نحن في هذه السلسلة نحتج بان عدم بناء او عدم الاعتياد الثقافي لرؤية مفهوم معرفي لعلاقات السلطة والقوة عبر الزمن في التاريخ الدستوري والسياسي كان له الاثر الحاسم في اختفاء ثقافة المسئولية الدستورية السياسية كمكون اصيل في تصور بناء الدولة المدنية في مصر. نحن هنا نقترح صياغة دستورية سياسية جديده مستخدمين الفنيات المنطقية لمفهوم الضباب، والتي سنشرحها فيما بعد، ولكن قبل بناء هذا النموذج دعنا نتعرض الي صياغة مفهوم المسئولية السياسية في دستور 1971 لكي نتحقق من ان هذه الصياغة الحالية قاصرة ولا تحقق المفهوم الحقيقي والمعرفي للمسئولية السياسية، وبالتالي ليست صالحه عمليا لبناء تصور مدني للدولة الحديثة في مصر المعاصرة. اخذ دستور 1971 الدائم بنظام يطلق عليه البعض »النظام شبه البرلماني« لغلبة العناصر البرلمانية علي العناصر الرئاسية. ولكن تحليلا في ظل سيطرة التقاليد العرفية للثقافة القوة الجبرية لمفهوم السلطة الرئاسية، من الناحية التاريخية، وقع النظام في سياق هيمنة رئاسية عميقة. صدر الدستور المصري المعمول بة الان في 11 سبتمبر 1971 وادخل عليه ثلاثة تعديلات الاول في 22 مايو 1980 والثاني في 25 مايو 2005 والثالث في 26 مارس 2007، حافظ النظام الدستوري علي خصائص النظام البرلماني من ثنائية السلطة التنفيذية، والفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في التعاون والرقابة بينهما. فرئيس الجمهورية يتولي السلطة التنفيذية طبقا لنص المادة 137 من الدستور بينما توجد الحكومة كهيئة تنفيذية عليا تتكون من مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم، ويشرف مجلس الوزراء علي اعمال الحكومة، المادة 153. نظم الدستور المسئولية الجنائية للرئيس، بينما جعلة غير مسئول سياسيا حيث القي المسئولية علي عاتق الوزارة والوزراء، حيث قرر مسئولية الوزارة امام مجلس الشعب. وحدد الدستور المسئولية السياسية للوزاره في المواد 126 و127 و128 . اولا، المادة (126) الوزراء مسئولون أمام مجلس الشعب عن السياسة العامة للدولة، وكل وزير مسئول عن أعمال وزارته. ولمجلس الشعب أن يقرر سحب الثقة من أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو نوابهم، ولا يجوز عرض طلب سحب الثقة إلا بعد استجواب، وبناء علي اقتراح عشرة أعضاء المجلس. ولا يجوز للمجلس أن يصدر قراره في الطلب قبل ثلاثة أيام علي الأقل من تقديمه. ويكون سحب الثقة بأغلبية أعضاء المجلس. ثانيا: المادة (127) لمجلس الشعب أن يقرر بناء علي طلب عشر أعضائه مسئولية رئيس مجلس الوزراء، ويصدر القرار بأغلبية أعضاء المجلس. ولا يجوز أن يصدر هذا القرار إلا بعد استجواب موجه إلي الحكومة، وبعد ثلاثة أيام علي الأقل من تقديم الطلب. وفي حالة تقرير المسئولية يعد المجلس تقريرا يرفعه إلي رئيس الجمهورية متضمنا عناصر الموضوع وما انتهي إليه من رأي في هذا الشأن وأسبابه. ولرئيس الجمهورية أن يقبل استقالة الوزارة أو أن يرد التقرير إلي المجلس خلال عشرة أيام، فإذا عاد المجلس إلي إقراره بأغلبية ثلثي أعضائه قبل رئيس الجمهورية استقالة الوزارة. وإذا رفض اقتراح بمسئولية رئيس مجلس الوزراء، فلا يجوز طلب سحب الثقة في موضوع سبق للمجلس أن فصل فيه في ذات دور الانعقاد. ثالثا: المادة ( 821) إذا قرر المجلس سحب الثقة من أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء أو نوابهم وجب عليه اعتزال منصبه. ويقدم رئيس مجلس الوزراء استقالته إلي رئيس الجمهورية إذا تقررت مسئوليته أمام مجلس الشعب. هذا علما ان اللائحة الداخلية لمجلس الشعب في عام 1979 في الفصل التاسع والعاشر من الباب السابع رسمت خطوات تحريك المسئولية السياسية لاحد الوزراء تحت عنوان، »سحب الثقة من نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء او نواب الوزارء ومسئولية رئيس مجلس الوزارء«. قبل معرفة الناتئج المترتبة علي تحريك المسئولية نلاحظ التالي: اولا، تحريك المسئولية لابد ان يكون مسبوقا باستجواب، ثانيا: بعد الاستجواب يتقدم طلب من عشر اعضاء المجلس، ثالثا: يقوم رئيس المجلس نعرض الطلب بمجرد تقديمه مع التحقيق من وجود مقدمي الطلب في الجلسة حيث ان تغيب احد من العشرة، اي 46 عضوا، يسقط الطلب، رابعا: لا يجوز قيام المجلس باصدار قراره في الطلب الا بعد ثلاثة ايام علي الاقل من تقديم الطلب حتي تكون للحكومة فرصة للدفاع عن كيانها، خامسا: لابد من صدور القرار بسحب الثقة باغلبية الاعضاء، اي النصف زائد واحد، من كل اعضاء المجلس وليس الحاضرين فقط. هذه اجراءات بسيطة، ولكن تصبح معقده بل ومستحيله في سياق الهيمنه السياسية للسلطة التنفيذية، ويستمر التحليل.