شركة رايثيون الأمريكية تفوز بتوريد أنظمة باتريوت بقيمة 1.7 مليار دولار لإسبانيا    مودرن سبورت يعلن فسخ التعاقد مع مجدي عبد العاطي    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم سيارة ملاكي وربع نقل بقنا    حسام الحداد يُعيد فتح التساؤل في «هكذا تكلم فرج فودة».. حين يصبح الفكر قدرًا    أوضاع العالم في 2025.. توترات أوكرانيا، الملف الأميركي‐الروسي، والأزمات في غزة    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجربة إطلاق صاروخ "سطح-جو" بعيد المدى    بعد تصريح مدبولي: "لا أعباء جديدة حتى نهاية برنامج صندوق النقد الدولي".. كيف طمأنت الحكومة المواطنين؟    أمم إفريقيا، ترتيب المجموعة السادسة بعد ختام الجولة الأولى    أمم إفريقيا - أبو زهرة: مصطفى وحمدي يشاركان في المران.. والشناوي حقق بطولات أكثر من دول    العودة من جديد.. اتحاد طنجة يعلن ضم عبد الحميد معالي    حل اتحاد السباحة بسبب وفاة اللاعب يوسف محمد وتعين لجنة موقتة    اليوم، البنك المركزي يحدد أسعار الفائدة الجديدة    محافظ الدقهلية ونائبه يطمئنان على حالة المصابين بحادث العقار المنهار اجزاء منه بسبب انفجار غاز    لم يرحم إعاقته، القبض على مدرس لغة عربية هتك عرض تلميذ في الهرم    براءة المدعي عليه لانتفاء أركان الجريمة.. حيثيات رفض دعوى عفاف شعيب ضد محمد سامي    كارم محمود: لم أجد صحفيا مهنيا تورط يوما في انتهاكات أثناء تغطية العزاءات    صفاء أبو السعود من حفل ختام حملة «مانحي الأمل»: مصر بلد حاضنة    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قريتي اللبن الشرقية ومادما جنوب نابلس    التعليم وتغير قيم الإنجاب لدى المرأة.. رسالة دكتوراه بآداب السويس    مجلس الوزراء: برنامج مصر مع صندوق النقد ينتهي في ديسمبر 2026.. ولا أعباء إضافية    قفزة تاريخية في أسعار الذهب بمصر اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    رئيس الوزراء: العاصمة الإدارية الجديدة تسجل أعلى معدل إشغال مقارنة بالمدن الجديدة السابقة    بالأسماء، أحكام الإدارية العليا في 49 طعنا على نتائج ال 30 دائرة الملغاة بانتخابات النواب    ترتيب أمم إفريقيا - رباعي عربي في الصدارة عقب الجولة الأولى    محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتهنئة الأقباط بعيد الميلاد المجيد    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: انتهاء برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي بعد عام    كيم جونج أون يشرف على اختبار صاروخ بعيد المدى وبناء غواصة نووية    فوز نصري عصفورة المدعوم من ترامب برئاسة هندوراس بعد تأخير إعلان النتائج    بسبب انفجار أنبوبة بوتاجاز.. انهيار جزئي بعقار سكني بحي شرق المنصورة| صور    لم تحدث منذ 70 عاما، محمد علي خير يكشف "قنبلة مدبولي" للمصريين في 2026    ربة منزل تُنهي حياة طليقها داخل محل عمله بشبرا الخيمة.. التفاصيل الكاملة    خبير مروري لتليفزيون اليوم السابع: تغليظ عقوبات المرور يعالج سلوكيات خطرة    الكرملين يؤكد تمسكه بالمفاوضات السرية لحل النزاع الأوكراني    رابطة العالم الإسلامي تدين الهجوم الذى استهدف أفرادًا من الشرطة الباكستانية    وزير الثقافة: الفنون الشعبية أداة لترسيخ الهوية الثقافية.. والتحطيب تراث إنساني يجسد قيم الشجاعة والاحترام    صاحب فيديو صناديق الاقتراع المفتوحة بعد خسارته: لم أستغل التريند وسأكرر التجربة    العالمي فيديريكو مارتيلو: الموسيقى توحد الشعوب ومصر وطني الثاني    صفاء أبو السعود: 22 دولة شاركت