جريمة جديدة أقدم عليها تنظيم داعش الإرهابي في العراق أمس الخميس، مستهدفًا أحد المقدسات المسيحية في مدينة الموصل، ولا تختلف هذه الجريمة الداعشية كثيرًا عن نظيرتها الإسرائيلية التي أقدم عليها المتطرفون اليهود تحت غطاء وحماية قوات الاحتلال الصهيوني منذ أيام في القدس، عندما خطوا شعارات عنصرية باللغة العبرية تتوعد المسيحيين بالموت والانتقام والذبح على جدران دير وكنيسة "رقاد السيدة العذراء"، وهو ما يثبت التقاء كل من داعش وإسرائيل في نقطة مشتركة، وهي الإرهاب والتطرف. دير مار إيليا.. ضحية جديدة دير "مار إيليا" الذي استطاع أن يصمد لمدة 14 قرنًا أمام العوامل الطبيعية، لم يستطع أن يصمد مجددًا أمام الوحشية الداعشية، التي طالت تاريخه المقدس لتحوله إلى كومة ركام، حيث أكدت صور للأقمار الصناعية صحة ما قاله رهبان وخبراء بالشرق الأوسط بأن تنظيم داعش دمر أقدم دير مسيحي بالعراق؛ بحجة أنه "يحض على الإلحاد". بناء على بلاغ من بعض الرهبان وطلب من وكالة أسوشيتد برس، قامت شركة ديجيتال جلوب للتصوير بالأقمار الصناعية بتصوير الموقع الذي يقع فيه الدير، وقارنت تلك الصور بصور قديمة للموقع ذاته، وأظهرت الصور الحديثة صحة ما قاله الرهبان، حيث تم تدمير الحوائط الحجرية للدير تمامًا، وحدد الخبير في تحليل الصور والرئيس التنفيذي لشركة "أولسورس أناليسيس" ستيفن وود الفترة التي وقع فيها ذلك التدمير ما بين أغسطس وسبتمبر من عام 2014، وأضاف ستيفن أنه تم استخدام جرافات ومعدات ثقيلة وربما متفجرات في تدمير تلك الجدران، وتحويلها إلى تراب أبيض ورمادي اللون، مؤكدًا "لقد دمروها تمامًا". تاريخ الدير دير "مار إيليا" الواقع في الجانب الأيمن من نهر دجلة جنوب الموصل بداخل منطقة معسكر الغزلاني، والذي بناه القديس إيليا الحيري في نهاية القرن السادس الميلادي وبالتحديد عام 590 ميلادية، يعتبر من أقدم المقدسات المسيحية في العراق، وهو عبارة عن مبنى مساحته 27 ألف قدم مربع، مشيّد بالحجر والطين، ورغم أن سقف هذا الدير التاريخي لم يكن موجودًا إلى حد كبيرلكنه كان يحوي 27 غرفة بما فيها المحراب والمعبد. وظل الدير طيلة أكثر من 1400 عام مكانًا لصلاة وتعبد المسيحيين، حيث أضاء فيه الرهبان ملايين الشموع، وصلوا في محاريبه وتعبدوا عند المذبح. استنكار مسيحي قال القس الكاثوليكي بول ثابت حبيب: تاريخنا المسيحي في الموصل يتم تدميره بطريقة بربرية، نحن نعتبر ذلك بمثابة محاولة لطردنا من العراق، وإنهاء وجودنا على هذه الأرض. فيما وصفت مديرة مشروعات في معهد داركمان في جامعة آريزونا بالولايات المتحدةالأمريكية، سوزان بوت، والتي قضت أكثر من عامين في مسح وترميم الدير، ما حدث للدير بأنه خسارة لا يمكن أن تعوّض، مضيفة: علينا أن نحزن على الخسارة التي تكبدتها الأجيال القادمة التي لن ترى هذه المواقع، وتجرّب شعور النظر حولهم ورؤية ما استطاع أجدادهم القيام به. من جانبه استنكر القس بهنام وايل وعد، الجريمة الداعشية، قائلًا: كافة الكنائس بإقليم