يظن البعض أن الثورات هي من يقوم بها الشعب ضد حاكم ظالم ومستبد أو ضد نظام أصولي يعرض مستقبل الأمة التي يحكمها للخطر، لكن هذا ليس صحيحا لأن ذلك مجرد جزء من مفهوم الثورة، وفي رأيي فإن الثورة الحقيقية تكون على الفساد.. الفساد الذي هو أكبر عدو لأى أمة او بلد تريد أن تنهض وتحقق التنمية والتقدم.. ولأننا في مصر عانينا كثيرا ولانزال من انتشار سرطان الفساد في كافة أركان الجهاز الإداري للدولة، حتى بات هذا الفساد يمثل دولة داخل الدولة.. دولة تحكم لمصالحها لا لمصالح الشعب.. دولة تعيش وتقتات على آلام المواطنين وسلب المال العام وهو ما يترتب عليه تردي وانحدار في كافة الجوانب المتعلقة بالتنمية من إقامة مشروعات أو تطوير للتعليم والمستشفيات وغيرها.. مؤخرا بدأت مصر تدخل عهدا جديدا من الإرادة السياسية الحقيقية لمكافحة الفساد، وأقصد هنا أننا منذ أقل من سنتين فقط نستطيع أن نقول أننا بجانب حربنا المقدسة ضد الإرهاب فإننا نخوض حربا أكثرا قداسة وشراسة ضد خيوط الفساد فى البلاد.. وهنا لا يسعنا إلا توجيه الشكر والتحية والوقوف بفخر أمام المجهود الذي يقوم به رجال هيئة الرقابة الإدارية، الذين نجحوا في فترات ليست بالطويلة في الكشف عن قضايا فساد كبرى هزت الرأي العام لاسيما قضيتي وزير الزراعة وموظف مجلس الدولة. تلك القضايا وغيرها الكثير أعادت لخزينة الدولة المصرية ملايين الجنيهات، وبعثت في قلوب المواطنين الطمأنينة على مستقبلهم وكذلك الثقة في القيادة السياسية التي لأول مرة يشعرون أن هناك نظام يريد قولا وفعلا القضاء على الفساد الذي نعاني منه منذ عقود. والتساؤل الذي يطرح نفسه حول ما تقوم به هيئة الرقابة الإدارية حاليا هو: ماذا لو أن هذه الجهود الحثيثة والصادقة في مكافحة جذور الفساد قد بدأت عقب 25 يناير 2011؟! قطعا كان الوضع سيختلف وكنا ها هنا اليوم نجني ثمار ما بدأناه قبل ست سنوات. في رأيي أن السبب الرئيسي لثورة 25 يناير كان الفساد الكبير والمستشري في ظل عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وعليه فقد فطن الرئيس السيسي لهذا الأمر وعلم أنه مهما كانت فاتورة مكافحة الإرهاب كبيرة ومهما تطلب من توجيه كافة الجهود نحوها، إلا أن مكافحة الفساد لا تقل أهمية وضرورة. أمر أخر شديد الأهمية يحتاج منا التذكير دوما ألا وهو الاستمرار في الإعلان عن قضايا الفساد الكبرى والصغرى التي يتم ضبطها مهما كان اسم الفاسد أو صفته، وذلك لعدة أسباب، أولها للحفاظ على الثقة التي بنيت بين السلطة والمواطنين منذ الضربات المتتالية للرقابة الإدارية، وثانيا كأسلوب ردع لأي موظف تسول له نفسه الإقدام على تلقي رشوة أو استغلال منصبه.. نحتاج إلى حملة قومية شعارها "مصر بلا فساد".. حملة انا واثق من مشاركة جموع الشعب فيها بالتبليغ عن الفاسدين والمفسدين.. حملة لتغيير الفكر لدى الكثيرين حول توطن الفساد بمصر وكأنه ركن من أركان الدولة.. إذا كنا نحلم حقا بدولة حديثة حقيقية يسود فيها القانون وتعلى فيها الحقوق والحريات فعلينا جميعا أن نشارك وأن نكون إيجابيين مع أي تحرك لتغيير واقع الفساد ببلادنا.. يبقى أمر أخير وهام للغاية.. إن مكافحة الفساد هى فقط بداية الطريق للنهضة والتنمية وليست الطريق بأكمله، فالطريق به العديد من المحطات المتمثلة في تشجيع الصناعة الوطنية وتشجيع حملات التوعية وتغليظ عقوبات الفساد المالي والإداري، وتوجيه الأموال في أماكنها المناسبة وسن القوانين التي من شانها مساعدة هيئة الرقابة الإدارية في تطوير عملها أكثر وأكثر..