بعد صبر طال هب الشارع المصري احتجاجا علي تدهور الأحوال، مظالم حقيقية رفعت لافتاتها وعلت صرخاتها، أخيرا، استجاب الرئيس مبارك، تفاوتت ردود الأفعال ما بين رفض وتشكك وقبول، انتفاضة مصرية بدأت علي الانترنت وامتدت نداءتها إلي الشارع، لم تعرف لها قيادة واضحة وصعب التحاور معها، في ذات الوقت ركبت موجتها تيارات معارضة تيارات قياداتها في ظهور علي الشاشات طالما تمنوه واشتاقوا له. شلت الحياة في مصر، عمت الفوضي، ازدادت معاناة المرضي، قل الطعام، تضاءلت السيولة المالية في الجيوب، حال يستحيل استمراره، بعد خطاب الرئيس لابد أن يهدأ الإيقاع، أن ننظر جميعا في كل الاتجاهات، أن نري ونتدبر، لست من أعضاء أي حزب، أنا مواطن مصري، وهو الأهم، أكره التخبط والفوضي والضبابية وانتهازيي المعاناة. الانترنت عالم قائم بذاته، له أولوياته واهتماماته وقضاياه، لكنه عالم يستحوذ علي أثنين مليار مستخدم وهم 03٪ من تعداد سكان الكرة الأرضية، بينما يبلغ عددهم في مصر 71 مليونا بنسبة 12٪، شبكة الانترنت اصبحت مهيمنة علي الاتجاهات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية بصورة يستحيل تجاهلها وانكارها. وقد اصبحت شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك تضم 054 مليون مشترك علي مستوي الكرة الارضية من ضمنهم 5.3 مليون مصري وهو ما يجعل تأثيرها شديد الاهمية، الانترنت لغة عصر، لا هي مفسدة ولامضيعة للوقت. وهو ما روجت له كثيرا شعارات الانغلاق التي سرعان ما ركبت موجة انتفاضة مصر ورحبت به نفاقا واسترزاقا حتي لايستمر تأخرها عن الزمان. كثيرون من المعارضين للنظام في مصر جاءوا من الخارج بحسن نية أو بدونه، لكنهم معروفون بالاسم، لذا من السهل التعرف علي دوافعهم ونواياهم، لكن ما يجب أن نتنبه له أن الانترنت عالم لا أرض له ولا جنسية ولا دين، وأن من يتخفون تحته أخطر من المعارضين الذين نعرفهم، وما يلفت النظر ويجب ان نراه بمنتهي الوضوح أن من يصنفون أنفسهم ناشطي انترنت مقيمين خارج مصر يتلهفون علي الفضائيات الأجنبية بقدر تلهفها عليهم، علي كل من يقيم في ميدان التحرير وفي أي ميدان آخر ان يقف ويفهم ويتحسب لخطواته والا يصيح الا بما يشعر لا بما يشعر به آخرون، والا يتحرك الا في اطار مصلحة بلد كبير عليه التزامات محلية ودولية. وختاما اذا كان الشباب هم الحركة والنشاط، فإن العقل الأرجح موجود أيضاً في غيرهم، وهم أيضاً بالملايين، لكنهم لا يتظاهرون، لنقف اذن ونتعقل ويحترم بعضنا بعضا، كفانا فوضي وميليشيات تبحث لنفسها عن متنفس وشخصية، كفانا بهلونات سياسة. كاتب المقال : أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس