سنج، مطاوي، مولوتوف، طوب، حجارة، حرائق، تدمير منشآت، اعتصامات، دراسة مع إيقاف التنفيذ.. هكذا صارت جامعات مصر، تربية غائبة وتعليم مبتسر الحرم الجامعي نسخة من الشارع، بلطجة وفوضي، لا أمن ولا قانون، حال بلا مثيل، يؤكد قتامة الصورة، يستحيل أن تكون الجامعات مختلفة، التظاهرات الطلابية لا تحمل لافتة واحدة، لا خط لها، شعارات سياسية، مطالب بإعادة التصحيح ورفع نتائج الامتحانات، شكاوي من أعضاء هيئات التدريس، من الامكانات، كله في تظاهرة واحدة منذ سبتمبر الماضي أغلقت لفترات اقطتعت من الأخلاق والدراسة، الجامعة الأمريكية، والألمانية، والبريطانية، وجامعة مصر الدولية، وجامعة المنصورة، وجامعة الأزهر، وجامعة عين شمس، هذا بالاضافة الي اغلاق كليات في جامعة القاهرة. يحمل كل صباح وكل لحظة احتمال الاشتعال في أي جامعة، لأي سبب، بعيدا عن الخاطر والحساب والتوقع. ما تعانيه الجامعات لا تقع مسئوليته علي طرف وحيد، إنه مناخ عام، يشترك فيه الجميع، من امتهنوا السياسة، المسئولون بالجامعات، أعضاء هيئات التدريس، الطلاب، الاعلام، يستحيل ان يقوي أي منهم وحده علي احداث هذا القدر غير المحدد من التدهور. انضمت الجامعات الي قائمة طويلة مما تردي أمام العالم، أمن، سياحة، استثمارات، اقتصاد. مصر تحت المنظار، لا اسرار في عالم اليوم، الثقة لا تكون إلا مع الاستقرار، لا يبدو قريبا ولا سهلا. أول اطراف المسئولية هم من رفعوا لافتات السياسة في الجامعات، من رأوا ساحاتها امتدادا للشارع، من جعلوا الطلاب أدوات لاجنداتهم ومخططاتهم للسيطرة والانتشار والدعاية. من الطبيعي ان تنقسم الجامعات بين المذاهب والمعتقدات والأفكار، ومع مناخ التعصب والانغلاق علي الذات يغيب الحوار وتتغلب السنج. تتحول كل مشكلة ولو كانت عن السياسة بعيدة الي مزايدات وصراعات سياسية وهو ما شهدته جامعتا مصر الدولية والمنصورة. من انتسبوا للسياسة جاءتهم الفرصة للصيد في الطين، زاروا الجامعات لاشعال النيران، لم يكن أي منهم محايدا ولا وسيط خير. المسئولون، علي مستوي الجامعات والكليات، أوهن من الاحداث، الانتخابات الجامعية أجلست الاضعف بعد ان عزف الافضل عن المشاركة احتراما لأنفسهم من تسول الأصوات الانتخابية. من تجلسهم الانتخابات تنحصر حساباتهم في تنويم الأمور، في تسطيحها، في ممالاة الاصغر، سواء من أعضاء هيئات التدريس أو من الطلاب، لابد ان يكون المسئول ثوريا، الاخلاق الثورية مختلفة عن غيرها، فيها التبجح علي الأكبر وعلي القواعد، المحاسبة إذن في حدها الأدني، إن حدثت أعطت الادارات الجامعية رسائل لا لبَس فيها، انها متراخية، تارة بحجة الثورية وأخري بحجة انعدام الأمن. الادارات في بعض الكليات توزع استبيانات عن المواد الدراسية بعد الامتحان النهائي، لا يمكن ان تكون إلا ضغطا علي أعضاء هيئات التدريس لتسطيح الامتحانات والتصحيح، يملؤها طلاب لا يحضرون أصلا! لقد فهم الطلاب الرسائل، تمادوا في مطالبهم، خرجت الأمور عن السيطرة، من العبث