في حملة مانحي الأمل ومصر تلعب دور عظيم    سكرتير بني سويف يتابع أعمال تطوير مسجد السيدة حورية للحفاظ على هويته التاريخية    تحت عنوان: ديسمبر الحزين 2025.. الوسط الفني يتشح بسواد الفقدان    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    الوطنية للانتخابات: انتهاء اليوم الأول للإعادة ب19 دائرة في الخارج    محافظ القليوبية: انتهاء توريد الأجهزة الطبية لمستشفى طوخ المركزي    وسرحوهن سراحا جميلا.. صور مضيئة للتعامل مع النساء في ضوء الإسلام    بحضور مستشار رئيس الجمهورية.. تنظيم اليوم السنوي الأول لقسم الباطنة العامة بطب عين شمس    رئيس جامعة الأزهر: لدينا 107 كليات بجميع المحافظات و30 ألف طالب وافد من 120 دولة    رئيس جامعة المنصورة ونائب وزير الصحة يوقِّعان بروتوكولًا لتعزيز التطوير والابتكار    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    190 عامًا من التشريع لرعاية الأطفال.. كيف تصدرت مصر حماية الطفولة عالميا؟    قرار جمهوري بتجديد ندب قضاة للجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية    «الصحة» تعلن تقديم أكثر من 1.4 مليون خدمة طبية بمحافظة البحر الأحمر خلال 11 شهرًا    محافظ الجيزة يتابع الاستعدادات النهائية لإطلاق القافلة الطبية المجانية إلى الواحات البحرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    مواجهة النار.. كوت ديفوار تصطدم بموزمبيق في مباراة حاسمة بأمم إفريقيا 2025    الأسود غير المروضة تواجه الفهود.. مباراة قوية بين الكاميرون والجابون في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الداعشية الصهيونية
خارج النص
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 24 - 12 - 2025

قد يكون «داعش» خطرًا حقيقيًا يستحق الانتباه والحذر، لكن إسرائيل وجرائمها خطر أشد وأكبر يستوجب التصدى والمواجهة، لأنها تدفع العالم إلى حافة حرب دينية، وإشعال التوتر بين أبناء الديانات السماوية للتغطية على أطماعها التوسعية وجرائمها ضد الإنسانية
كيف يعيد التضليل الإسرائيلى العالم إلى «عصور الظلام»؟
فى يومين متتاليين عاش العالم حدثين أعادا اسم «داعش» إلى نشرات الأخبار، وصفحات الصحف، ففى 13 ديسمبر الحالي، تعرضت قاعدة عسكرية فى مدينة تدمر السورية لهجوم أدى إلى مقتل اثنين من الجنود الأمريكيين ومدنى ثالث متعاقد مع الجيش الأمريكى، ونقلت التقارير أن منفذ الهجوم كان حارس أمن سوريا ومشتبه فى تعاطفه مع تنظيم «داعش».
بعدها بساعات معدودة فى 14 ديسمبر، وتزامناً مع الاحتفال باليوم الأول من عيد الأنوار (حانوكا)، نفذ ساجد أكرم (50 عاماً) وابنه نويد أكرم (24 عاماً) وهما أستراليان مسلمان هجوما مسلحا أسفر عن مقتل 16 شخصاً (بينهم أحد المهاجمين) وإصابة أكثر من 40 آخرين، قبل أن يتصدى أسترالى مسلم يدعى أحمد الأحمد لمرتكبى الهجوم.
أعلنت السلطات الأسترالية أن الهجوم كان «عملاً إرهابياً مستوحى من تنظيم داعش وموجهاً ضد اليهود بدافع الكراهية»، واستندت الشرطة فى هذا التحليل إلى أن الجناة «سجلوا فيديو سابقاً ينتقدون فيه الصهيونية أمام علم داعش».
وبالطبع استغلت السلطات الإسرائيلية ووسائل الإعلام الغربية - المنحازة بطبيعتها للرواية الإسرائيلية حادث أستراليا - لإطلاق حملة جديدة من الترهيب والترويع، ليس فقط ضد الإسلام والمسلمين، ولكن ضد الدول التى اختارت الاعتراف بدولة فلسطين، وسعت الدعاية الإسرائيلية إلى الربط بين وقوع حادث الهجوم فى أستراليا، وبين الاعتراف الاسترالى مؤخرا بحق الشعب الفلسطينى فى امتلاك دولته وتقرير مصيره.
