياسية، علي تزوير الانتخابات، علي الفساد والإنفراد بالرأي، انتهي النظام، وسقط تحت ضربات ثورة 52يناير.
الشرعية والضبابية
ثمة ثلاث شرعيات في الأنظمة العربية: الشرعية الثورية، والشرعية النضالية، والشرعية التقليدية.. والآن شرعية 52 يناير؟
نعم شرعية الثورة أسقطت شرعية نظام مبارك، ثمة شرعية 52يناير 1102 الضبابية الموجودة في الوقت الحالي لا تصلح بكثير عن هذه الشرعية كعمل مؤسسي في مرحلة مفترق طرق ، نحن في صراع إرادات سياسية، صراع في الرؤي السياسية، وقد ظهر خلاف حول التعديلات الدستورية، ثمة خلاف في المجتمع السياسي في مصر، والخلاف ليس ضارا بالضرورة، بل هو دليل علي الانفتاح الديمقراطي، نحن نمارس الديمقراطية لأول مرة في إطار سلمي، واحتكمنا إلي الصندوق في شفافية كاملة ولأول مرة يخرج المصريون للاستفتاء بهذا العدد الكبير، كان فيه إحساس بالمصرية وأن صوت المصري له قيمة في ذاته، وهو سعيد بكل إرادته، ومعه أسرته، وكان تعبيراً بليغاً عن فرحة الشعب بإنجاز ثورة 52يناير.
خلافات لا حدود لها علي خطط الطريق، حتي نصل للحكم المدني، وحتي يتمكن المجلس الأعلي للقوات المسلحة من أن يؤدي مهامه، وبالمناسبة القوات المسلحة تؤدي دورا بطوليا مجيدا في هذه المرحلة، من أول ضمانه للثورة واحتضانه لها من أول لحظة حتي الآن، وهذه ليست مهمته لكنه يقوم بها خير قيام، هناك اختلافات بين النخب السياسية، اختلافات حول خطة الطريق: هل نلغي الدستور كله ونسقطه، ونضع دستورا جديدا من الأول، وبناء عليه نقيم انتخابات برلمانية ورئاسية، أما نفعل مثل ما نفعل الآن؟ في الانتخابات الغالبية قالت نعم، ومنهم من قال لا، صدر الإعلان الدستوري، وستتم الانتخابات البرلمانية، ثم الانتخابات الرئاسية، حجة من قالوا: لا، أن الفترة غير كافية، لكن القوة المنظمة الوحيدة هي »الإخوان المسلمون« والآخرون غير منظمين، ثمة خوف أن يهيمن الإخوان المسلمون والجماعات الدينية علي الموقف، وفي النهاية سيكون الصندوق هو الحكم في ظل الديمقراطية في مصر.
عملية بالغة الصعوبة
أنت تشير دائما في أطروحاتك السياسية عبر الخمسين سنة الماضية إلي صعوبة التحولات الديمقراطية في المنطقة العربية عموماً؟ بل في العالم كله؟
في مصر هنا فيه صعوبة في التحول إلي الديمقراطية..
نعم هذا جزء من العملية لأن الانتقال من السلطوية إلي الديمقراطية في العالم كله، عملية بالغة الصعوبة.
لها ضحايا ؟ نعم.. أنت تصفي مواريث قديمة تخضع لأساليب عمل انتهت، تسقطها بتأسيس لأساليب عمل جديدة، موقف جديد في اتخاذ القرارات، وهل كان أحد يستشير أحدا من قبل في أي قرار؟! الآن ثمة جدل بين السلطة وبين الشارع السياسي، لأول مرة، هذا تحول جديد، جديد اللي هو نمط إصدار القرارات بمشاركة شعبية وهذا أملي أن تتطور الديمقراطية الحرية في المستقبل، أنا لا أحلم بديمقراطية مصرية لا سابقة لها.
بمعني؟
أنا رأيي الخاص أن الديمقراطية التمثيلية التي تمثل الشعب لا تكفي، فأن أرشح أو أنتخب نائبا عني فقط ، لا، أنا أريد وسيلة تسمح لي بمراقبة أدائه، والإعتراض عليه أثناء مدته، وأريد وسيلة تمكن المصريين من المشاركة في اتخاذ القرار من أسفل وليس من أعلي.
كيف؟
عن طريق»الديمقراطية التشاركية«.. مؤسسات المجتمع المدني.. مجالس محلية جديدة وحية وعفية، تصدر منها قرارات علي المستوي القاعدي، أريد الديمقراطية القاعدية التي تكفل لي مراقبة الأداء أثناء عمل المجلس، أحلم بمجلس شوري مختلف في تكوينه.
