لم نقصد بهذا التحقيق أن نسخر من أحد.. لكن أحياناً ما يحدث في الشارع المصري يقترب إلي حد كبير من نصوص الكوميديا السوداء التي كتبها الشاعر الانجليزي وليم شكسبير.. والتي وصفها المؤرخون ب»المأساة«.. علي سبيل المثال لا الحصر.. رأينا بائعا يمسك عدة نسخ من الدستور الذي سيذهب المصريون للاستفتاء عليه يوم السبت القادم ببيعها للمواطنين.. سألناه هل قرأت الدستور.. فجاءت إجابته كالصاعقة.. لم أقرأه، وحاولت تصفح سطوره ولكني لم أفهم منه شيئاً.. سألنا بائعا آخر متجول هل ستقول نعم أم لا علي مشروع الاستفتاء قال: سأقول »لا« علشان البلد يحصل فيها استقرار والرئيس مرسي يعرف يحكم البلد ولذلك سأصوت بلا!!. مثل هذا المواطن البسيط لا يعرف أن كلمة »لا« ضد الدستور وليس معه رغم أنه من المؤيدين للدكتور مرسي ومع ذلك الصورة لم تكن كلها قاتمة تدعو للتشاؤم، بل كان هناك ما هو إيجابي، فقد التقينا بأشخاص علي دراية عالية بمواد الدستور والاستفتاء.. ولكن من ينور بصيرة أولئك المعدمين دخلاً وثقافة وتعليماً.. »الأخبار« رصدت أمس في الشارع المصري المضحكات المبكيات حول مشروع الدستور، وحول ثقافة الشعب علي مواد هذا الدستور.. وإليكم اجابات الأسئلة التي طرحناها علي المواطنين دون تدخل منا أو رتوش أو قلب للحقائق.. البداية عن ياسر بائع اكسسوارات بشارع 62 يوليو.. سألناه هل ستصوت بنعم أم بلا علي مشروع الاستفتاء.. فأجاب بلا، مبدياً أسباب ذلك والتي لخصها في أن مشروع الدستور الجديد ينال من هيبة القضاء والمحاكم في مصر والقانون بصفة عامة، وهذا ليس من المفترض ان يحصل في دولة بقامة وحجم مصر. سألنا ياسر.. وهل قرأت الدستور؟.. أجاب: لم أقرأ الدستور!!، ولم أشتر نسخة منه، وكونت معلوماتي حول الدستور من خلال وسائل الاعلام!!. سألناه عن مادة لم تأت في الدستور قط، وقلنا له ان الدستور ينص علي مادة تفرض سنا معينا لزواج الأولاد في مصر.. فهل توافق علي مثل هذه المواد؟.. أجاب قائلاً: لا أوافق علي هذه المادة بتاتاً، ومن وضعها يحاول بث بلبلة، ولذلك أيضاً سأقول لا في الدستور.. سؤال أخير وجهناه لعم ياسر.. وقلنا له ان الدستور الجديد جاءت به مادة لتنص علي استهلاك المواطنين لعدد معين من استهلاك الكهرباء بمعدل 4 ساعات للفرد الواحد يومياً.. أجاب قائلاً: هذه مادة جيدة، ولكن يجب تفعيلها بناء علي وظيفة الفرد واحتياجاته من الكهرباء!!. تركنا ياسر وانتقلنا الي شارع رمسيس لنلتقي بمحمود أحمد بائع كتب ونسخ من الدستور مطبوعة طباعة فاخرة.. كنا نعتقد أن محمود سيجاوب بنعم عندما نسأله هل قرأت الدستور.. لنجد أن اجابته جاءت حادة للغاية.. وصادمة للغاية.. أوضح محمود أنه لم يفكر قط في قراءة الدستور رغم انه يبيع نسخا منه، وحتي عندما قرر أول أمس قراءته واصطحاب نسخة معه إلي المنزل اكتشف انه لا يفهم شيئاً مما هو مسطور داخل مشروع الدستور. سألنا لماذا لم تقرأ الدستور أو تسأل أحد أقاربك لتفهم منه مواده.. أجاب بأنه غير مقتنع أساساً بالرئيس مرسي، وانه رافض لكل سياساته، وكان يتمني نجاح حازم صلاح أبواسماعيل في الانتخابات أو محمد سليم العوا، لذلك هو كافر بالمشهد السياسي بأكمله. تركنا محمود وحالة من اليأس والاحباط يسيطر علينا، وتحدثنا الي بائع كتب سياسية بجواره علي ناصية نقابة المحامين يدعي محمد عبدالوهاب.. سألناه هل تصوت بنعم أم بلا علي الدستور.. أجاب بكل ثقة بالطبع سأصوت بنعم علي أفضل مشروع استفتاء شهدته مصر مقارنة بالدساتير السابقة، فباب الحريات »كويس جداً« ولا يفرض أي وصاية أو رقابة علي الشعب كما هو الحال في الدستور السابق، كما ان اختصاصات الرئيس شهدت تقليصاً كبيراً في سلطاته لدرجة ان الشعب يحق له عزله اذا اراد الرئيس حل مجلس الشعب وجاء نتيجة الاستفتاء الشعبي علي هذا الحل بالرفض.. أضاف محمد: باب المرأة شهد خلافات كبيرة، ولذلك جاءت مواده »عايمة« وتركت للقانون ينظمها