تبحث هذه السلسة في اصول مفارقات وعدم تناغم مكونات الهيكل الدستوري السياسي في مصر تعتقد السلسة ان مصادر عدم التناغم الوظيفي والمؤسسي والعملي تنبع من عدم رؤية المسؤلية الدستورية والسياسية كتصور مفهومي معرفي قادر علي خلق واقعة وتغيره، تتشكل وتتغير المادة فيه، بالمعني الوسع لها، باعتبارها تجسيد لعلاقات السلطة والقوة، وتتحور بشكل مستمر وفق سياق مؤسساتي وابنية ووظائف ممتدا تجري عليها افعال وديناميات الزمن. في عبارة محددة، ان عدم بناء او عدم الاعتياد الثقافي لرؤية مفهوم معرفي لعلاقات السلطة والقوة عبر الزمن في التاريخ الدستوري والسياسي كان لة الاثر الحاسم في اختفاء ثقافة المسؤلية الدستورية السياسية كمكون اصيل في تصور بناء الدولة المدنية في مصر. نحن هنا نقترح صياغة دستورية سياسية لمعالجه هذا الامر. ونقيم هذه الصياغة علي مبادئ تطبيقات الذكاء الاصطناعي المعروف باسم منطق التشوش او منطق الضباب، منطق الضباب بالمعني الواسع هو منظومة منطقية تقوم علي تعميم للمنطق التقليدي ثنائي القيم، وذلك للاستدلال في ظروف غير مؤكدة. وبالمعني الضيق فهو نظريات وتقنيات تستخدم المجموعات الضبابية التي هي مجموعات بلا حدود قاطعة. يمثل هذا المنطق طريقة سهلة لتوصيف وتمثيل الخبرة البشرية، كما أنه يقدم الحلول العملية للمشاكل الواقعية، وهي حلول بتكلفة فعالة ومعقولة، بالمقارنة مع الحلول الأخري التي تقدم التقنيات الأخري. في عبارة مختلفة نحن نتعامل مع القيم الدستورية السياسية باعتبارها تعبير من مجموعات بلا حدود قاطعة بغرض تخليق منطق دستوري سياسي يسمح لمعالجة الاثر السلبي لاختفاء مكون المسؤلية الدستورية السياسية في تصورنا للدولة المدنية. ولكن قبل الدخول في بناء هذا التصور لابد لنا معرفة التطور التاريخي لمفهوم المسؤلية الدستورية السياسية في اطار العلوم القانونية وخاصة الدستورية منها والسياسية. نشأت المسؤولية الوزارية في بريطانيا، حيث كانت السلطة التنفيذية في إنجلترا في يد العرش ومجلسه الخاص الذي تفرع عنه فيما بعد مجلس الوزراء. وكان هذا المجلس يجمع بين أعضائه رجال السياسة والقضاء والجيش والمال والكنيسة. نظراً لكثرة عدد أعضاء هذا المجلس وتنفيذاً لرغبة العرش في إسناد الأعمال التنفيذية إلي الأعضاء الذين يحوزون ثقته يكونون علي اتفاق معه في الرأي فقد عمد العرش منذ البداية إلي اختيار عدد قليل من أعضاء المجلس لهذا الغرض وتنشأ من فكرة اسناد مهام الدولة إلي هذا العدد القليل ، مجلس الوزراء . ونشأة الوزارة في إنجلترا بشكل تدريجي من المجلس الخاص. وقبل عام 1466 كان الملك حراً في اختيار وزرائه سواء كانوا حائزين علي ثقة البرلمان أم لا وبعد ثورة 1466 استقرت سلطة البرلمان وأصبح من الضروري أن يختار العرش وزراء من بين أعضاء المجلس الخاص الحائزين علي ثقة البرلمان . وجاءت القوانين الإنجليزية خالية من أية إشارة خاصة بإنشاء الوزارة حتي عام 1905 في هذا العام أعطي رئيس الوزراء مكاناً خاصاً، أما مركزه القانوني وسلطته وطريقة تعيينه فكانت محددة بالتقاليد والأعراف الدستورية وحتي المرتب لم يخصص له كونه رئيس الوزارة بل بصفته اللورد الأول في مجلس الخزانة. ووقفت وراء انتقال السلطة الفعلية من الملك إلي الوزارة عدة أسباب ويمكن إجمال أهم هذه الأسباب بما يأتي: 1 - كان من نتائج انهماك وليام الاورنجي في القرن السابع عشر بالحرب مع لويس الرابع عشر في فرنسا أن ترك مقاليد الحكم بيد وزرائه لانشغاله بشؤون الحرب. 2- عند وفاة وليم الثالث في سنة 1702 بدون خلف، خولت العرش الأميرة (أنا) وتميزت هذه الأميرة بالضعف فلم تحاول استرداد السلطة الواسعة الممنوحة للوزارة. 3- كان من نتائج الظروف الشاذة والطارئة التي سادت بريطانيا في القرن الثاني عشر ولكي تساير الملكية الحركة الدستورية الجامحة اضطرت إلي التخلي عن الكثير من السلطات إلي الوزارة. 4- ساد عرف دستوري في بريطانيا يقضي بأن الملك لا يمكن أن يرتكب خطأ ، ورغبة في المحافظة علي هذا المبدأ وتحديداً للمسؤولية عند ارتكاب الأخطاء في فكر المجلس الخاص في إيجاد هيئة مسؤولة فحكم وجوب صدور جميع الأوامر الرسمية من هذا المجلس نفسه أو من عضو منتدب لهذا الغرض حتي إذا حصل خطأ أمكن معاقبة المخطئ بدون الالتجاء إلي لوم العرش. 5- وجود ملوك أجانب علي عرش إنجلترا في الوقت الذي ابتدات تنمو فيه المسؤولية الوزارية لأن عدم معرفة هؤلاء للغة البلاد جعلهم يتغيبون عن جلسات المجلس الخاص ويتركون شؤون الدولة في أيدي الوزراء وهذا ما سهل مبدأ المسؤولية الوزارية وأصبح كل وزير مسؤول عن وزارته. 6 - متانة التنظيم الحزبي والانضباط الذي يخضع له أعضاء الحزب وبفضل هذا الانضباط وذلك التنظيم تسفر الانتخابات دائماً عن أكثرية هي التي تتولي الحكم في البلاد طوال مدة المجلس بواسطة الوزارة التي يؤلفها زعيم حزب الأغلبية. 7 - مسئولية الوزارة أمام البرلمان أبعد العرش عن القيام بأي عمل لا يمكن للوزارة الدفاع عنه وهذا ما حجب عن الملك ممارسة الكثير من الأعمال بحجة أن الوزارة هي التي ستتحمل المسؤولية. وربما ينسجم اللجوء إلي هذه الحجة كلما رغبت الوزارة في إبعاد العرش عن ممارسة اختصاصه.. لهذه الأسباب وغيرها انتقلت السلطة الفعلية من العرش إلي الوزارة كما يعود لهذه الأسباب ظهور المسؤولية الوزارية في بريطانيا.. ويستمر التحليل.