أنهى الرئيس السيسى يومين من الصمت الحكومى، وتحدَّث بصراحة كاملة إلى الشعب عن أزمة انقطاع الكهرباء. ترك الرئيس التفاصيل الفنية للتحقيقات، وركَّز حديثه على أبعاد الأزمة التى يواجهها قطاع الكهرباء بعد سنوات من تجاهل المشكلة وعدم مواكبة زيادة الاستهلاك، أو تطوير محطات الطاقة. وقدَّر الرئيس التمويل المطلوب للتعامل مع المشكلة خلال السنوات الخمس القادمة ب130 مليار جنيه. قضية الكهرباء ليست وحدها التى علينا مواجهتها، فكل مرافق الدولة (من المدارس إلى المستشفيات إلى الصرف الصحى إلى النقل العام) تحتاج إلى تجديد شامل وإنقاذ سريع. إنه الميراث المُر لأربعين سنة من الحكم الفاشل. وليس هذا وحده هو ما علينا أن نواجهه. بل علينا أيضًا أن نخوض حربًا حقيقية ضد إرهاب منحط يرتكب المذابح ويقوم بتخريب منشآت الدولة ويتوهَّم أنه قادر على إعادة حكم الفاشية الذى أسقطه الشعب إلى غير رجعة فى 30 يونيو. وعلينا أىضًا أن نواجه ظروفًا اقتصادية صعبة، بعد سنوات طويلة من الفساد والإفساد واستباحة المال العام ونهب ثروات الشعب على أيدى القلة من المحاسيب قبل ثورة يناير. ثُمَّ فى ظل أوضاع مضطربة بعد الثورة تراجع فيها الإنتاج وتوقَّفت السياحة وتمت فيها سرقة الثورة ومحاولة هدم الدولة. إنها الحرب الشاملة أو معركة الوجود، كما يسميها الرئيس السيسى، باعتبار أنها تستهدف إنقاذ مصر واستعادة قدرتها على الانطلاق والنهوض وهزيمة كل محاولات تحويلها إلى دولة فاشلة، كما يراهن الأعداء الذين ما زالوا يدعمون الإرهاب ويحاصرون مصر ويستغلون الأزمات التى تمر بها فى التحريض على النظام والتآمر ضد الثورة. والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هو: إذا كنا فى حرب شاملة ضد إرهاب منحط وتهديدات خارجية وظروف اقتصادية صعبة.. فكيف نخوض هذه الحرب بهدف وحيد هو الانتصار الذى لا شك أننا نملك كل أدواته، وأولها هذا الشعب العظيم القادر على تحقيق المعجزات، وهذه الثقة بين الشعب وقيادته، وهذا الإيمان بأننا قادرون على صنع المستقبل الذى يليق بمصر والذى يحقق أهداف ثورتنا فى 25 يناير و30 يونيو؟! لقد استطعنا خلال العام الماضى التصدِّى بنجاح لإرهاب الإخوان وحلفائهم، ووجّهت قواتنا المسلحة والشرطة ضربات قاصمة لهذه العصابات الإجرامية، وما زالت تواصل عملها فى حماية حدود مصر وسط موجة عاتية من الإرهاب تجتاح المنطقة. وبدأنا العمل فى مواجهة ميراث المشكلات وإصلاح ما أفسدته أربعون عامًا من الحكم الفاشل، وطرحنا عددًا من المشروعات العملاقة فى مقدمتها مشروع قناة السويس الذى أثبت أن الشعب يثق فى قدرته على صنع المستقبل.. لكن الطريق ما زال طويلًا، والحاجة شديدة إلى خطة عمل واضحة تجمع كل الإمكانيات المتاحة للتعامل مع المشكلات التى تواجهنا فى كل المجالات. لقد سبق أن طالبنا بمجلس أعلى للتخطيط يضع تصوّرًا شاملًا لمصر المستقبل. ويعد خطة عاجلة لعامين وأخرى على الأجل المتوسط لخمس سنوات، يحشد من أجلها كل الإمكانيات، ويضع الحقيقة أمام كل المواطنين ليعرفوا كم سيُتاح من فرص العمل، وكم سيُبنى من مصانع، ومتى ستكون هناك مدارس حقيقية فيها تعليم، ومستشفيات حقيقية يجد فيها الناس العلاج. وأيضًا لا ينبغى أن نملّ أبدًا من التذكير بأن مصر لن يبنيها إلا جهد أبنائها. وهنا فإن ما سُرق من هذا الجهد لا بد أن يعود. لقد سبق أن حدَّد السيسى المبلغ المطلوب لصندوق «تحيا مصر» بمئة مليار جنيه. ولا أظن أن الرقم كان عشوائيًّا. إنه تقريبًا قيمة ما تم نهبه من أراضى الدولة التى استولى عليها المحاسيب بتراب الفلوس. وهو تقريبًا نفس المبلغ المطلوب لتوفير الكهرباء فى السنوات الخمس القادمة. والأهم أنه المبلغ الذى يقول من خلاله حيتان زمن الفساد إنهم قد استوعبوا الدرس قبل أن يرغموا على استيعابه!! صبر شعب مصر لا مثيل له، واحتماله بلا حدود، بشرط أن يتأكَّد من أنه شريك فى وطن يحكمه القانون ويسوده العدل، ولا يتصوَّر فيه الفساد -للحظة واحدة- أنه قادر على أن يستمر (بعد ثورتين) على نفس الطريق!!