رغم أن التغيير قد تم من داخل نفس الحزب، بل ومن داخل نفس العرق إلا أن الفارق كبير. وما بين كولن باول وزير الخارجية الأمريكي المستقيل وكونداليزا رايس وزيرة الخارجية الجديدة (تبدأ مهامها في يناير القادم) فوارق أساسية ربما أكثر من الفوارق بين التوجهات العامة للحزبين الجمهوري والديمقراطي. إن كلا من باول ورايس ينتميان إلي الحزب الجمهوري وكلاهما ينتمي إلي الجماعة السوداء من الأمريكيين الأفارقة (15% من المجتمع الأمريكي) ومع ذلك فإن رئيس أركان حرب الجيش الأمريكي السابق والذي كان مرشحا في فترة سابقة لتمثيل الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة يعتبر أحد الحمائم القليلة ذوي الاتجاهات الليبرالية الذين يضمهم الحزب الجمهوري والذي كان ومازال يمثل اليمين الأمريكي المحافظ في الاساس. ويحلو للبعض أن يشبه كولن باول بجورج مارسال وزير خارجية أمريكا الشهير أيام الرئيس هاري ترومان في أواخر الاربعينيات والذي قدم مشروع مارشال المعروف لمساعدة أوروبا في النهوض والبناء بعد الدمار والخراب الذي شهدته في الحرب العالمية الثانية بما في ذلك ألمانيا بل وعلي رأسها ألمانيا. ويعتبر مارشال بذلك هو المهندس الحقيقي الذي وضع أساسا متينا للعلاقات الاطلنطية الأوروبية والأمريكية وهو نفسه الذي اختلف مع الرئيس الأمريكي هاري ترومان سنة 1948 حول اعتراف أمريكا باسرائيل فلقد كان رأي مارشال عدم الاعتراف باسرائيل أو علي الأقل عدم الاسراع في ذلك الأمر حرصا علي علاقات الولاياتالمتحدة ومصالحها مع العالم العربي. ولكن ترومان ووفقا لنصائح عدد آخر من المستشارين في إدارته لم يأخذ بنصيحة مارشال بل وكان أول رئيس في العالم يبادر بذلك ويهنيء إسرائيل ويبعث البرقية مطولة إلي حاييم وايزمان أول رئيس لإسرائيل ودافيد بن جوريون أول رئيس للوزراء. ويقول جورح مارشال في مذكراته أن عددا من مساعديه المقربين في الخارجية الأمريكية طالبوه بالاستقالة بعد رفض ترومان لنصيحته ولكنه قال لهم.. إن ترومان هو الرئيس المنتخب وهو المنوط به اتخاذ القرار ودوري كوزير للخارجية هو أن أقول له رأيي، ومن حقه أن يأخذ بنصيحتي أو لا يأخذ بها. وليس المهم هنا مصير مارشال نفسه الذي مازالت القيادات الأوروبية الغربية تحمل تقديرا خاصا وعالميا لدوره في اعادة تعمير أوروبا والذي مازالت تتحامل عليه إسرائيل والقيادات الصهيونية واتهامه بالعداء للسامية، والذي حاربته وحاصرته وهددته الاحتكارات والتجمعات التي تضم الصناعات العسكرية العملاقة في أمريكا واتهمته بأنه يهدد الأمن الأمريكي نفس الأمر الذي دفعه إلي الانتحار في النهاية. وأوجه الشبه بين مارشال وباول هو موقف الأخير مع الرئيس الأمريكي جورج بوش والدور الذي لعبه مارشال مع ترومان وقد أشار كولن باول بنفسه إلي ذلك في تصريح سابق له حين سئل عما إذا كان يختلف مع الرئيس الأمريكي حول سياساته في العراق والشرق الأوسط ولماذا لا يستقيل إذا كان الأمر كذلك فقد حكي باول حكاية مارشال وترومان وردد نفس العبارات الرئيس هو المنوط به اتخاذ القرار النهائي. وحتي حينما ذهب باول إلي مجلس الأمن ومعه جورج تنيت رئيس المخابرات المركزية لطلب موافقة