هذا الربط التضليلى ليس جديدًا على إسرائيل، بل يمكن اعتباره نهجًا دائمًا، ونمطًا فكريًا لا يتغير فى الذهنية الإسرائيلية، وقد تجاهلت تلك الحملة أن من تدخل لوقف الهجوم كان مسلمًا انحاز لفطرته الإنسانية البسيطة وكاد أن يضحى بحياته، وأن من ارتكبوا الهجوم لم يثبت ارتباطهم تنظيميا ب«داعش» بقدر ما استفزتهم جرائم إسرائيل ضد الأبرياء فى غزة.
■■■
لا يرى الخبراء والمحللون أن كلا الحادثين فى سوريا وأستراليا، يمكن اعتبارهما «عودة» مفاجئة لتنظيم داعش بقدر ما هو تذكير بواقع أن التنظيم لم يُهزم نهائياً، بل تحول إلى هيكل أكثر مرونة ولامركزية، لكننى فى المقابل أرى أن الحادثين ينبغى أن يفتحا نقاشا جادا حول صعود «الداعشية الجديدة»، بل وتغلغل الفكرة «الداعشية» فى عقول بعض ساسة العالم المعاصر، وممارسات بعض الدول والحكومات، فى المقدمة منها الحكومة اليمينية الأكثر تطرفًا فى إسرائيل.
«الداعشية» فى ظنى ليست مجرد تنظيم ارتبط ظهوره بحالة الاضطراب التى عاشتها منطقة الشرق الأوسط على مدى العقدين الماضيين، بل هى خلاصة لفكر التطرف الدينى والسياسى، الذى يتخذ من الدين ستارا لتبرير الإجرام والإرهاب لفرض الرأى أو تحقيق مصلحة ما.
و«الداعشية» وفق هذا المنظور تمثل ممارسة فكرية وسياسية، يتصاعد حضورها فى العالم خلال السنوات الأخيرة، وللأسف تساهم الكثير من السياسات الغربية التى تزعم أنها تحارب «داعش» وتكافح الفكر المتطرف، فى توفير البيئة الحاضنة والأجواء الملائمة لنمو ورسوخ تلك «الداعشية الجديدة».
كثير من الحكومات والمؤسسات الغربية تتناسى أن غض الطرف عن الجرائم اللاإنسانية التى ترتكبها حكومة تل أبيب يسهم فى إشعال غضب مليارات البشر حول العالم، فكل من لديه ضمير حى لا يمكن أن يقبل بقتل المدنيين الأبرياء، ولا بتجويعهم، أو بالمساعى التى لا تهدأ لاقتلاعهم وتهجيرهم من أراضيهم.
قد يكتفى كثيرون بالتعبير السلمى عن رفض تلك الممارسات سواء عبر التظاهر أو الانتقاد بالوسائل العلنية، بينما سيكون هناك - بلا شك - آخرون يعتقدون أن الوسائل السلمية باتت غير كافية لمواجهة إجرام إسرائيل وإمعانها فى سفك دماء الأبرياء، فضلا عن التماهى الغربى مع ذلك الإجرام اللاإنسانى، فيلجأون إلى أية وسيلة ينفسون بها عن غضبهم، ورغبتهم فى الانتقام، حتى ولو قاد ذلك إلى ارتكاب جريمة بحق مدنيين آخرين.
وبالتأكيد هذا ليس تبريرًا لممارسة الإرهاب أو التطرف، بقدر ما هو توضيح لخطورة ما تقود إليه السياسات والممارسات الإسرائيلية، فمن السذاجة تصور أنه لن يكون هناك رد فعل تجاه استمرار تلك الممارسات المخزية، فلكل فعل رد فعل، و«الداعشية» هنا لا تقتصر فقط على من ينتمون إلى تنظيمات التطرف المتأسلم، بل يمكن أن تكون هناك «داعشية صهيونية»، و«داعشية غربية» أيضا.
وأتصور أن ما يجرى فضحه من جرائم صادمة للضمير الإنسانى، ترتكبه حكومة التطرف اليمينى فى إسرائيل، ومساعيها المتواصلة للعقاب الجماعى للشعب الفلسطينى، وعمليات القتل الممنهج والسادية المروعة التى يرتكب بها عناصر جيش الاحتلال جرائمهم، كلها أدلة لا تقبل التشكيك على أن الذهنية «الداعشية» لا تقتصر فقط على حفنة من المتطرفين المتأسلمين، بل تمثل نمطا يمكن أن تتبعه دول وتمارسه حكومات!!
