الجامعات مرايا المجتمع، كلما تمسكت بالعلم علت، كلما كانت الأخلاق سيدة سمت، لكن مع تردي أوضاع المجتمع ككل وغلبة مشاعر التربص والبغض بين الشعب وحاكميه لم تعد العلاقات داخل الكليات أو بين الجامعات والنظام ممثلا في المسئولين عن التعليم والبحث العلمي إلا تأكيدا علي علة أصبح البراء منها صعب المنال. الصحف تبرز تصريحات لمسئولين تبعد تماما عن الواقع والكياسة الوظيفية، ما فيها إلا عنتريات عن جودة العملية التعليمية وتهجم علي أعضاء هيئات التدريس بالجامعات باعتبارهم سبب البلايا، طبعا مع تحابيش عن دعم البحث العلمي، تقابلها تعليقات من أعضاء هيئات التدريس فيها كل السخرية والتهكم، حوائط عالية تفصل تماما بين أعضاء هيئات التدريس والنظام، شأن كل فئات المجتمع. لا مجال لمدح أعضاء هيئات التدريس وتصويرهم ملائكة، فيهم من انحدرت سلوكياتهم لأدني ما في «الشرشحة» والبذاءة، فيهم من يجمع بين وظيفته في الجامعة مع وظيفته في شركة خاصة بقلب من حديد، ببجاحة، فيهم من لا يقرأ ولا يطلع، فيهم من يوافق علي درجات علمية منحطة، فيهم من لا يهتم إلا بمصالحه الخاصة علي حساب أخلاقيات العمل الجامعي ومتطلباته، التعيينات في الكراسي الإدارية ليست بأفضل حال، علي مستوي عمادات الكليات ووكلائها ورئاسات الأقسام، مسئولون أجلسوا بعكس ما تتيحه إمكاناتهم الشخصية والإدارية، قرارات ملفقة تمر، لجان بالتفصيل علي مقاس فلان وعلان، إدارة بالأذن لا بالعقل وترجيحه، شلليات، تقريب وابعاد، الكراسي ترفض شاغليها بعد أن كانت حكرا علي من يستحقونها، غطس فيها من كانت لهم مجرد حلم في يقظة ومنام، قيادات شكلية، أشباح تتوهم نفسها واقعا وكيانا مرئيا محترما، تشخط وتنطر هربا من جفاف فكرها وضياع منطقها. جامعات الحكومة كانت الأصل، هي البداية، بدلا من أن تقدم المثل لما تلاها من مؤسسات تعليمية، اسما مع الأسف، تجارية حتي الأعماق، أخذت منها أسوأ ما فيها، إنكار قيمة أعضاء هيئة التدريس، إعلاء سلوكيات إنكار العلم والأخلاق من أجل مال يجبي تحت مسميات عدة، تدليل الطلاب طالما دفعوا، تلفيق المناهج والامتحانات والنتائج والشهادات، جامعات الحكومة أصبحت مسخا، تماما مثل النظام، تمحكت فيما أطلقت عليه تعليما مميزا، غرق في كل خطايا التعليم الخاص، لا جدية ولا أمانة، أداء تمثيلي، طلاب علي مقاعد علم، وعمداء ووكلاء وقائمون بالتدريس، كل يؤدي دوره، آخر النهار يسدل الستار، استعدادا لتكرار عرض هابط في اليوم التالي والتالي والتالي. ألفاظ وبلطجة الباطنية وعزبة الهجانة بدأت في دخول الجامعة، بقوة، مع بعض اعضاء هيئات التدريس والطلاب، ليس فيها ما يثير الرفض ولا حتي العجب، انزوي ذوو الأخلاق ، إنه حال مجتمع بأكمله، في مجلس الشعب، في حوارات الفضائيات والأرضيات، في ممارسات الأحزاب وأصحاب الحلول، في تعليقات القراء علي مقالات بالكاد يفهمونها، في الشوارع والأندية، بين الجيران وفي العمل. لا غرابة إذا اسنت أحوال الجامعات، إذا طفا علي سطحها ما لا يسر عينا ولا أذنا ولا أنفا، من له منفعة موجود، البط، انتسب للإنسان أو الحيوان.