هل تري ضرورة لتشكيل مجلس شوري؟
نعم.. لكن مختلف، ليس بالتعيين ولا بالانتخاب، إنما بالاختيار، تختار أعضاءه مؤسسات المجتمع المدني وتجمعات المثقفين و روابط الفنانين واتحادات هيئات التدريس والنقابات، تختار فيه أعظم العقول المصرية، وفي هذا مجلس توضع السياسات الاستراتيجية التي سيخرجها مجلس الشعب في شكل تشريعات وقوانين. ومجلس الشعب؟
أنت هنا تراهن علي مستقبل، لا علي حاضر محتمل، بعض الإخوة السياسيين يقولون ستأتي تركيبة مجلس الشعب مثل تركيبته الماضية مع بعض التغييرات، لكني أتحدث عن الديمقراطية في العشر سنوات المقبلة، وليس المرة القادمة.
أنت لا تريد البكاء علي الأطلال؟
أنا أتحدث علي تصورات ستحصل في المجتمع، وهي إنشاء أحزاب جديدة عفية وشابة تستعرق خمس سنوات علي الأقل حتي تتجذر في المجتمع، ويكون لها جماهيرها، وبالتالي لن أغضب لو جاء مجلس الشعب الجديد غير مختلف كثيرا عن مجلس الشعب السابق ما عدا سياسات مختلفة في ظل الثورة والقيادة الجديدة، إذا أردت تمثيلا جديدا فلابد من وجود أحزاب جديدة، برؤي مستقبلية جديدة.
الإفلاس الفكري للإخوان
ذكرت وانت المثقف المستقل ان الحركات الإسلامية تشكل أكبر معوق في طريق الديمقراطية، تري في ظل هيمنة ما يسمي بالقوي الإسلامية وتفرعها إلي خلايا ودوائر ليست متعارضة في باطنها، وإن بدت متفرقة علي السطح؟ مرشد الاخوان السابق منذ اليوم الأول لانطلاقة ميدان التحرير وغبطته الصفراء بالسيطرة علي الميدان وتحقيق حلم الدولة الدينية الذي بات وكأنه أقرب من حبل الوريد، ثم الإشارات الهزيلة الي عدم الطمع في الرئاسة، وتحول هذه الإشارات بسرعة الي بيانات واضحة متنمرة للقفز علي كرسي السلطة.. ولو بعد حين؟.
أحد النتائج غير المتوقعة لثورة 52 يناير، أنها حلت لنا مشكلة الإخوان المسلمين، التي هي أكبر معوق في طريق الديمقراطية، هذه الجماعة منظمة تنظيما هائلا، لكن ليس لديهم فكر سياسي ولا فكر اجتماعي، عندهم فشل فكري، وإفلاس فكري، ادرس موضوعاتهم الفكرية منذ رسائل الإمام حسن البنا، رحمه الله، حتي ظهور سيد قطب، ما بين رسائل حسن البنا والكتابات التكفيرية هناك فراغ موحش، لا شيء، لاتوجد كتابات تبين ماهية مشروعهم، كلام غامض، وكتاب»معالم علي الطريق« هو»مانفيستوالإرهاب والتكفير« أنه فكر إرهابي، هم تنصلوا منه لكن لم ينقدوا فكر سيد قطب حتي الآن، ليس لديهم فكر حتي نناقشه، هناك شعار غامض فارغ من المضمون اسمه »الإسلام هو الحل« لكني أقول إن سياسة النظام القديم معهم كانت سياسة عقيمة قامت علي أساس الاعتقالات والمصادمات والمصادرات، لم تكن مواجهة فكرية انتهي النظام القديم والحمد لله وسمح لهم بالعمل الحر والطليق، وهذا واحد من إنجازات ثورة 52 يناير، علي باقي الأحزاب السياسية أن تتنافس مع الإخوان في الشارع السياسي، فلا يوجد اقصاء، وأنا ضد إقصاء أي فصيل سياسي طالما لا يستخدم البلطجة أوالعنف ولا يلجأ إلي الفتنة الطائفية، فالذي يريد أن يمارس السياسة فليمارسها في حدود الدستور والقانون، وفي هذه الحالة علي الأحزاب الأخري المخالفة للإخوان أن تتصارع معهم فكريا وسياسيا.
لصالح من؟
لصالح الحقيقة والمجتمع ، إنهم يقولون»إحنا أحسن ناس« و»الإسلام هو الحل« علي الأحزاب المنافسة أن تكشف أن هذا الشعار فارغ من المضمون، وأنهم بتجربتهم البرلمانية 88 عضواً لم يقدموا شيئا ذا بال في المجلس قبل السابق »ماشفناش فكرهم يعني ولا حاجة« وعندما دخلتم المجلس ما هي المشروعات والرؤي الإسلامية المختلفة عن النظام القديم؟» ولا حاجة« هل فيه رؤي إسلامية للتكنولوجيا!وتطويرها، وإدارة البورصة؟! »عايز افهم يعني« ! ومن ثم أقول إن الأحزاب السياسية مدعوة للصراع الفكري والسياسي مع الإخوان المسلمين والجماعات الدينية الأخري، فهم يريدون الدول الدينية رغم إنكارهم ذلك.
كيف تري وجود حزب إسلامي في مجتمعنا بالذات، ولماذا لا يقابله حزب مسيحي، وهذا حق، هل هي هيمنة علي المجتمع واستغلال غير إيجابي للدين؟
هم يقولون حزب سياسي بمرجعية إسلامية، هذا كلام غامض، ولذلك قلت لصديقي أبو العلا ماضي لا تقل »بمرجعية إسلامية« ولكن قل »بمرجعية دستورية« لأن المادة الثانية في الدستور حلت لك المشكلة بيقول مبادئ الشرعية الإسلامية هي الأساس في التشريع ، لا يوجد تناقض في هذه المادة والدولة المدنية، فكونها حددت الشريعة الإسلامية كمصدر اساسي للتشريع لا يتناقض مع روح الدولة المدنية، فهذا توجيه عام، والمادة تقول مبادئ الشريعة الإسلامية وهي الموجهات العامة فمثلا هناك مبدأ في الشريعة يقول لا ضرر ولا ضرار أي الالتزام بعدم التعدي علي الحقوق ، فالمبادئ أمر وتطبيق تفصيلات الشريعة أمر آخر، لذلك فإن الأحزاب دينية ليست مطلوبة، إنما المطلوب أحزاب سياسية وفقاً للدستور.
سر التخبط الموجود في البلاد
أود أن تحل هذه المتعارضات: التفكير والتكفير، الدين والديناميت، الأصالة والمعاصرة، الجمود والتحرر، منابر العلم وعشوائيات الفكر.. حالة من السيولة الاجتماعية المربكة والمرتبكة.. فإلي متي؟.
ردي عليك هو ما قلته في آخر لقاء جمع الرئيس السابق ومجموعة من المثقفين وأنا واحد منهم: د.جابر عصفور ود.فوزي فهمي وصلاح عيسي ومحمد سلماوي ويوسف القعيد، وهم شهود علي ما قلت، قلت له:»مصر ليس فيها رؤية استراتيجية، وهذا سر التخبط الموجود في البلاد والأصل أن يكون هناك مجلس أعلي للتخطيط الاستراتيجي«.
فما تراه من سيولة هو فوضي وتضارب في الرؤي، ان مصر ليس لها مشروع، دول كثيرة لديها مشاريع قومية، اشمعني مشروع إسرائيل0202 أمريكا لها وثيقة مشهورة التخطيط الكوني للعام0202 ماليزيا، سلطنة عمان، وغيرها، مصر كان فيها خطة استراتيجية بدون رؤية استراتيجية محددة تحدد التوجهات في العشرين سنة القادمة في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة ستظل حالة السيولة هذه قائمة فيها.
مقولة شائعة ليست صحيحة
لكن لماذا ندور بعد مائة عام من التنوير حول نفس القضايا التي انشغلت بها النهضة في بدايتها مطالع القرن الماضي.. ماذا تقول أنت؟.
لا ليست نفس القضايا، هذه مقولة شائعة، لكن ليست صحيحة، فأية قضية مطروحة لابد أن نناقشها في سياقها التاريخي قضية التقدم والتخلف التي ناقشها الطهطاوي، هي ليست نفسها الآن، هناك جدل بين السياق التاريخي والسؤال قبل 2591 كان فيه أسئلة غير مطروحة اليوم لماذا؟ كان هناك حزب شيوعي مصري وحركة شيوعية تدعو للاشتراكية والتأمين إلي آخره، كان الجدل جدلا نظريا، بعد ثورة يوليو 2591وتجربة الاشتراكية المصرية صارعندك خبرة حياتية والتطبيق حدث وعرفت السلبي والإيجابي، من هنا يصبح الرد علي السؤال ليس بالتأمل النظري، لكن من واقع التحليل النقدي والخبرة الحياتية والتاريخية.
