رفع أسعار البنزين والسولار هو خطوة أولى وأساسية فى إجراءات صعبة ترى الحكومة ضرورة اتخاذها لإنقاذ الاقتصاد المصرى من الوضع البائس، الذى ورثناه، والذى وضعنا على حافة الانهيار المالى. بالطبع لم يكن ممكنًا الاستمرار فى أوضاع يتفاقم فيها عجز الموازنة، وتعجز الموارد عن توفير المطلوب للاستثمار وخلق فرص عمل أو لتحسين التعليم والصحة وباقى الخدمات، ولم يكن ممكنًا الاستمرار فى الاعتماد على المعونات الخارجية، ولم يكن عادلاً أن يذهب ربع الميزانية لدعم الأغنياء!! الإصلاح المطلوب وممكن، ولكن لا بد أن يكون محكومًا بشروط أهمها: أولاً: أن يبتعد عن تحميل الفقراء ومحدودى الدخل بأعباء جديدة، وأن يتجه إلى القلة القليلة التى استفادت -بالحق أو بالباطل- على مدى سنوات طويلة، والتى تحاول الاحتفاظ بامتيازاتها دون تقدير للظروف التى يمر بها الوطن. ثانيًا: البدء بسياسة تقشف حقيقية لا تقف عند قرار رئيس الجمهورية بتخفيض مرتبه والتبرع بنصف ثروته، وتنطلق خطوات بعد إقرار قانون الحد الأقصى للدخل على الجميع، لكى تمنع كل صور الإسراف الحكومى، ولكى تنشر ثقافة جديدة تنهى السلوك الاستفزازى للبعض، وتعيد الشراكة الحقيقية إلى مجتمع كان قد انقسم إلى أكثرية تعانى وأقلية تستحوذ على كل شىء. ثالثًا: أى إصلاح فى هذا المجال لن ينجح إلا إذا تبناه المجتمع، وإلا إذا تم بذل كل الجهود لتخفيف العبء عن الفقراء ومحدودى الدخل، وإلا إذا وضعنا خطة الإصلاح كاملة أمام الرأى العام ليعرف أنه إذا كانت هناك قرارات صعبة مطلوبة فى هذه الفترة، فإن المقابل سيكون خيرًا للوطن والمواطن. من حق المواطن أن يعرف حتى يجد طفله مكانًا لائقًا فى مدرسة حقيقية تقدم له التعليم المجانى وترحمه من وباء الدروس الخصوصية، ومن حق المواطن أن يعرف حتى تعود المستشفيات الحكومية لممارسة وظيفتها فى تقديم العلاج للمواطن، بدلا من الإذلال الذى يتعرض إليه الفقراء، ومحدودو الدخل على أبواب هذه المستشفيات، ومن حق المواطن أن يطمئن على أن ابنه سيجد فرصة عمل جيد حين تجد الدولة ما تنفقه على الاستثمارات الجديدة. رابعًا: على واضعى السياسات الاقتصادية وغير الاقتصادية أن يدركوا تعقيدات الموقف الذى نمر به، حيث نواجه الأزمة الاقتصادية وضرورات التعامل معها، فى نفس الوقت الذى نخوض فيه حربًا ضد إرهاب منحط، ونواجه فيه مؤامرات وحصار لاستهداف الثورة واستنزاف الدولة فى صراعات طويلة ومخططات لم يعد أصحابها يهتمون بإخفائها. إن ذلك يستدعى أن تكون أى خطة إصلاح محمية بتوافق مجتمعى، وباستنهاض كل القوى الوطنية على أساس أنهم شركاء فى القرار، وشركاء فى التضحية، وشركاء أيضًا فى جنى الثمار. فى الستينيات كانت لنا تجربة ناجحة فى التنمية، وفى آخر عهد مبارك كانت لنا تجربة أخرى حققت نفس نسبة النمو التى قاربت 7٪.. لكن ما أبعد الفارق بين التجربتين! فى الأولى كان الجميع شركاء حقا فى وطن واحد، وذهبت ثمار التنمية إلى الفقراء أولاً، وإلى بناء أسس صناعة وطنية حقيقية.. وفى الثانية انقسمت مصر إلى القلة التى استأثرت بكل شىء، والأغلبية التى عانت حتى ثارت وأسقطت النظام. خامسًا: استنهاض القوى الوطنية لدعم أى برنامج للإصلاح، يفرض أن يكون الجميع شركاء فى القرار، وأن تكون الشفافية كاملة فى طرح البرامج ومناقشتها والتوافق عليها، وأن يكون الإصلاح الاقتصادى جزءًا من الإصلاح الشامل المطلوب الذى يضمن الحريات ويحمى الممارسة الديمقراطية، ويؤكد للشباب أن المستقبل لهم والدولة معهم حتى لو اختلفت الرؤى.. ما دام الجميع يلتزم بأهداف الثورة ويتصدى لأعدائها، ويدرك أن المعركة ضد الإرهاب لا تنفصل عن المعركة من أجل بناء الوطن الذى تتحقق فيه أهداف الثورة، رغم كل التحديات.