■■■
التفسير الذى تحاول حملات التضليل الإسرائيلية أن تسوقه أيضا لحادث الهجوم فى أستراليا، تجسيد للذهنية الداعشية من زاوية أخرى، وهو ربط الجرائم بالدين، بمعنى أن إسرائيل تحاول دائما اختلاق أجواء من الصراع الدينى الذى تزعم أنه السبب وراء «جرائم الكراهية» التى تُرتكب ضد اليهود فى العالم.
واختلاق فكرة الحرب الدينية هى مسألة قديمة ومستخدمة بكثافة منذ الحملات الصليبية فى القرون الوسطى، أو ما يُعرف فى الفكر والثقافة الأوروبية ب«عصور الظلام»، ومن الواضح أن حملات التضليل والإجرام الإسرائيلية لا تزال أسيرة تلك العصور، فضلا عن أن ممارساتها الوحشية والهمجية تحاول إعادة العالم إلى تلك الفترة الحالكة من تاريخ البشرية.
تتناسى إسرائيل أن التطرف الدينى والسياسى فكرة عرفتها كل الأديان، ومنها اليهودية نفسها، وأن تلك التنظيمات المتطرفة لم تفرق بين أتباع دين وآخر، وأن الحركة الصهيونية نفسها استخدمت نفس الأسس الفكرية والمزاعم الدينية التى استندت إليها تقريبا كل تنظيمات التطرف عبر التاريخ فى المسيحية وفى الإسلام.
ولا تزال البنية الفكرية التى تقوم عليها الفلسفة الصهيونية، تتشابه على نحو مثير للدهشة مع البنى الفكرية التى قامت عليها جماعات العنف والقتل باسم الدين من جماعة «الماسادا» اليهودية و»فرسان الهيكل» المسيحية وحتى «القاعدة» و«داعش».
تتجاهل حملات التضليل الإسرائيلية أن ارتكاب جرائم العنف والقتل واستباحة الدم الإنسانى دائما كانت الإطار اللازم لانتعاش التطرف الدينى والتنظيمات الإرهابية، وأن اصطناع العداء بين الأديان هو الوسيلة الأسهل لدى المجرمين لممارسة أفعالهم العدوانية وهم يرتدون ثياب الأبطال والقديسين، بل أن تكتسب جرائمهم المشروعية والتهليل من جانب أصحاب العقول الفارغة الذين لم يستطيعوا إدراك حكمة الأديان السماوية كلها باعتبارها رسالة محبة وسلام بين البشر، وجسر هداية يقودهم إلى التعايش لا إلى الصراع والاقتتال.
■■■
تقول المؤلفة البريطانية الشهيرة كارين أرمسترونج فى كتابها «الحرب المقدسة: الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم»، إنه «قبل أن يصل الصليبيون إلى القدس فى يوليو 1099 ويذبحوا بوحشية وهمجية أكثر من 40 ألفا من سكانها اليهود والمسلمين، كان المسيحيون والمسلمون يعيشون فى انسجام وتآلف نسبيين فى ظل الحكم الإسلامى الذى استمر 460 عاما، إلا أن العلاقات بعد هذه الحملات الصليبية بين الديانات الإبراهيمية الثلاث فى المدينة لم تعد إلى سابق عهدها قط من السكينة والوئام، فقد تسبب الصليبيون بإحداث تبدل مأساوى هائل فى القدس حيث التعايش الذى ساد ذات يوم يبدو الآن أشبه ما يكون بالحلم المستحيل».
هذه الفكرة التى ترويها أرمسترونج وتعتمد عليها فى الحكم بأن عقلية الحملات الصليبية لا تزال تحكم العالم اليوم وتأثيراتها المدمرة لا تزال حاضرة فى عقول كثير من قادة العالم الغربى وإسرائيل وتصلح لفهم حجم ما أحدثته إسرائيل من خلل فى العلاقة بين أتباع الديانات الثلاث، كما تكشف بشكل واضح حجم ما تمارسه إسرائيل من تضليل، فالعلاقة بين مواطنى أستراليا أو أوروبا من المسيحيين واليهود والمسلمين، لم تشهد توترا ذا بال على مدى عقود، إلى أن تفاقمت الجرائم الإسرائيلية وأصبحت تمثل عنصر التحول الحقيقى فى إثارة الكثير من نوازع التوتر، خاصة مع تصاعد حملات الإسلاموفوببيا (التخويف من الإسلام) التى تقودها منظمات ووسائل إعلام ترتبط بالضرورة بالخطاب الصهيونى الذى يكيل الاتهامات بمعاداة السامية لكل من يتجرأ على توجيه النقد لإسرائيل وسياساتها العنصرية واللاإنسانية.