كردستان وقفت أمس الخميس وقفة حزن جماعية تنديدًا بهذه الجريمة الأثرية التي ارتكبها التنظيم المتطرف، مطالبًا الجهات الدولية بالتدخل العاجل لمحاسبة التنظيم عن هذا الفعل. حلقة في سلسلة الإرهاب دير "مار إيليا" يعتبر ضحية جديدة من ضحايا داعش، التي لها باع طويل في استهداف المقدسات المسيحية والإسلامية، حيث ينضم دير مار إيليا إلى قائمة متنامية من نحو 100 موقع ديني وتاريخي نهبت ودمرت وحرقت على أيدي تنظيم داعش، والتي كان آخرها تحطيم التنظيم للواجهة الخارجية الرئيسة لكنيسة "الطاهرة" بواسطة المعاول، والتي تُعد الأقدم من بين كنائس مدينة الموصل، والعائدة لطائفة السريان الأرثوذكس، والتي تحتوي على صليب مزخرف بالحلان الموصلي، وذلك في مايو الماضي. تحطيم المقدسات لم يكن الجريمة الوحيدة التي تقوم بها داعش ضد المسيحيين، بل تأتي محاولات تهجيرهم من منازلهم على قائمة أهداف التنظيم المتطرف، ففي 20 يوليو عام 2014 شن التنظيم حملة شعواء استهدفت أبناء الديانة المسيحية في الموصل وأطرافها، حيث خُير المسيحيون خلالها إما باعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو المغادرة، الأمر الذي أجبر آلاف العوائل على المغادرة. وقبل أيام قليلة وبالتحديد السبت الماضي، شرع التنظيم في بيع عقارات ومنازل وممتلكات المسيحيين فى مدينة الموصل بالمزاد العلنى، لتأمين موارد مالية لسد متطلباته، وقال سكان يقيمون فى المدينة، إن التنظيم افتتح مزادًا علنيًّا فى منطقة دورة قاسم الخياط غربى الموصل، بعد إعلان عناصره ساعة المزاد، من خلال سياراتهم ودورياتهم العسكرية والأمنية الجوالة فى الشوارع باستخدام مكبرات الصوت، وأكد السكان أن المزاد ضم أكثر من 400 منزل سكنى ونحو 19 عمارة تجارية و167 محلًّا ومخزنًا تجاريًّا. تلاقي الفكر الداعشي والصهيوني الحملات التي تشنها "داعش" ضد أبناء الطائفة المسيحية في العراق وسوريا تتشابه كثيرًا مع تلك التي يشنها المتطرفون اليهود في فلسطين تحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي وبمعرفة السلطات الإسرائيلية، بل وبإيعاز من رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو". بدأت الاعتداءات الصهيونية على المقدسات والممتلكات المسيحية في القدس منذ بداية احتلال الكيان الصهيوني للشطر الشرقي من القدس والضفة الغربية عام 1967، لكنها ازدادت وتيرتها في الفترة الأخيرة، في محاولة لتهجير المسيحيين من القدسالمحتلة والضفة والعديد من المدن الفلسطينية، ممارسة شكلًا من أشكال التطهير العرقي لهم، حيث طالت الاعتداءات العديد من الكنائس والأديرة، وتمثلت في سرقة محتويات بعضها، كسرقة "تاج السيدة العذراء"، وتحطيم البعض الآخر مثلما حدث في كنيسة "مار إلياس"، وكنيسة "القديس جورج"، وأحرقوا بعض الأماكن المقدسة، مثلما حدث في الكنيسة المعمدانية، وإحراق المكتبة الإنجيلية، وإشعال النار في كنيسة القديس بولس الأسقفية بالقدسالمحتلة، وإحراق كنيسة "الخبز والسمك" في طبريا، يونيو الماضي.