نحن أحفاد الفراعنة، بمزاياهم، وأيضا بعيوبهم، فنحن أحفاد هؤلاء الذين عرفوا بالجلد والصلابة، وقوة التحمل، ولم يكن بناء الأهرامات، المعجزة الإنسانية الباقية عبر آلاف السنين، إلا صناعة هذه التركيبة الإنسانية الحضارية الفريدة، التي تجد آثارها حتي يومنا هذا في قوة صلابة المصري، وتحمله كافة الصعاب، إلي حد يذهل الجميع، حتي يحقق ما يريد، ونظرة بسيطة علي أية دولة من دول الحضارات الجديدة، ولتكن كندا مثلا ستجد أن من يرسمون مستقبلها التعليمي المبهر، هم مجموعة من المصريين الذين تربوا وشربوا من نيل مصر، وبإصرارهم وتحديهم للظروف المحلية، وأيضا الدولية، احتلوا مكانتهم العلمية . هذا هو الوجه المضيء للجين الفرعوني المزروع فينا، أما الوجه المظلم، المخيف فهو أن المصري القديم، كان دائما ينزع إلي تأليه حاكمه، فالفرعون هو الذي يرزقه وهو الحامي وهو الأب، وحامي الحمي ومع الأيام أصبحت هذه الصورة، التي تخلط بين الحاكم البشر، وبين الإله، جزءا من عقيدة المصري تجاه من يحكمه يراه من حوله وكأنه لايخطيء، ليس بشرا مثلنا، بل علي العكس : فالحاكم يفهم في كل شيء، ويقول رأيه في أي تخصص واذا تحدث فلا حديث بعده، ولم تكن المقولة الساخرة " أحلام سعادتك أوامر " إلا تجسيدا لهذا الوضع . اليوم نحن نخطو خطواتنا الأولي في حياة جديدة، نتنفس فيها لأول مرة منذ ثلاثين عاما حياة جيدة، بدون الحاكم الاله الذي " لاينطق عن الهوي " كل هذا حدث بجهد وعناء ودم الشرفاء من أبناء هذا الوطن، مرحلة مفصلية في عمر الوطن لابد فيها أن نتخلي عن صورة الحاكم الإله . نحن نريد حاكما نحاكمه اذا أخطأ، ونزيحه اذا حاد عن الجادة، ونسائله اذا أفسد، ونقيله اذا فشل . نريد حاكما ليس فرعونا، لا نريد أن نكون من أنصار " عاش الملك .. مات الملك " .. استوقفتني كثيرا دعاوي إزالة صورة السيدة سوزان مبارك من فوق كتب مكتبة الأسرة، واستوقفني أيضا دعاوي رفع اسم الرئيس السابق من فوق المئات من المشروعات، والجوائز التي تحمل اسمه . الذين فعلوا كل هذا نفاقا لشخص الرئيس، ولعقيلته، لا زالوا بيننا، وهم الذين يزينون الباطل لكل من يجلس علي الكرسي، أي كان هذا الكرسي، سواء في هيئة صغيرة أو في رئاسة الجمهورية، أدواتهم جاهزة ، ومسالكهم معروفة ومحفوظة. نريد رئيسا يأتي وهو علي يقين أن ضمانة وجوده هي العدل، والأداء الصادق، وأن وجوده في كرسيه مرهون برضاء رجل الشارع عنه، ونريد رئيسا لا تشارك حرمه في تعديل الوزراء وفي رسم مستقبل البلد، يكفيها أن تكون السيدة الأولي، نريد رئيسا يتم إيقاف أبنائه في إشارات المرور اذا أخطأوا، ويذهبون الي أقسام الشرطة، كأي فرد عادي، كفانا أبناء رؤساء يتقدمون الصفوف، ويأمرون الوزراء وتقام له الاستقبالات، لا لشيء إلا لأنهم أبناء الرئيس .