ليس جديدًا على مصر أن يتجلى معدنها الأصيل فى أوقات الشدائد، وأن يتوحد شعبها العظيم وراء جيشه الوطنى فى لحظات الخطر. إنها مصر بكل تاريخها وحضارتها. مصر التى لا يعرف عنها شيئًا هؤلاء الأوغاد من إخوان الإرهاب الذين يظنون أن إرهابهم يمكن أن يقهر إرادة شعب أو يهز دولة عمرها من عمر التاريخ. والمهم الآن أن نمسك باللحظة، ولا نفرط فيها، وأن نبنى عليها للمستقبل، متجاوزين أخطاء الماضى، وعاقدين العزم على هزيمة كل مخاطر الحاضر. نعرف جميعًا أن حربنا ضد الإرهاب ستطول. ونعرف أن الأولوية الآن بلا شك للجانب الأمنى حتى نسحق عصابات الشر التى تتستر بالدين البرىء من أفعالهم المنحطة. ونعرف أيضًا أن للحرب جوانبها الأخرى التى تتعلق بالثقافة والتعليم ونشر صحيح الدين.. ثم بالتنمية التى توزع ثمارها على الجميع، وبالحرية التى تضع سياجًا يحمى الوطن. الإمساك باللحظة يعنى أن نضع كل ذلك فى إطار سياسى شامل يبنى على التوافق الوطنى الذى يجمعنا الآن، وينطلق من استعداد الجميع للعمل الجاد والجهد المشترك.. ليس فقط فى الحرب ضد الإرهاب، ولكن أيضًا فى معركة بناء الدولة الحديثة فى ظل ظروف نعلم جميعًا مدى صعوبتها، وتهديدات طالت كل دول المنطقة. المطلوب الآن أن تحضر السياسة، وأن تتحول الوحدة الوطنية فى مواجهة الإرهاب لتكون أيضًا توافقًا عامًّا حول رؤية شاملة لمستقبل الوطن. لا ينبغى أن نكرر الأخطاء التى وقعنا فيها بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو. فى المرة الأولى تفرقت الصفوف فاستولى إخوان الإرهاب على الحكم، وفى المرة الثانية تم افتعال المعارك الثانوية ليطل فساد ما قبل يناير ويحاول استعادة النفوذ وإعادة إنتاج الفساد القديم. الآن لا ينبغى أن تفلت منا الفرصة. فالتحرك السياسى ضرورى، أولاً لكى يحمى هذا التوافق الوطنى من محاولات لا بد أن نتوقعها لتفريق الصفوف.. وثانيًا لكى يجسد هذا التوافق فى خطة عمل لتحقيق أهداف الثورة فى التنمية والعدالة الاجتماعية والحرية والاستقلال الوطنى. إنها نفس الأهداف التى يحاول الإرهاب ومن يدعمونه أن يمنعوا تحقيقها، لأنهم لا يريدون مصر التى نسعى إليها.. بل يريدونها -كما كانت- تابعة وغارقة فى الفقر والتخلف والفساد. هذا هو جوهر المعركة التى نخوضها، والتى لا نواجه فيها جماعة الإرهاب ومن يدعمونهم من الداخل والخارج فقط.. ولكن نواجه أيضًا هذا الطابور الخامس الذى يحاول جاهدًا زرع الفتنة وبث الفرقة وخلق صراع زائف بين ثورة يناير وثورة 30 يونيو. ونواجه أيضًا حزب الفساد الذى يتصور أنه قادر على العودة بمصر إلى ما قبل يناير، ويسخِّر ما وفره الفساد من أموال ما زالت فى يده لكى يحقق هذا الوهم المستحيل. المعركة صعبة.. لكن النصر -بإذن الله وبوحدة الشعب- أكيد.