المجلس علي اتخاذ موقف حازم من العراق ويقدم الدلائل المضروبة وغير المقنعة عن تملك العراق لترسانة من أسلحة الدمار الشامل لم يكن خافيا علي أحد في ذلك الوقت أن الاثنين باول وتنيت، لم يكونا مقتنعين بالموقف ولكنهما كانا يمتثلان للحكمة التي أطلقها مارشال بالاكتفاء بتقديم النصيحة واعطاء الرئيس الفرصة الكاملة لاتخاذ القرار والامتثال له. ولم يكن خافيا أيضا أن الجنرال كولن باول ورئيس الاركان الأمريكي في حرب الخليج الأولي ضد العراق سنة 1990 أيام الرئيس بوش الأب، كان منسجما مع رئيسه في ذلك الوقت في تحقيق الهدف الاستراتيجي للتحالف الدولي في تحرير الكويت مع الابتعاد عن فكرة غزو العراق وذلك حفاظا علي التحالف الدولي نفسه الذي كان يضم في ذلك الوقت فرنساوألمانيا اضافة إلي انجلترا وبلدانا عربية مهمة مثل مصر والسعودية وسوريا. وكولن باول وزير الخارجية لم تختلف مع بوش الابن حول فكرة الغزو فقط بل كان معارضا للتوجهات العامة المتعلقة بتلك السياسة وحينما فشلت نصيحته الأولي حاول قدر الامكان ان يكون الغزو الأمريكي بتفويض دولي من خلال الاممالمتحدة او علي الاقل بناء تحالف فعال مع بعض الدول والانظمة العربية وتحجيم دور اسرائيل في الازمة وهو الأمر الذي اختلف عليه بوش تماما.. ان باول ينتهي خدماته في ادارة بوش بحضور المؤتمر الدولي الذي يعقد في شرم الشيخ حول العراق وتحضره الدول الثماني الكبري ودول الجوار العربي ثم يعرج بعد ذلك ليزور اسرائيل الأراضي الفلسطينية المحتلة ليلتقي بالمسئولين الفلسطينيين لأول مرة علي أرضهم المحتلة معلنا بذلك عن هويته الحقيقية. وعلي العكس من باول ورغم الانتماء الحزبي والعرقي الواحد تقدم كونداليزا رايس نموذجا مجسدا لصقور مفكري المحافظين الجدد ورايس باحثة اكاديمية تخصصت في شئون الحرب الباردة واستعان بها بوش الاب في بعض المهام الخاصة بهذه القضية خاصة العلاقات مع الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوروبا ولكن عملها في السنوات الثلاث الماضية كمستشارة للأمن القومي يناير 2001 وضعها علي خرطة السياسة العالمية حيث تحتل امريكا المركز الاول والاوحد في الهيمنة القضبية ولتصبح اول وزيرة سوداء وثاني امرأة بعد مادلين اولبرايت تحتل منصب وزارة الخارجية كما انها تنتمي الي اللوبي الفيدرالي الشهير الذي يضم ديك تشيني ورامسفيلد وولفويتزووبيدل وكانت عضوا في مجلس ادارة واحدة من اكبر الشركات البترولية الامريكية هي شركة شيفرن Chevran Corp oration اي انها جمعت بين الدراسة الاكاديمية والسياسة العملية مع ارتباط خاص بمصالح شركات البترول والطاقة. وبالرغم من ذلك فالبعض يراهن علي ان تجارب رايس المريرة مع التفرقة العنصرية في ولاية ألباما التي نشأت منها وايضا التراث الليبرالي النسبي والمعتدل لوزارة الخارجية الامريكية قد يدفع رايس الي استثمار ذلك في تكييف دور امريكي اكثر ايجابية في حل المشكلة الفلسطينية خاصة انها رددت كثيرا فكرة ان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي احد الاسباب الرئيسية للاضطراب في الشرق الأوسط وان حلا عادلا لتلك المشكلة يساعد كثيرا علي استقرار الاوضاع في المنطقة.