خلال الأيام القليلة الماضية استقبل الرئيس حسنى مبارك وفدين يمثلان أجيالاً مختلفة من رموز الفكر فى بلادنا، الوفد الأول كان يمثل نجوم الفن السينمائى والمسرحى يتقدمهم النقيب د. أشرف زكى ويضم الفنانين محمود ياسين وعزت العلايلى وحسين فهمى ويسرا ويحيى الفخرانى ومنى زكى ومنة شلبى ونيللى كريم، وضم الوفد الثانى رموز الفكر والثقافة الأساتذة أنيس منصور والسيد يس ومحمد سلماوى وصلاح عيسى وخيرى شلبى ويوسف القعيد وسامية الساعاتى وعائشة أبو النور وجابر عصفور وفوزى فهمى وأحمد عبد المعطى حجازى، وحضر اللقاءين وزير الثقافة فاروق حسنى ووزير الإعلام أنس الفقى. لقاء الرئيس مبارك برموز الإبداع المصرى، جعلنى أتذكر عندما تشرفت بإجراء أول حوار فكرى وثقافى لمجلة الهلال وقت أن كنت رئيساً لتحريرها، وفى هذا الحوار زدت يقينا بإيمان الرئيس بأهمية الفكر والإبداع وانحيازه الكامل لحرية التعبير وحبه للقراءة وكل صفوف الفكر يومها أوضح الرئيس مبارك فهمه الراقى لقضايا الفكر والإبداع والفنون عندما حاولت أن أستبعد البُعد السياسى عن هذه القضايا، بقوله: لا شىء بعيد عن السياسة، فالقضايا كلها متشابكة وقضايا الاقتصاد والعلوم والفنون والسياسة مترابطة وفكر الإنسان نتاج كل هذه الأشياء التى تشكل - مع تأثيرات الواقع والممارسة والتجربة والحياة - ثقافة البشر. وعندما سألت الرئيس عن رحلة الدراسة الأولى وكيف كان اهتمامه بالقراءة ومقدار تأثيرها على تشكيل شخصية سيادته أشار إلى أن القراءة كانت المصدر الأول للمعرفة.. قبل عصر التليفزيون والفضائيات.. أتذكر سلسلة إصدارات دار الهلال مجلة الهلال وروايات الهلال.. وكتاب الهلال.. كانت هناك أيضا سلسلة روايات الجيب.. ومجلات الرسالة للمرحوم الزيات والثقافة للمرحوم أحمد أمين.. وكانت هذه الإصدارات فى مرحلة الصبا والشباب هى التى قدمت لجيلنا روائع الأدب العالمى.. وعرفتنا بشخصيات مصرية عظيمة مثل عرابى ومصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول، وكُتّاب عظماء أمثال طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ومصطفى صادق الرافعى وغيرهم. وسألت الرئيس: سيادة الرئيس: على مدار رحلة الحياة نتوقف عند فنون الكلمة والصورة.. نعلم أنكم تشجعون الفنون والآداب وتقفون إلى جانب الكتاب والمفكرين والمثقفين.. هل وجدتم وقتا عبر مسيرة حياتكم للاستمتاع بفنون الرواية والشعر والمسرح والسينما والغناء والموسيقى؟ ومن هو المفضل لديكم فى هذه المجالات؟ فأجاب: الفكر والثقافة والفنون والآداب تمثل ذاكرة الأوطان وتراثها وعماد نهضتها، ولدينا فى مصر الكثير مما نفخر ونباهى به من حملة الأقلام والمبدعين.. كنت فى مرحلة الدراسة الثانوية معجبا بشعر محمود سامى البارودى لارتباطه بثورة عرابى، ولأنه فارس السيف والقلم ومن الشعراء المحدثين يعجبنى المرحوم صلاح عبد الصبور.. كنت حتى صرت قائدا لسلاح الطيران- أصطحب أسرتى لدور السينما والمسرح، وتراجعت فرص الاستمتاع بهذه الفنون مع تحملى المسئولية.. أسعد من آن لآخر بالاستماع لأم كلثوم ومشاهدة حفلات فرقة الموسيقى العربية بالتليفزيون. وسألته سيادة الرئيس: كيف ترون الانفتاح الثقافى فى صلته بحرية التعبير والإبداع كحق من حقوق الإنسان؟ وكيف ترون صحافتنا الآن؟ وما رأيكم فى الجدل الدائر حول حوار الحضارات والأديان أو صدامها؟ فأجاب سيادته: حرية الرأى والتعبير حق ثابت من حقوق الإنسان وكل حق يقابله التزام، وحريتى تقف عند حدود حرية الآخرين، ومن الأنانية أن ننشغل بممارسة حقوقنا وحرياتنا دون الالتفات لالتزاماتنا تجاه الآخرين وتجاه المجتمع.. ينطبق ذلك على الانفتاح الثقافى وحرية الإبداع.. فهى مكفولة للجميع شريطة ألا تتجاهل خصوصيات مجتمعنا وموروثه الدينى والثقافى.. فهذا ما حدث عندما غضبنا لما اعتبرناه مسيئا لمقدساتنا، واعتبره آخرون من خارج منطقتنا حقا أصيلا فى ممارسة حرية التعبير والإبداع.. أما عن الجدل الدائر حول حوار الحضارات والأديان.. فنحن فى حاجة لحوار حقيقى يلتقى حول القيم المشتركة للإنسانية، يقوم على قبول الآخر والتكافؤ والاحترام المتبادل، ويسعى لتحقيق المصالح المشتركة لأن نظريات صدام الحضارات تعبر فى حقيقة الأمر عن صدام فى المصالح. وأضاف الرئيس أن الصحافة فى مصر الآن تعكس حركة وحيوية المجتمع.. البعض يسىء ممارسة حرية الرأى والتعبير، وينظر لكل مايجرى على أرض مصر من وراء منظار أسود، ولكن العمل الصحفى يزخر بالعديد من الكتاب الجادين الذين يلتزمون الموضوعية وسلامة القصد وشرف المهنة وقواعدها.. والقارئ المصرى ذكى ويستطيع أن يميز بين هذا وذاك. لقد تعمدت أن أختار بعضا من أسئلتى الفكرية وإجابات الرئيس مبارك عليها التى تؤكد تقدير الرئيس مبارك لكل أنواع الإبداع باعتبار هذا الإبداع جزء مهم فى تشكيل وجدان الأمة وقد كان استقبال الرئيس مبارك لرموز الفن المصرى تقديرا لدورهم ودور الفن فى الارتقاء بالذوق العام والتعبير عن فكر ووجدان وأحلام وطموحات الإنسان المصرى والعربى، وجاءت قرارات الرئيس المتفهمة لقضايا ومشكلات الفن والفنانين تعبيرا عن حرصه على استمرار دور الفن المصرى والفنانين المصريين فى خدمة قضايا المجتمع وباعتبار الفنون بكل فروعها ثروة قومية يجب الحفاظ عليها.. لقد أعاد الرئيس مبارك التأكيد على مبادرته بإحياء عيد الفن وناقش مع الفنانين إنشاء مقر دائم لنقابة المهن التمثيلية واتخاذ عدد من الإجراءات القانونية لحماية حق الفنانين فى الحصول على حقوق الآداء العلنى ووجه الرئيس بدعم صناديق العلاج للفنانين وناقش مستقبل صناعة السينما إلى جانب عدد من القضايا الوطنية التى شرحها الرئيس للوفد. وفى لقائه والذى استمر نحو 4 ساعات مع المفكرين استمع الرئيس مبارك لكل الآراء وأعطى للجميع فرصة المناقشة وأعاد الرئيس مبارك موقف الدولة المصرية المبدئى والتاريخى من قضية المواطنة حيث طالب وأكد على ضرورة اضطلاع الكتاب والمفكرين والمثقفين بدورهم فى مواجهة