من خلال مجلس الشعب.. سألناه عن رأيه في الاعلان الدستوري الذي ألغاه الرئيس الذي صدر أول أمس، فأجاب بأن 06٪ من مواد هذا الاعلان كانت جيدة باستثناء بعض المواد التي تحصن قرارات الرئيس.. بعد ان استمعنا جيداً الي ما يقوله محمد عبدالوهاب.. سألناه هل قرأت مشروع الدستور.. فأجاب نعم قرأته، وفي الليلة الأخيرة للجمعية التأسيسية لانجاز دستورها »سهرت« حتي الصباح أتابع وقائع الجلسة الختامية.. وكم كانت رائعة.. ورغم تأييدنا أو معارضتنا لما جاء علي لسان محمد ولكنه أعاد لنا بارقة أمل بعد الصدمة الأولي والثانية التي تلقيناها من ياسر علي بائع الاكسسوارات، ومحمود بائع نسخ الدستور انتقلنا الي شحاذة منتقبة تفرش الطريق في منطقة وسط البلد وتحديداً بشارع طلعت حرب.. سألناها قرأتي الدستور، فأجابت بالرفض »لم أقرأه«، طيب حتروحي تشاركي في التصويت علي الدستور.. قالت لا،.. طيب لماذا لن تذهبي.. أجابت لأن مشيئة الله هي التي ستحدد النتيجة سواء ذهبنا ام لم نذهب!!. كآبة عادت الكآبة الينا مرة أخري بعد لقاءنا هذه السيدة التي يشبهها الكثير من النساء اللائي لا يعرفن شيئاً عن الدستور، لنلتقي بعدها بسيد عبدالسميع ضابط سابق وسألناه عن رأيه في مشروع الدستور.. فقال ان الدستور لفترة محدودة لحين انتخاب مجلس الشعب، وأوضح انه سيصوت بنعم علشان البلد تستقر خاصة ان هناك من لا يريد لمصر ان تنهض مثل تجار المخدرات والأسلحة حيث انهم مستفيدون من حالة الفوضي التي تشهدها مصر حالياً.. سألناه عن مادة وهمية في الدستور.. وقلنا له هناك مادة في الدستور تحدد عدد المواليد لكل مواطن مصري بواقع طفلين لكل مواطن فهل تؤيد مثل هذه المادة.. قال بالطبع أرفض هذه المادة لأن كل مواطن حر في عدد مواليده وأطفاله وأولاده!!. لم ينكر سيد تواجد هذه المادة في الدستور، ولم يجادلنا بشأن عدم صحتها أم لا.. وكأنه استسلم لتواجد هذه المادة.. سألناه عن مادة وهمية أخري وقلنا له ان أعضاء التأسيسية وضعوا مادة تسمح للمصريين بدخول السينما مرة واحدة في العام.. فأجاب بكل ثقة: طبعاً هذه المادة مرفوضة!!. وبكل حماسة جاءت اجابة أحمد حسن صاحب فرشة ملابس بوسط البلد بلا.. عندما سألناه هل ستصوت بنعم أم لا علي الدستور.. سألناه عن سبب تصويته بلا.. فقال ان الرئيس مرسي وأنصاره علي حق، وهم يريدون استقرار مصر، والمصريون سيصوتون بلا من أجل استقرار البلد.. لذلك سأصوت بلا مثلهم.. بمجرد أن توقف أحمد عن الكلام، تركته بسلام وذهبت بعيداً قبل أن يجن عقلي، فمن الواضح وفقاً لكلام أحمد أن مظاهرات جامعة القاهرة التي خرجت لتؤيد قرارات مرسي وتؤيد مشروع الدستور لتقول نعم، من الواضح أنها لم تصل لأحمد أو أنه يفهم بالمقلوب.. تقريباً أحمد يعيش في كوكب آخر!!.. هدأت من روعة نفسي بعد كلام أحمد وثقافته، واستوقفت ايمان الحسيني حاصلة علي دكتوراة في التاريخ الحديث المعاصر.. سألتها عن رأيها في مشروع الدستور، فقالت سأذهب للاستفتاء، وأقول نعم، لأن الدستور المطروح يمثل منطقة وسط بين جميع التيارات السياسية ويمثل نقطة التقاء بينهم، وجاء معبراً عن طموحات الشعب، وكنت أتمني ان تتواجد به مواد أكثر تمكن للشريعة، ولكن المواد المطروحة حالياً تمثل حدا معقولا للمواد التي تمكن للشريعة. وأضاف محمود سليم الذي يعمل نقاشاً، ان الدستور يكفل الحريات وحقوق المواطن، واتهامات اليساريين والليبراليين بأن الدستور غير معبر عن الشعب اتهامات باطلة خاصة أن الاتهامات نابعة من حرب ضد الاسلام تشنها أمريكا وأعداء الاسلام، وللأسف يحولون أناسا من بني جلدتنا بالداخل. سألنا ثروت حماد محامي عن رأيه في الدستور.. فقال: حتي وقتنا هذا، لم أكون رأيا حول مواده، وللأسف قمت بشراء نسخة من الدستور من نقابة المحامين بالأمس لأن معظم النسخ علي الانترنت مضروبة، وسأحاول أنهي قراءتي للدستور قبل يوم الاستفتاء حتي أستطيع ان أحدد موقفا بنعم أم لا.