ومن خلال العديد من الدراسات والمتابعة اللصيقة للخطاب الإعلامى الغربى على مدى سنوات، يمكن بسهولة الربط بين الاستخدام الكثيف لخطاب التحريض والتشويه بحق الإسلام والمسلمين، وبين المبالغة فى استخدام أدوات الترهيب عبر اتهامات معاداة السامية ضد كل من ينتقد السياسات الإسرائيلية، فكلا الخطابين يصدر من معين واحد، وتقوده مؤسسات داعمة دائما لإسرائيل إما بدافع سياسى أو اقتصادى، وإما بوازع دينى كتلك الجماعات المتصاعدة التى تبرر دعم إسرائيل باعتباره جزءًا من الإيمان والعقيدة المسيحية، وهى الأفكار التى باتت تُعرف ب«المسيحية الصهيونية»، وهى جماعات لا علاقة لها بالمسيحية التى تُعلى من قيم التسامح والإخاء الإنسانى.
هذه الجماعات «المسيحية الصهيونية» ليست سوى اختراق عميق من جانب الصهيونية للعقلية الغربية، استنادا إلى ذلك الخطاب المضلل القديم الذى اعتمدت عليه الحملات الصليبية، وقاد فى النهاية إلى حروب مدمرة لا دخل للدين بها، بل كانت تعبيرا عن أطماع سياسية وتحولات كبرى فى التاريخ الأوروبى.
■■■
استطاعت الممارسات الإسرائيلية الإجرامية أن تشعل التوتر بين أبناء الديانات السماوية الثلاث، بل إنها نجحت فى إحداث الانقسام حتى بين اليهود أنفسهم، فاليهود ليسوا كلهم - كما تحاول أن تصور الدعاية الصهيونية - قطيعا مؤيدا للسياسات الإسرائيلية، بل إن كثيرا من اليهود من أصحاب الضمائر الحية حول العالم هم من أشد منتقدى الجرائم الإسرائيلية.
ولم ينج هؤلاء من طعنات الدعاية الصهيونية، التى ابتدعت لهم مصطلحا فريدا من نوعه هو (Self-hating Jew) أو اليهودى الكاره لنفسه، وهو اتهام جاهز دائما لمهاجمة اليهود الذين ينتقدون إسرائيل، تماما كاتهام «معاداة السامية» لمن ينتقد إسرائيل من غير اليهود!!
الجرائم الإسرائيلية والإمعان فى قتل الفلسطينيين أدى خلال السنوات الأخيرة إلى حالة انقسام غير مسبوقة حتى فى صفوف اليهود أنفسهم، وكان عام 2025 أحد أكثر السنوات التى شهد انتقادات يهودية للسياسات الإسرائيلية حتى من ساسة أمريكيين يهود، فقد واجه السيناتور الأمريكى بيرنى ساندرز اتهامات متكررة خلال عام 2025 بأنه «يهودى كاره لنفسه» بسبب انتقاداته الحادة للعمليات العسكرية الإسرائيلية فى غزة ووصفه لها ب«الإبادة الجماعية».
وعلى مدى سنوات طويلة تعرض أكاديميون يهود مثل ناعوم تشومسكى ونورمان فينكلشتاين لاتهامات مماثلة بسبب معارضتهم الدائمة لأفعال إسرائيل، وبرزت جماعات مثل «الصوت اليهودى من أجل السلام» (JVP) و«ناطورى كارتا» بشكل أكبر خلال العامين الماضيين، حيث ترفض هذه الجماعات الربط بين الهوية اليهودية ودولة إسرائيل، وغالباً ما يُطلق عليهم خصومهم أوصافاً مثل «الخونة» أو «الكابوس» (Kapos وهو مصطلح يشير للمتعاونين مع النازيين)، وهو أيضا من الاتهامات الصهيونية الجاهزة لوصم كل من يحاول انتقاد إسرائيل!!
■■■
المسألة - إذاً - ليست صراعًا بين الأديان، أو رد فعل على اعتراف متأخر من جانب حلفاء إسرائيل بالدولة الفلسطينية كما تزعم الدعاية الإسرائيلية، ولكنها ردة فعل على الجرائم التى ترتكبها إسرائيل، والتى تجاوزت حدود الأراضى الفلسطينية وامتدت إلى سبع جبهات خلال العامين الماضيين، ولا تزال حكومة التطرف فى تل أبيب تصر على إفساد وعرقلة أية جهود حقيقية لمحاصرة الجنون فى الشرق الأوسط، وتماطل فى تنفيذ التزاماتها وفق اتفاق شرم الشيخ.
