أسوأ ما يواجهه مجتمع هو أن تغيب عنه البوصلة التي تحدد اتجاهه، أو لا يمتلك الرؤية الشاملة للتعامل مع القضايا التي تواجهه.. أو أن ينشغل عن معاركه الكبري ب«الخناقات» الصغيرة أو المفتعلة، أو أن يستبدل الحوار الحقيقي ب«الردح» الذي ينتقل الآن من نواصي الحواري إلي شاشات التليفزيون!! تخوض مصر حرباً من أصعب الحروب التي واجهتها، الحدود مهددة وجيشنا الوطني يخوض المعارك علي العديد من الجبهات ضد إرهاب منحط وضد مؤامرات خارجية تحاول الهيمنة علي المنطقة وتقاسم النفوذ علي حساب مصر والعرب. وتخوض مصر في نفس الوقت حرباً أخري لا تقل أهمية من أجل مواجهة آثار ما يقرب من أربعين عاماً من الفساد والإفساد والتراجع الاقتصادي والثقافي والسياسي، ومواجهة الفقر وانهيار الصحة والتعليم، وبناء الدولة الحديثة بالعلم والعمل وحشد كل الطاقات التي تملكها لتحقيق الإصلاح المطلوب في أسرع وقت وبأقصي كفاءة. يتطلب ذلك قبل أي شيء أن يكون هناك حوار حقيقي «وليس للتصوير!!» ينتهي بنا إلي توافق لابد منه لتحديد الأولويات ورسم الخطط الأساسية لخطة الوطن في إدارة معاركه وحشد قدراته. لكننا بدلاً من ذلك نجد محاولة مستميتة لجر المجتمع إلي استنزاف مخطط في معارك هامشية لا تنتهي!! نترك جانباً معركة «الحشيش» المفتعلة، والتي تجعلنا نترك كل ما نواجهه من قضايا مصيرية لكي نناقش إباحة الحشيش في مصر!!.. نترك ذلك جانباً لتواجهنا قضية توريط الأزهر الشريف في معركة إسلام بحيري، ليتحول ما يفترض أن يكون خلافاً علمياً إلي مباراة في التطرف والتكفير، ما كدنا نتجاوزها حتي فاجأنا الأخوة السلفيون بدعوتهم لتحريم الاحتفال بشم النسيم.. باعتبار أن «الشم» حرام، وأن «النسيم» مكروه والعياذ بالله!! ثم فجأة يدخل «المستريح» علي الخط، وتبدأ حلقات مسلسل شاهدناه منذ «الريان» وسوف يستمر مادام التحالف بين الجهل والفساد والتجارة بالدين قائماً!! لكن هذا كله يبدو متواضعاً أمام هذا «الشيء» الذي أسموه «الحوار المجتمعي مع الأحزاب عن الانتخابات البرلمانية» والذي نحمد الله أنه لم يذع علي الهواء كما كان البعض قد اقترح، فمنعنا بذلك فضيحة سياسية، لكن ما نشر كان كافياً لأن أسمع الإجابات التالية عندما سألت البعض عن هذا الحوار.. قال بعضهم: يعني أيه أحزاب؟ وقال البعض الآخر: يعني أيه حوار؟! وقال آخرون: يعني أيه انتخابات؟!.. ولله الأمر ولحكومتنا الرشيدة من قبل ومن بعد!!