دعاوى التطرف والانغلاق وحرصه على وحدة النسيج الوطنى مشيرا إلى أنه لا توجد أدنى تفرقة بين أبناء الوطن الواحد بسبب العقيدة أو الدين. وقال الرئيس إننا جميعا مسلمين ومسيحيين نعيش تحت علم واحد لوطن واحد يحكمه مبدأ المواطنة. وكرر الرئيس مبارك دعوته لأن تكون هناك أعمال إبداعية مختلفة تتناول تاريخ حرب أكتوبر وانتصاراته المجيدة وتعيد إحياءها فى ذاكرة الوطن وأن تكون الأداة لتعريف الأجيال الجديدة من الشباب والنشء بانتصار أكتوبر العظيم الذى يمثل صفحة مهمة ومشرقة فى تاريخ مصر المعاصر . وأكد الرئيس حرصه على حرية التعبير وتطور مسيرة الديمقراطية وحرية الإبداع ودعم الدور الوطنى الذى يقوم به المثقفون والمفكرون فى تناول هموم المواطن ومشكلاته وطرحهم للأفكار والرؤى لمستقبل الوطن وطموحاته وحرص الدولة على دعم دور المثقفين والمبدعين فى مختلف المجالات وضرورة استمرار دعم الدولة لحركة الإبداع فى مختلف مجالاته. وفى هذا الإطار أمر الرئيس بدعم المشروع القومى للترجمة بمبلغ 15 مليون جنيه وتخصيص خمسة ملايين جنيه دعما خاصا لاتحاد الكتاب، كما وجه بتخصيص يوماً لتكريم الفائزين بجوائز الدولة التشجيعية والتقديرية وجائزة مبارك على أن يكون هذا اليوم يوما للاحتفال بالإبداع والمبدعين. مبارك كان حريصاً أثناء اللقاء على إدارة حوار فكرى حول العديد من قضايا وشواغل الوطن الداخلية والخارجية وقضايا الثقافة والفكر. لقد عكس اللقاءان مع رموز الفكر والإبداع سواء مع الكُتّاب والمفكرين أو مع الفنانين حرص الرئيس على التواصل مع كل فئات وممثلى الشعب وقطاعاته المختلفة وجاء اللقاءان ليعيدا التأكيد على ثوابت مصر التاريخية وقيادتها الوطنية فى تقدير واحترام الفن والفكر والثقافة ورموزها والإيمان بدور عقول الأمة فى بناء ثقافة المجتمع والدفاع عن انتصاراته وقيمه الثقافية وتراثه التاريخى والتأكيد على مواصلة نهج التطور والإصلاح الديمقراطى والحرص البالغ على حماية الحريات السياسية والعامة والحفاظ على أمن واستقرار البلاد، إلى جانب استمرار النهج المصرى فى توازن علاقاتها الخارجية ودورها فى عملية السلام واسترداد حقوق الشعب الفلسطينى وتمسك مصر بقرارها المستقل وعدم قبولها لأى ضغوط أجنبية ودعوة المثقفين والمبدعين المصريين للحفاظ على المكاسب الوطنية والتلاحم الوطنى وتنوير المجتمع وتذكيره بمحطات التاريخ المصرى بكل ما يحمل من انتصارات. *** ما بين لقاءات الرئيس بالمبدعين المصريين من رموز الفكر والفن ومواقفه وحواراته طوال توليه لمسئولياته الوطنية خيط واحد يؤكد أن مصر مبارك وهى تسير بخطوات ثابتة نحو استكمال مشروع النهضة المصرية ستظل تحتفظ بتراثها التنويرى وإيمانها بحرية الإبداع والتعبير باعتبارهما أرقى أنواع الحريات التى لا تكتمل حقوق المواطنين إلا بهما، وأعتقد أن هذا الخيط ظل ممتداً منذ عام 1981 وحتى الآن، وأتصور بل أؤكد أنه أصبح سمة مصرية تسعى الدولة المصرية للحفاظ عليها وتطويرها.