نتابع بين كل يوم وآخر قضية فساد جديدة.. تنتصر فيها هيئة الرقابة الإدارية علي مسئولين تجردوا من ضمائرهم ودينهم ووطنيتهم.. ومدوا أياديهم النجسة إلي ما لا يحق لهم لتسهيل أشياء لمن لا يحق لهم. الجهد الكبير الذي يبذله رجال الهيئة بقيادة اللواء محمد عرفان.. يعطي كثيرا من الأمل لدي الشعب في القضاء علي الفساد داخل أجهزة الدولة.. مازال طابور الفاسدين طويلا.. ويبدو أنهم لا يقرأون الصحف لتكون عندهم ذرة خوف.. و يتوقعوا أن سقوطهم أصبح قريبا. الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة.. وفي رأيي أن الفساد أخطر وأشد قسوة علي الوطن من الإرهاب.. لأن الأول يولد الثاني وليس العكس. بؤر الإرهاب محدودة.. وقد تكون معروفة لأجهزة الأمن.. لكن بؤر الفساد متغلغلة كالسرطان حتي أصبحت منهجا.. وعادة يومية يمارسها البعض مع وجود ألف ألف مبرر. الفساد يظهر في كل أمور حياتنا اليومية تقريبا.. وهو أحد الأسباب القوية وراء الارتفاع المجنون الذي نشهده حاليا في أسعار كل شيء.. وأبسط صوره هي تلك العادة التي تنفرد بها مصر وهي البقشيش أو الإكرامية التي يدفعها أي واحد منا للحصول علي خدمة أفضل من غيره.. أو شيء أكثر من حقه.. بل وصل الأمر إلي أنك تضطر أحيانا لأن تدفع لمجرد أن تحصل علي حقك. وعلي مبدأ الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر.. فان هناك الفساد الأكبر والفساد الأصغر.. فالجهاد الأكبر هو جهاد النفس.. والفساد الأكبر أيضا هو فساد النفس.. عندما تفسد النفس فلا يكون هناك عدل ولا عدالة.. ولا يكون هناك وطن ولا دولة. الإرهاب هو إحدي النتائج الحتمية للفساد وغياب العدالة الاجتماعية، وهو سبب رئيسي ولكنه مستتر وكامن لسخط الشعوب علي حكامها.. وإذا لم ير الشعب إرادة لدي الدولة لمحاربة الفساد والقضاء عليه فسوف تنقطع العلاقة بينهما.. وهذا ما حدث مع النظامين السابقين اللذين أسقطهما الشعب المصري العظيم بثورتين.. لأن أيديهما كانت متراخية في التصدي للفساد الذي كان يستفحل في مؤسسات الدولة.. بل كانت هذه الأنظمة التي سقطت شريكا رئيسيا في صناعة الفساد، ومتواطئة مع المفسدين ومشاركة بالصمت مع تحالفات اقتصادية مدمرة ومتآمرة علي حياة الشعب. مهما كانت مبررات الفساد والإفساد.. يبقي غير مقبول دينيا وأخلاقيا ومجتمعيا.. صغيرا كان أم كبيرا.. بالجنيهات كان أم بالملايين.. لأن خطره علي المجتمع والوطن أكبر بكثير جدا علي صاحبه.. لذلك فإن من واجب الدولة أن تكافحه وتقاومه.. وتقضي عليه. وإذا كان البعض يجد تبريرا للفساد الصغير ذي الجنيهات المحدودة.. فإنه لا مبرر لهذا النوع من الفساد المتناهي في البجاحة والغرف من المال السائب.. الذي هو المال العام.. يعني الشعب مش ناقص هذه الحيتان التي تغرف بلا حياء ولا رقابة.. من حق الشعب كله أن يقتص منهم.. من الذين سرقوا أمواله وتركوه فريسة للمرتبات الهزيلة و تكاليف الحياة المسعورة. الفساد وحش جبان.. لا يعمل إلا في الظلام.. والظلام لا يأتي إلا من الظلم.. أما مع النور والعدل والوضوح والإرادة المخلصة فلا يكون هناك مكان لفاسد أو مفسد. مع الرقابة والمحاسبة والقوانين العادلة والعدالة الناجزة لا يكون هناك مكان لفاسد أو مفسد. وهنا.. لابد أن نتفق مع الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أعلن منذ توليه المسئولية بإرادة شعبية أنه سوف يواجه خطر الفساد بكل قوة.. إدراكا منه بأن الفساد لا يقل خطورة عن الإرهاب. ولابد أيضا أن نتوجه بالشكر الي جهاز الرقابة الإدارية علي ما بذلته وتبذله من جهد لملاحقة وقائع الفساد في مواقع كثيرة ومتنوعة.. ويفاجئنا بقضايا متكاملة الأركان يضبط فيها المتهمون متلبسين مهما كانت مواقعهم أو الجهات التي يعملون بها.. مع احترامنا طبعا لكل الهيئات.. لأن الشرفاء في مصر هم الأغلبية. ولكن كما قال الرئيس.. فان مشوار القضاء علي الفساد والمفسدين طويل.. ويحتاج إلي وقت.. وإلي جهد كبير وجاد من الجميع.. فالأجهزة الرقابية وحدها لن تستطيع مجابهة وحش الفساد.. بل علينا أن نتكاتف جميعا للقضاء علي هذا الوحش المفترس الذي لا يراعي دينا ولا وطنا ولا شعبا.