السياسات والممارسات الإسرائيلية هى الداعم الأول لعودة «داعش» الفكرة والتنظيم، فلولا الممارسات الإسرائيلية والجرائم التى ترتكبها ضد مدنيين أبرياء، لن يجد الفكر الداعشى بيئة يتمدد فيها، والتطرف الصهيونى يقابله بالتبعية تطرف متأسلم، فكلا التطرفين يعيش على وجود الآخر، ويستخدم وجوده سببا فى حشد الأنصار والأتباع!!
هذه هى الحقيقة التى يجب أن تدركها دوائر الفكر وصناعة السياسة فى العالم، وبالأخص فى الولايات المتحدة، إذا كانت جادة حقيقة فى مكافحة «داعش» والقضاء على كل مصادر الفكر المتطرف، فهذه التنظيمات الإرهابية هى فكرة قبل أن تتحول إلى تنظيم، وهذه الجماعات الإرهابية تنتعش كرد فعل على ما تقوم به إسرائيل من إضعاف للدول فى المنطقة، ونشر لحالة الفوضى والاضطراب، وارتكاب لحماقات وجرائم تسهل أساليب تجنيد الشباب الغاضب جراء تلك الجرائم!
تشير التقارير إلى أن أعداد هجمات «داعش» الإجمالية فى 2025 تراجعت مقارنة بسنوات الذروة (2019)، إلا أن التنظيم لا يزال تهديداً مستمراً وقادراً على التكيف، لكن الخطر الحقيقى الذى تشير إليه الحوادث الأخيرة هو أن استراتيجية «النزيف بألف جرح» (Bleeding through a thousand cuts)، التى يتبعها التنظيم حيث يضرب فى أماكن متباعدة جغرافياً لإثبات وجوده وزعزعة الاستقرار العالمى، باتت تؤتى ثمارها، وأن الجرائم الإسرائيلية ستوفر له الفرصة لاستقطاب غاضبين كُثر من تلك الجرائم فى قارات العالم المختلفة ليتحولوا إلى «ذئاب منفردة» تنفذ أفكار التنظيم حتى دون أن تنتمى إليه، وهو ما سيجعل أية جهود تقوم بها الولايات المتحدة أو دول المنطقة لمكافحة التطرف والإرهاب تذهب هباء.
■■■
عودة «داعش» إلى واجهة الأحداث خطر حقيقى، فهو يجيد الاستفادة من تحولات المنطقة، ويوظف المتغيرات التى تشهدها بشكل واضح لخدمة تمدده فى الكثير من المناطق، فقد استفاد من الاضطراب فى سوريا لإعادة بناء صفوفه، ويترقب بشكل واضح نتائج الحرب الجارية فى السودان لتحقيق التحام بين قواعده فى شرق إفريقيا وبين تمركزاته المتنامية فى غرب إفريقيا، وهو تحول كبير وخطير - إن تم - وستكون له تداعيات كارثية على أمن واستقرار دول المنطقة.
«داعش» يستفيد أيضا من أجواء الاضطراب والفوضى التى تثيرها السياسات والممارسات الإسرائيلية المزعزعة للاستقرار فى المنطقة، والتى تستنزف قدرات الدول الوطنية، وتنهك اقتصادياتها، وتمنح المبررات والذرائع لتجار الشعارات الدينية، والمتلاعبين بالعقول من أعوان تنظيمات التطرف الدينى والفكرى والسياسى، للعودة إلى المشهد من جديد.
قد يكون «داعش» خطرًا حقيقيًا يستحق الانتباه والحذر، لكن إسرائيل وجرائمها خطر أشد وأكبر يستوجب التصدى والمواجهة، لأنها تدفع العالم إلى حافة حرب دينية، وإشعال التوتر بين أبناء الديانات السماوية للتغطية على أطماعها التوسعية وجرائمها ضد الإنسانية، وتصوير أية محاولة لمحاسبة أو معاقبة إسرائيل باعتبارها نوعًا من الاضطهاد، بينما الحقيقة هى أن إسرائيل التى تضطهد كل من يقف عقبة فى وجه مشروعها الاستعماري، وتسعى بكل السبل إلى إقناع العالم بأن حروبها التوسعية هى «حروب مقدسة» بينما هى فى واقع الأمر ليست سوى «معارك مدنسة» و«أطماع ملوثة» بدماء الأبرياء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.