هل لدينا مشروع قومي نلتف حوله؟
لا.. طبعاً.
هل تنادي به ؟
هذا هو المشروع القومي : صيغة رؤية استراتيجية لمصر تضعها صفوف النخبة من كل التيارات السياسية والفكرية.
لكن لا ينبغي أن يكون بعيداً عن المتغيرات الدولية وأنت الذي شغلتك ظاهرة العولمة؟
هذا جزء منها، إنها نقطة البداية، كما ذكرت في كتابي »الخريطة المعرفية للمجتمع العالمي« علي أساس أنه لا يمكن لدولة ما أن تصوغ مشروعاً مستقبلياً لها بغير دراسة نقدية لتغييرات العالم في التكنولوجيا والاتصالات والسياسة والاقتصاد والثقافة، بناء علي هذه الرؤية النقدية تستطيع أن تضع مشروعك الخاص في غير انعزال عن العالم، لكن بتميز عما يدور في العالم، هذه خصوصيتك الخاصة، بناء علي فهم فقه التغير في العالم إن صح التعبير.
في أي عصر من التاريخ أنت تعيش؟
في عصر الانتقال من الشمولية إلي الديمقراطية علي مستوي العالم.
معايشة فكرية أم تاريخية؟
معايشة عصرية نعيش في عصر انتقال سقوط الاتحاد السوفيتي كان إيذاناً بسقوط الشمولية، هذا الكلام كتبته وقلت انتهت الشمولية إلي الأبد، واذا بقيت بعض قلاع السلطوية ، ستسقط ، وهذا ما حدث، فقد سقطت في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، هذه القلاع السلطوية ستسقط في عصر الانتقال من الديكتاتورية إلي الديمقراطية.
صاحب غزوة الصناديق.. مثالا
تشغلك هموم المجتمع أكثر من أي مفكر معاصر حتي أنك تتبني اتجاه التفسير الاجتماعي في الأدب هل تكثف مشهد هذه الهموم والعذابات؟
في المجال السياسي مشكلتنا هي الانتقال من السلطوية إلي الديمقراطية، المسألة في دائرة الصعوبة لتحققها تحتاج وقتا لماذا؟ ليس المسألة مسألة تغيير قانون الانتخابات، ولا إلغاء مجلس الشعب المزور، لا..، لابد من تغيير الثقافة السياسية للمجتمع، ومجموعة القيم السلوك، بمعني أن الناخب الذي كان يبيع صوته يتوقف عن بيع صوته، تأثير المال علي السياسة ينتفي، تأثير العصبيات السياسية سينتفي، هذا يحتاج وقتا، لكي تغير من الوعي العام وترتقي بالوعي العام وترسخ قواعد ثقافة سياسية جديدة تأخذ وقتا، من أجل ذلك فإن الانتقال من السلطوية إلي الديمقراطية عملية طويلة المدي، تريد أن تقضي علي الأمية 83٪ هذا الناخب الأمي الدي تضع له علامات الجمل والعجلة والهلال، هل عنده القدرة علي الفرز والاختيار بين مرشح وآخر، أنت عندك مشكلة إذن في الجانب السياسي من المشهد: كيف تنتقل وتعبر عبورا آمنا إلي الديمقراطية؟ مسألة تحتاج مجهودات: سياسة ثقافية وسياسة اقتصادية وسياسة سياسية.
تعال إلي الجانب الاجتماعي، أنا سئلت منذ ثلاث سنوات في برنامج »حالة حوار« كيف تلخص المشهد الاجتماعي الراهن؟ قلت عبارة واحدة قياسا علي العبارة اللي قالها شيخ الأزهر في نقده للنظام الملكي القديم قبل 2591 قال: »تقطير هنا وإسراف هناك« وفي ضوء هذه العبارة قلت :» منتجعات هنا وعشوائيات«.
في الجانب الثقافي.. نري سيادة الفكر الديني المتخلف، والرؤي الدينية المغلقة، مثل هذا الرجل اليعقوبي صاحب »غزوة الصناديق »واللي مش عاجبه يروح كندا أو استراليا« هذا فكر متخلف من أصحاب اللحي المتخلفين، المشكلة أن لهم سيطرة علي قطاعات واسعة من الجماهير غير المثقفة وغير المتعلمة.
وفي الجانب الاقتصادي.. لابد من مراجعة السياسة الاقتصادية لمصر وإدخال بعض العدالة الاجتماعية .. هذه هي المشاكل الحقيقية.
هل توافق علي تعبير »الثورة المضادة«؟
المصطلح في علم السياسة صحيح، الثورة المضادة بحسب التعريف معناها الفعل، لكن التعبير خطأ وترجمته عن الانجليزية »الفعل المضاد للثورة« وحتي نضيق البحث، نقول أن الأفعال المضادة للثورة ينبغي أن يحاصر أصحابها وأن يتم تجريم أي فعل يبدو مضاداً للثورة ومبادئ الثورة ينبغي محاصرته وكشفه، أما المطالبات الفئوية فهي ليست أفعالا مضادة للثورة إطلاقاً، نعم فيها مغالاة، وتوقيتها غيرمناسب، إذ لابد من إعطاء الفرصة للوزارة لكي تعمل، نحن نتحدث عن أفعال وسلوكيات تحول تعويق مسار الثورة.
اطلقوا سراح العقل العربي
لو أطلقنا النظر إلي المشهد الثوري العربي من زلزال المشهد المصري.. كيف نطلق سراح العقل العربي؟ في ظل ما يحدث من ثورات في العالم العربي:الآنية والآتية؟
ما هو عنوان كل هذ الثورات؟ إنه الديمقراطية : حرية التفكير حرية التنظيم، انتخابات دورية شفافة، تداول السلطة، لو طبقت هذا فأنت وضعت نفسك علي عتبات الحداثة بالمعني الحقيقي للكلمة، حرية الفكر وحرية الحوار تجعلني أفند حجج أصحاب العقول الدينية المغلقة، وأصحاب مشاريع الدولة الدينية ومشاريع الخلافة، هناك معركة فكرية تدور، نحن لم نزل في بدايتها، الذين أرادوا أن ينقضوا علي الثورة وسقطوا عليها، هؤلاء سندخل معهم في معركة لأنهم يريدون أن يسلبوا روح 52يناير، ويضفوا عليها الطابع الديني المتخلف الطابع الديني المتخلف مثل دولة الخلافة!.
أغبي الناس سياسيا
هل أستطيع أن أقنن هذه الرؤية بمعزل عن الأطراف الخارجية، ولعبة الفوضي الخلاقة، وإشعال الحريق في العالم العربي
أنا لا أريد الدخول في الجانب التآمري.
لماذا؟
لأن الجانب التآمري سيدخلنا في ضروب ليست مدروسة، الجانب التأملي قد يفضي إلي نتائج سلبية في المنطلقات الوطنية الصميمة، في إشعال الثورات، عندما تقول الثورة الخلاقة وغير الخلاقة، كأن أمريكا مثلاً هي العقل الاستراتيجي الذي خطط لثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، أنا ضد هذا، فالأمريكان أجهل وأغبي من أن يخططوا هذا التخطيط ، هم أغبي الناس سياسيا في القرن الحادي والعشرين، فلا يوجد قرار سياسي غبي أكثر من قرار جورج بوش الابن بغزو أفغانستان، لا يوجد غباء سياسي أقوي من غزو العراق عسكرياً، فهم لا يستطيعون أن يخرجوا منها لغاية الآن، ولا يوجد غباء سياسي أغبي من الحرب ضد الإرهاب، حرب معلقة في الهواء وأبدية، وأثبت الأحداث أنهم جهلة بالتاريخ الفريد لكل بلد دخلوا العراق، ولا يعرفون تاريخهم الحقيقي، مزقوا أنسجة المجتمع العراقي، ودخلوا أفغانستان بدون أن يعرفوا أن هذا الشعب الجبلي سبق له أن هزم الروس، كما سبق لهم في فيتنام لأنهم لا يعرفون تاريخها ، إنهم جهلة بتواريخ الشعوب ويستهينون بالجوانب المعنوية في تاريخ الشعوب، مش هما دول اللي بيخططوا التخطيط الشمولي لكل العالم العربي قلنا قبل أحداث تونس ومصر كتابتنا منشورة منذ5002انتهي عهد الشمولية إلي الأبد وستحاول قلاع السلطوية الباقية أن تحارب آخر معاركها، وهذا غير ممكن لأنه ضد مزاج القرن الحادي والعشرين، فالمزاج العالمي ضد السلطوية، فما تراه في العالم العربي هو نتيجة منطقية لتحجر النظم السياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.