لا يمكن أبداً، لأي إنسان عاقل، تصور أن يكون هناك مسئول كبير علي مستوي وزير خارجية الدولة الأولي في هذا العالم الغريب الذي نعيش فيه - لا أتصور أبداً أن مسئولاً بهذا القدر، وبتلك المؤهلات المرموقة التي تحملها السيدة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش - لا أتصور أن تخرج علينا هذه المسئولة الكبيرة معلنة عن مبدأ هزلي لا وجود له علي أرض الواقع، وذلك كما تخيلنا وتصورنا جميعاً، عندما خرجت علينا »كوندي« معلنة عن هذا المبدأ الشاذ والمتناقض الذي يتحدث عما أسمته »الفوضي الخلاقة« متجاهلة تماماً هذا التناقض الصارخ في تلك التسمية التي أشارت إليها، وأنه من الشائع والمثبت أن الفوضي مدمرة، وتجتاح أمامها الصالح والطالح، أما وصفها بأنها خلاقة فهذا هو المفهوم الجديد والمبتكر الذي صدمتنا به »كوندي«! ومع ذلك يبدو في النهاية أن هناك قدراً من الحقيقة في هذا التصريح الغريب، إن كانت كونداليزا تعنيه فإنها تكون قد أخطأت التعبير، واختيار الكلمات، فمن بعد ما رأيناه جميعاً من أحداث فوضوية اجتاحت جميع أرجاء الشرق الأوسط.. من بعد ذلك فإن نتائج هذه الفوضي لم تسفر أبداً عن أي إيجابيات، أو أي من أشكال »الخلق« ، بل وعلي العكس تماماً كانت النتائج هي المزيد من الفوضي، والدمار، ودماء الأبرياء التي نزلت ببلدان كثيرة في الشرق الأوسط بل وامتدت إلي أجزاء من أوروبا وآسيا! ولكن بعد الهجوم الفوضوي البشع علي كنيسة القديسين بالاسكندرية، فإن ردود فعل المجتمع المصري بمختلف طوائفه، كانت كلها، وإلي حد كبير، »خلاقة« انعكست بوضوح، وبالدرجة الأولي، في احتضان عنصري الأمة لبعضهما البعض، وشعور جارف وعميق »بمصرية« الجميع، وأننا شعب واحد نعيش في وطن واحد، وأنه ينبغي، ومن الواجب والضروري، إصلاح أي مواقف أو سياسات يمكن أن تهدد هذا التآخي، والوئام التام، بين عنصري الأمة.. في ذلك لا يستطيع عدو، أو صديق، إنكار هذا الجانب الخلاق في تلك الكارثة، أما عزاؤنا في أبناء أعزاء استشهدوا في هذا الحادث البربري.. عزاؤنا في ذلك أنه لن، ولا ينبغي أبداً أن يتكرر، وأنه حتي لو تكرر، فلن يؤدي يوماً إلي تحقيق تلك الأهداف التي يتمناها الإرهابيون!