أي تصور مخالف. أما أعضاء هيئات التدريس فقد اصيبوا بكل علل المناخ المريض، نفاق وتلون، أو الانعزال والابتعاد. من يعشقون الكراسي لا يبحثون إلا عن الانتشار بأي ثمن، الفيسبوك أسهل وسيلة، يلفتون اليهم نظر النظام الجديد بدفاع كاذب عنه، فيه كل الغرض والهوي، وفي الوقت نفسه يريدون الظهور أنصارا للثورة والشباب، الكبار في نظرهم إذن خارج الزمن، حتي لو كانوا من معارضي نظام سقط. ما عاب جيلا أكبر وقع فيه جيل تال، انتهاز الفرص وعشق الظهور، بأي ثمن ومع أي لافتةالكبار أيضا، منهم من غير جلده، واصبح ثوريا، كده وكده كله كده وكده، كبير وصغير، مناخ جامعي بائس، لا قدوة فيه، ولا تعليم ولا علم، ولا تربية. الطلاب، هذه فرصتهم، شأنهم شأن عمال المصانع، العاملين بالسكة الحديد، كل من له مطلب في الشارع، لما لا يتحينون انعدام النظام، الصراع علي السلطة، التنافر الديني، الفوضي، ليطلبوا كما طلب غيرهم، بالحق وبالباطل، سيجدون من يوافقهم لأغراض في نفسه، من النظام الحاكم ومن معارضيه، من الادارات الجامعية، ومن أعضاء هيئات التدريس، لا يهم ما هو صواب وما هو صحيح التظاهرات الطلابية عالية الصوت لا يجمعها شعار واحد، كل وغرضه، رفع نتيجة امتحان، إلغاء رسوب، التغاضي عن غياب، وأيضا شعارات سياسية ودينية، منتهي التعارض والتناقض وعدم الانسجام. الإعلام يكشف المستور، هكذا يجب أن يكون، ليس من الصواب إلصاق الفشل به، ولا تكميمه ولا إرهابه، لكن ما يصيب مجتمعا لن ينسي إعلامه. الاعلام سلط الضوء، لكن غابت عنه الموضوعية ايضا، لم تنج فضائية ولا مذيع، لكن بمقادير تفاوتت، الاعلام طرف أساسي في محنة الجامعات، البحث عن الخبر الجاهز، لا الصحيح دائما، هو آفته، مراسلوه ومصادره ينقلون بهوي، ولا ننسي ما صاحب أزمة جامعة مصر الدولية من تجن علي القيم التربوية دون تدقيق في الأزمة وأسبابها، وكذلك لا يجب إغفال ما جري في قسم اللغة العبرية بآداب عين شمس حين ظهر مقدمو الفضائيات وكأنهم حماة الفضيلة، واستمرأ مسئولو القسم صورة جرحي الفساد الجامعي، والأمر كله فيه من الصراعات الجامعية الداخلية الشيء الكثير. الترهل الذي أصاب الدولة استبدل الاعلام بالنظام القضائي والاداري.. الظهور الاعلامي مغر، جدا للطلاب، وللعديد من أعضاء هيئات التدريس، المصلحة متبادلة مع الاعلام، يصعب، بدونه أن تكون ثوريا ومصلحا وايضا مظلوما ومطحونا، لا هدوء في الاعلام، أدواته وتوابله هي الانفعال والضجيج والصياح والشجار. كما ظهر أغنياء الحرب في فترة الحرب العالمية الثانية، والضباط أوائل ثورة يوليو، وأثرياء الانفتاح أيام السادات، ومنتفعو الحزب الوطني أيام النظام السابق، طفا كثيرون علي سطح هذه الأيام، منهم الثوريون بالصدفة، وثوار الفضائيات، وحكماء تويتر وفيسبوك، وانتهازيو الشارع.. انتهازية الشارع هي الاحتماء بالزحمة لطلب ما لا يطلب، هذا بالضبط ما آلت اليه جامعات مصر، وطالما يبدو خروج مصر من محنتها بعيدا، لن تنجو جامعتها، لا سحر ولا شعوذة.